قصيدة خداع الأماني

تعد قصيدة "خداع الأماني" إحدى القصائد التي نظمها أبو العتاهية، وهو شاعر من شعراء العصر العباسي اسمه إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان، ولد عام 130 هـ، يُذكَر أنه عمل في بداية حياته بائعًا للجِرار، لكنه لم يستمرّ به فتركه واتجه إلى الشعر؛ إذ كانت لديه ذائقة شعرية ونفسه تميل إلى الشعر وقوله منذ صغره، حتى قيل إنّه أقدر الناس على وزن الكلام وكان يتكلّم بالشعر في جميع حالاته، وتجدر الإشارة إلى أنّ أبا العتاهية يعدّ أول من فتح باب الوعظ والزهد في الدنيا، وقد حرر نفسه من التقيد بالمعاني والألفاظ التي كانت سائدة في عصره.[١]


شرح قصيدة خداع الأماني

تعدّ القصيدة المعنونة بـ "خداع الأماني" من قصائد أبي العتاهية في الزهد؛ إذ يُبيّن فيها موقفه من الحياة والموت متبعًا أسلوب الوعظ، وقد تم تقسيم القصيدة إلى عدة مقاطع فيما يأتي شرح موجز لبعضها:


شرح المقطع الأول


الدَهرُ ذو دُوَلٍ وَالمَوتُ ذو عِلَلٍ وَالمَرءُ ذو أَمَلٍ وَالناسُ أَشباهُ وَلَم تَزَل عِبَرٌ فيهِنَّ مُعتَبَرٌ يَجري بِها قَدَرٌ وَاللَهُ أَجراهُ يَبكي وَيَضحَكُ ذو نَفسٍ مُصَرَّفَةٍ وَاللَهُ أَضحَكَهُ وَاللَهُ أَبكاهُ وَالمُبتَلى فَهُوَ المَهجورُ جانِبُهُ وَالناسُ حَيثُ يَكونُ المالُ وَالجاهُ وَالخَلقُ مِن خَلقِ رَبّي قَد يُدَبِّرُهُ كُلٌّ فَمُستَعبَدٌ وَاللَهُ مَولاهُ



يبدأ الشاعر قصيدته مباشرة بالغرض الرئيس منها؛ إذ يذكّر الإنسان بأنّ الأيام دول ولن يدوم حاله فيها، ويذكّره أيضًا بالموت المحيط بالإنسان في كل وقت ومكان، فقد تعددت أسبابه وأوجهه، فيطلب من الإنسان أن يأخذ العبرة من كلّ ما يجري معه في الحياة ولا يجزع؛ فقد ساق الله إليه كل شيء لحكمة معينة وقدّر له من الأمور ما يُضحكه وما يُبكيه، ثم يتحدث الشاعر عن الناس وطبعها في أنها تتقرب من أصحاب النفوذ ومن لهم مصلحة عنده وترجو مصاحبتهم، أما الفقراء فهم المنبوذون من الناس، لكنّ الشاعر يرى أنّ الناس جميعهم سواسية لا فرق بينهم، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • الدهر دول: أي لا يدوم على حال واحد.
  • علل: أسباب.
  • مُصرّفة: متغيرة أو متبدّلة.


شرح المقطع الثاني


طوبى لِعَبدٍ لِمَولاهُ إِنابَتُهُ قَد فازَ عَبدٌ مُنيبُ القَلبِ أَوّاهُ يا بائِعَ الدينِ بِالدُنيا وَباطِلِها تَرضى بِدينِكَ شَيئاً لَيسَ يَسواهُ حَتّى مَتى أَنتَ في لَهوٍ وَفي لَعِبٍ وَالمَوتُ نَحوَكَ يَهوي فاغِراً فاهُ ما كُلُّ ما يَتَمَنّى المَرءُ يُدرِكُهُ رُبَّ اِمرِئٍ حَتفُهُ فيما تَمَنّاهُ إِنَّ المُنى لَغُرورٌ ضِلَّةً وَهَوىً لَعَلَّ حَتفَ اِمرِئٍ في الشَيءِ يَهواهُ تَغتَرُّ لِلجَهلِ بِالدُنيا وَزُخرُفِها إِنَّ الشَقِيَّ لَمَن غَرَّتهُ دُنياهُ كَأَنَّ حَيّاً وَقَد طالَت سَلامَتُهُ قَد صارَ في سَكَراتِ المَوتِ تَغشاهُ وَالناسُ في رَقدَةٍ عَمّا يُرادُ بِهِم وَلِلحَوادِثِ تَحريكٌ وَإِنباهُ



