قصيدة عفت ذات الأصابع

تعود قصيدة "عفت ذات الأصابع" إلى الشاعر المخضرم حسان بن ثابت، الذي ينتمي إلى قبيلة الخزرج الأزدية، وقد نشأ في المدينة المنوّرة (يثرِب) في أسرة ذات شأن عظيم، كان قبل الإسلام يُشارك في الحياة الأدبية، كما كان على صلة بالأدباء والشعراء الذين يفدون إلى سوق عُكاظ، ونظم شعرًا بدت فيه النزعة العصبية لقومه واضحةً، أما بعد الإسلام فقد نصّب حسان بن ثابت نفسه للدفاع عن الدين الإسلامي والردّ على غير المسلمين، حتى أصبح شاعر الرسول وأصبح شعره سجلًا لمختلف الأحداث التي توالت على المسلمين.[١]


مناسبة قصيدة عفت ذات الأصابع

نظم حسان بن ثابت قصيدته هذه في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة، كما هجا فيها أبا سفيان قبل إسلامه، ويُلاحظ أنّ الشاعر استطاع أن يدخل في أجواء فتح مكة قبل أن يقع، وأن يتصور أحداثه بقريحته الشعرية.[٢][٣]


تحليل قصيدة عفت ذات الأصابع

تم تقسيم قصيدة عفت ذات الأصابع إلى عدة مقاطع فيما يأتي شرحها وتحليلها:


شرح المقطع الأول

يفتتح الشاعر قصيدته بمقدمة طللية ويذكر بعض الأماكن التي امّحت آثارها بسبب الرياح والأمطار، فأصبحت ديار بني الحسحاس خالية من أهلها بعد أن كانت عامرة بهم وكانت مروجها تعمر بالأنعام والشياه، ثم ينتقل الشاعر بعد هذه المقدمة الطللية إلى الحديث عن الخمر، فخاطب صاحبه طالبًا منه أن يترك تلك الديار الخَرِبة التي يُطارده فيها ويؤرّقه طيف المحبوبة "شعثاء"، فقد أسرته بحبّها ولا يستطيع نسيانها إلا بالخمر المخلوط بالعسل والماء وعصير التفاح.[٢][٣]


بعد ذلك يُلقي الشاعر اللوم على الخمر إذا ما أخطؤوا بقول أو فعل، ثم يُشير إلى أنه متى ما شربوها شعروا بأنهم ملوك لا يُضعفهم لقاء العدو ولا يُخيفهم، ومن أبيات القصيدة التي تمثل ذلك ما يأتي:[٢][٣]


عَفَت ذاتُ الأَصابِعِ فَالجِواءُ إِلى عَذراءَ مَنزِلُها خَلاءُ دِيارٌ مِن بَني الحَسحاسِ قَفرٌ تُعَفّيها الرَوامِسُ وَالسَماءُ وَكانَت لا يَزالُ بِها أَنيسٌ خِلالَ مُروجَها نَعَمٌ وَشاءُ فَدَع هَذا وَلَكِن مَن لَطيفٍ يُؤَرِّقُني إِذا ذَهَبَ العِشاءُ لِشَعثاءَ الَّتي قَد تَيَّمَتهُ فَلَيسَ لِقَلبِهِ مِنها شِفاءُ كَأَنَّ خبيئة مِن بَيتِ رَأسٍ يَكونُ مِزاجَها عَسَلٌ وَماءُ عَلى أَنيابِها أَو طَعمُ غَصٍّ مِنَ التُفّاحِ هَصَّرَهُ اِجتِناءُ إِذا ما الأَشرِباتُ ذُكِرنَ يَوماً فَهُنَّ لِطَيِّبِ الراحِ الفِداءُ نُوَلّيها المَلامَةَ إِن أَلَمنا إِذا ما كانَ مَغثٌ أَو لِحاءُ وَنَشرَبُها فَتَترُكُنا مُلوكاً وَأُسداً ما يُنَهنِهُنا اللِقاءُ



شرح المقطع الثاني

في هذا المقطع يوجّه الشاعر خطابه إلى المشركين داعيًا على خيول المسلمين بالموت بقوله لا عاشت خيولنا إن لم تُهاجمكم من أعلى مكة وعلى أكتافها رماحنا المتعطشة لدمائكم، فستنهزمون ولا نجد إلا نساءكم يحاولن ردّ خيولنا المُسرعة بخُمُرهنّ التي يغطين بها رؤوسهنّ، فإن استسلمتم تم الفتح وانكشفت الغمة، وإلا فانتظروا قتالًا مريرًا ينصر به الله المؤمنين بأمره، ومن أبيات القصيدة التي تمثل ذلك ما يأتي:[٢][٣]


عَدِمنا خَيلَنا إِن لَم تَرَوها تُثيرُ النَقعَ مَوعِدُها كَداءُ يُبارينَ الأَسِنَّةِ مُصغِياتٍ عَلى أَكتافِها الأَسَلُ الظِماءُ تَظَلُّ جِيادُنا مُتَمَطِّراتٍ تُلَطِّمُهُنَّ بِالخُمُرِ النِساءُ فَإِمّا تُعرِضوا عَنّا اِعتَمَرنا وَكانَ الفَتحُ وَاِنكَشَفَ الغِطاءُ وَإِلّا فَاِصبِروا لِجَلادِ يَومٍ يُعينُ اللَهُ فيهِ مَن يَشاءُ



