قصيدة ما في المقام لذي عقل وذي أدب

تعود قصيدة "ما في المقام لذي عقل وذي أدب" إلى الإمام الشافعي رحمه الله، واسمه محمد بن إدريس الشافعي المكنى بأبي عبد الله، وُلد سنة 150 هـ واختلف في مكان ولادته، نشأ وترعرع في كنف أمه بعد أن مات والده وهو صغير، وكان على معرفة واسعة في مختلف العلوم، من أبرزها علم الحديث، كما اجتهد في معرفة الشعر وعلم النحو، فكان فصيحًا بليغًا ينظم الأشعار القيّمة التي لخّص فيها تجربته في الحياة.[١]


شرح قصيدة ما في المقام لذي عقل وذي أدب

في هذه القصيدة القصيرة التي تقع في سبعة أبيات يبثّ الشافعي كعادته في أشعاره الحكمة والنصائح في الحياة، وهو هنا يدعو الإنسان إلى السفر والترحال طلبًا للرزق والعلم، وذها يساعده على فهم الحياة أكثر وخوض معاركها وتجاربها، وفيما يأتي شرح موجز لأبيات هذه القصيدة:[٢]



ما في المَقامِ لِذي عَقلٍ وَذي أَدَبِ مِن راحَةٍ فَدَعِ الأَوطانَ وَاِغتَرِبِ سافِر تَجِد عِوَضاً عَمَّن تُفارِقُهُ وَاِنصَب فَإِنَّ لَذيذَ العَيشِ في النَصَبِ إِنّي رَأَيتُ وُقوفَ الماءِ يُفسِدُهُ إِن ساحَ طابَ وَإِن لَم يَجرِ لَم يَطِبِ وَالأُسدُ لَولا فِراقُ الأَرضِ ما اِفتَرَسَت وَالسَهمُ لَولا فِراقُ القَوسِ لَم يُصِبِ وَالشَمسُ لَو وَقَفَت في الفُلكِ دائِمَةً لَمَلَّها الناسُ مِن عُجمٍ وَمِن عَرَبِ وَالتِبرُ كَالتُربِ مُلقىً في أَماكِنِهِ وَالعودُ في أَرضِهِ نَوعٌ مِنَ الحَطَبِ فَإِن تَغَرَّبَ هَذا عَزَّ مَطلَبُهُ وَإِن تَغَرَّبَ ذاكَ عَزَّ كَالذَهَبِ



يفتتح الشاعر أبيات قصيدته، إذ يقول إنّ أصحاب العقول والأدب لن يجدوا الراحة إذا مكثوا طوال حياتهم في مكان إقامتهم، فلا بدّ لهم من الاغتراب عن الوطن والسفر إلى أماكن أخرى، وعليهم ألا يقلقوا من فراق أحبتهم وأهلهم، فسيجدون العوض في أي مكان آخر سينتقلون عليه، ويلتقون بأشخاص يُصبحون أهلًا وإخوانًا لهم. كما يؤكد الشافعي على أنّ التعب الذي سيشعر به المسافر هو بحدّ ذاته فرحة ولذّة.


ويدلل الشافعي فيما يدعو إليه بمجموعة من الأمور المحيطة بنا؛ فركود الماء يُفسده ويجعله نتنًا، وجريانه وتحركه من مكانه يجعله أصفى وأنقى، والصورة الأخرى هي للأسود التي إن بقيت في عرينها جاعت وماتت، ففراقها للغابة ولعرينها هو ما جعلها تُحافظ على حياتها، وكذلك السهم لولا انطلاقه من مكانه وفراقه للقوس ما أصاب الهدف، وفي هذا كلّه إشارة إلى أنّ بقاء الإنسان في مكانه لن يمنحه الراحة ولا لذة العيش، بل على العكس يُفسد حياته.


ويستمرّ الشاعر في إيراد الدلائل على صحة ما قاله ودعا إليه في بداية القصيدة، فيشير إلى أنّ الشمس إن بقيت في مكانها ولم تغرب لكرهها الناس جميعهم، والذهب إن بقي في الأرض كان كالتراب ولا قيمة له، وكذلك أعواد الطيب التي تحمل رائحة جميلة إذا ما غادرت أرضها فستكون حطبًا، لذا على الإنسان أن يغترب ويسعى في أرض الله الواسعة، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • المقام: مكان الإقامة والمكوث.
  • انصب: اتعب.
  • ساحَ: جرى.
  • الأُسد: جمع أَسَد.
  • عُجم: أجانب.
  • التّبر: الذهب.


السمات الفنية في قصيدة ما في المقام لذي عقل وذي أدب

امتازت هذه القصيدة للإمام الشافعي بمجموعة من الخصائص والسمات، منها الآتي ذكره:

  • توظيف العديد من المحسنات البديعية التي جاءت ملائمة لغرض القصيدة.
  • بثّ الحكمة وخلاصة تجربة الشافعي في حياته بين أبيات القصيدة.
  • وضوح المفردات والألفاظ الواردة في القصيدة، وخلوّها من غريب المعاني.
  • الاعتماد على أسلوب الأمر، لحثّ المتلقي على دعوة الشاعر وتأكيدًا على أهميتها.


ولقراءة شرح المزيد من القصائد الجميلة: قصيدة غضب الحبيب، قصيدة خداع الأماني.

المراجع

  1. فهد بن غيام، في شعر الشافعي الجملة الطلبية، صفحة 25. بتصرّف.
  2. محمد إبراهيم سليم، ديوان الإمام الشافعي، صفحة 26. بتصرّف.