يُشير الشاعر إلى أنّ الخاسر في الحياة هو من يهوى ملذات الدنيا الفانية تاركًا الدين والعبادات وهو بذلك كالتاجر الخاسر الذي باع الثمين بالرخيص، أما الفائز الحقيقي فهو من كان همّه إرضاء الله تعالى والتقرّب منه تاركًا الملذات والشهوات، فيوبّخ الشاعر المنغمس في اللهو والملذات ناسيًا الموت الذي يتربّص به ويمكن أن يأتيه في أي لحظة، مشبهًا إياه -أي الموت- بحيوان مفترس فاتحًا فمه للانقضاض على فريسته.


ويؤكد الشاعر في بقية الأبيات على المعاني السابقة بالإشارة إلى أنّ الدنيا وزخارفها تُغرّ الإنسان بها وتتزيّن أمامه لكن قد يكون فيها هلاكه وشقاؤه، وتأتي نوائب الدهر والموت فيأخذ منه كل ما كان فرحًا به، وفي ذلك تنبيه وتحذير للصحوة من الغفلة والعودة إلى الله تعالى، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • طوبى: الحُسنى، أو الغبطة والسعادة.
  • مُنيب: تائب.
  • فاغرًا فاه: فاتحًا فمه.
  • حتف: هلاك.
  • رقدة: نومة وغفلة.
  • إنباه: تنبيه.


شرح المقطع الثالث


أَنصِف هُديتَ إِذا ما كُنتَ مُنتَصِفاً لا تَرضَ لِلناسِ شَيئاً لَستَ تَرضاهُ يا رُبَّ يَومٍ أَتَت بُشراهُ مُقبِلَةً ثُمَّ اِستَحالَت بِصَوتِ النَعيِ بُشراهُ لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ أَصغَرَهُ أَحسِن فَعاقِبَةُ الإِحسانِ حُسناهُ وَكُلُّ أَمرٍ لَهُ لا بُدَّ عاقِبَةٌ وَخَيرُ أَمرِكَ ما أَحمَدتَ عُقباهُ



يوجّه الشاعر في هذا المقطع للإنسان بعض المواعظ والنصائح؛ إذ يدعوه إلى التوسّط في كل شيء ومعاملة الناس كما يحب أن يُعاملوه، فالحياة فانية والموت قد يأتي في أي لحظة، كما يدعوه إلى فعل الخير والمعروف دائمًا مهما كان صغيرًا وبسيطًا فلا بدّ أن يأتي يوم ويلقَ جزاء إحسانه ومعروفه.


السمات الفنية في قصيدة خداع الأماني

يُلاحظ بعد قراءة قصيدة خداع الأماني لأبي العتاهية أنها تتسم بعدد من السمات الفنية، منها الآتي:

  • الاعتماد على أسلوب الوعظ وبثّ الحكمة في أبيات القصيدة.
  • بروز الجانب الديني والمعاني الدينية، بالإضافة إلى التناص مع القرآن الكريم.
  • توظيف العديد من المحسنات البديعية التي تخدم فكرة الشاعر بهدف جذب انتباه المتلقي وترسيخ المعنى في ذهنه.
  • استخدام الصور الفنية والتشبيهات بطريقة إبداعية ملائمة لما أراد الشاعر التعبير عنه.
  • سهولة الألفاظ المستخدمة وبُعدها عن التكلّف والتعقيد.
  • تكرار بعض الألفاظ والمعاني في أبيات القصيدة من أجل التأكيد عليها.


المراجع

  1. أبو العتاهية، ديوان أبي العتاهية، صفحة 5. بتصرّف.