شرح المقطع الثالث

يُشير الشاعر في هذا المقطع إلى أنّ الله تعالى قد أيّد جيش المؤمنين بملائكته وعلى مقدمتهم روح القدس جبريل عليه السلام الذي لا يساوي قوته أحد من البشر، فيفخر الشاعر بأنّ الله قد هيّأ لهذا الدين جنودًا أقوياء لا يهابون الأعداء، فهم مُعتادون على لقائهم وعلى السِباب والقِتال والهجاء من قِبَلهم، لذا لا يستكين المسلمون ولا يضعفون، بل يقابلون ذلك بشعرهم اللاذع وبضربهم الموجع والمُميت في ساحة القتال.[٢][٣]


بعد ذلك يخاطب الشاعر المشركين ويطلب منهم أن يُبلغوا أبا سفيان أنه جبان وأن سيوف المسلمين جعلته ذليلًا بعد أن هجا النبي الكريم، وقد ردّ عن النبي الشاعر -حسان بن ثابت- محتسبًا الجزاء عند الله تعالى، ويؤكد على أنّ مدح المشركين لنبينا محمد وهجاءهم له سواء، وكلّ ذلك لا ينفعهم لأنهم أذلة، والشاعر دائمًا ما يفدي رسول الله بنفسه، فلسانه كالسيف القاطع وشِعره كالبحر النظيف الذي لا تشوبه شائبة، ومن أبيات القصيدة التي تمثل ذلك ما يأتي:[٢][٣]


وَقالَ اللَهُ قَد يَسَّرتُ جُنداً هُمُ الأَنصارُ عُرضَتُها اللِقاءُ وَجِبريلٌ أَمينُ اللَهِ فينا وَروحُ القُدسِ لَيسَ لَهُ كِفاءُ لَنا في كُلِّ يَومٍ مِن مَعَدٍّ قِتالٌ أَو سِبابٌ أَو هِجاءُ فَنُحكِمُ بِالقَوافي مَن هَجانا وَنَضرِبُ حينَ تَختَلِطُ الدِماءُ وَقالَ اللَهُ قَد أَرسَلتُ عَبداً يَقولُ الحَقَّ إِن نَفَعَ البَلاءُ شَهِدتُ بِهِ فقوموا صَدَّقوهُ فَقُلتُم لا نقومُ ولا نَشاءُ أَلا أَبلِغ أَبا سُفيانَ عَنّي فَأَنتَ مُجَوَّفٌ نَخِبٌ هَواءُ هَجَوتَ مُحَمَّداً فَأَجَبتُ عَنهُ وَعِندَ اللَهِ في ذاكَ الجَزاءُ أَتَهجوهُ وَلَستَ لَهُ بِكُفءٍ فَشَرُّكُما لِخَيرِكُما الفِداءُ هَجَوتَ مُبارَكاً بَرّاً حَنيفاً أَمينَ اللَهِ شيمَتُهُ الوَفاءُ فَمَن يَهجو رَسولَ اللَهِ مِنكُم وَيَمدَحُهُ وَيَنصُرُهُ سَواءُ فَإِنَّ أَبي وَوالِدَهُ وَعِرضي لِعِرضِ مُحَمَّدٍ مِنكُم وِقاءُ لِساني صارِمٌ لا عَيبَ فيهِ وَبَحري لا تُكَدِّرُهُ الدِلاءُ



العاطفة في قصيدة عفت ذات الأصابع

تسيطر على هذه القصيدة مجموعة من العواطف والمشاعر، منها الآتي:[٤]

  • حب النبي صلى الله عليه وسلم.
  • الإعجاب بخيول المسلين.
  • الفخر بشجاعة المسلمين.
  • السخرية من المشركين وتوبيخهم.


السمات الفنية في قصيدة عفت ذات الأصابع

تتسم قصيدة عفت ذات الأصابع بمجموعة من الخصائص والسمات الفنية، يُذكر منها الآتي:[٥]

  • استخدام بعض الألفاظ والمعاني الجاهلية، والمزج بينها وبين المعاني الإسلامية.
  • المزج بين الأساليب الخبرية والإنشائية لإضفاء المزيد من التشويق على القصيدة.
  • استخدام العديد من المحسنات البديعية.
  • الاعتماد على الشكل الفني للقصيدة الجاهلية.


ولقراءة شرح المزيد من القصائد التي قيلت في مدح الرسول: قصيدة البردة للبوصيري.

المراجع

  1. عبد مهنا، ديوان حسان بن ثابت، صفحة 8. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح محمد شمس عقاب، الخطاب الشعري عند حسان في همزية فتح مكة، صفحة 20. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج ح عبد مهنا، ديوان حسان بن ثابت، صفحة 17. بتصرّف.
  4. رواء أحمد، تحليل نقدي لقصيدة حسان بن ثابت، صفحة 1. بتصرّف.
  5. رواء أحمد، تحليل نقدي لقصيدة حسان بن ثابت، صفحة 3. بتصرّف.