قصيدة في الليل
تعود قصيدة في الليل للشاعر بدر شاكر السّياب، الذي ولد عام 1926م في قرية جيكور في العراق، وانتقل إلى البصرة ليتابع دروسه الثانوية، ثم إلى بغداد ليلتحق بدار المعلمين العالية، ويختار تخصص اللغة العربية، فتتبع الأب العربي تذوقًا وتحليلًا واستقصاءً، ومن ثمّ انتقل لدراسة اللغة الإنكليزية، وتخرج عام 1948م، عُرِف بنضاله الوطني في سبيل تحرير العراق من النفوذ البريطاني، ونضاله في سبيل القضية الفلسطينية، عمل في التعليم، وسجن بسبب ميوله السياسية اليساريّة، وبعدها اضطر إلى السفر إلى إيران والكويت، وفي عام 1954م رجع إلى العراق، واشتغل بالصحافة وتنقل بالوظائف، رحّب بدر شاكر السّياب بالإنقلاب، ثمّ مرضَ بدر شاكر السياب وأُدخِل مستشفى الجامعة الأميركية ببيروت، ثم عاد إلى البصرة ليقضي آخر أيامه فيها إلى أن توفي سنة 1964م، مخلفًا وراءه عدة دواوين شعرية، من أشهرها: ديوان (أنشودة المطر)، وديوان (شناشيل ابنة الجلبي)، و(إقبال)، ومنه أُخذت هذه القصيدة.[١]
مناسبة قصيدة في الليل
قصيدة الليل هي قصيدة عمودية، ذات تفعليةٍ واحدة من ديوان شناشيل ابنة الجلبي، وإقبال، كتبها الشاعر عام 1963م، وعنوان هذه القصيدة (في الليل) فالزمان الليل، والمعروف بأن الليل رمز للسّكون، والعزلة، والظلام، وأرق للشاعر، والمكان الغرفة وتتحدث القصيدة عن الغرفة الموصدة المغلقة المنعزلة، وخلف جدرانها ستائر مسدلة، وعن المرض والعزلة، والأصدقاء الغائبين، وعن الأم، حيث أن حالة الشّاعر، وحزنه، وألمه داخل غرفته المظلمة تجعله يدخل في تخيلاتٍ للحديث إلى أمّه الرّاحلة، وساقه الوهم للعالم الآخر حيث سيلاقي أمّه هناك، وتحدث لنا الشّاعرعن الطّريق النّائي الموحش، وعزرائيل، والأكفان، والموت، واللّحد، وشاعرنا يعبّر عن تجربةٍ ذاتية من العزلة، والمرض، والألم، والمعاناة، والحزن، والاستسلام لليأس والموت في تلك الغرفة الموحشة في الليل.
الأفكار الرّئيسية في قصيدة في الليل
- وصف الغرفة الموصودة المقفلة وحالة العزلة والحزن التي كان يتخبط بها الشّاعر.
- التحدث عن غياب الأصدقاء، والطريق الموحش واللّحد.
- الوهم الذي قاده للحديث مع أمه الرّاحلة.
- يأس الشاعر، ومعاناته من العزلة، والمرض، وفقد الأحباب.
- التشاؤم، وعدم الرّغبة في الحياة حيث سيلتقي بأمّه.
شرح قصيدة في الليل
استهل الشاعر قصيدته في وصف غرفته الموصدة التي أغلق بابها بإحكامٍ، وكيف ساد الصمت العميق، وقد صور الشاعر الصمت بالشيء العميق، أو بالبئر العميق، ويريد أن يخبرنا عن حالة الصمت التي سادت في الغرفة المغلقة أبوابها، والمرخاة المنسدلة ستائرها على الشّباك، هذه الغرفة توحي بالغربة والعزلة، والطريقُ يتنصتُ ويترصّد، وهنا يشبه الطّريقََ بشخصٍ يسترقُ السّمع، ويترصّد بهن، أمّا الثياب السّوداء المعلّقة تبدو كفزاعةٍ مرعبةٍ في البستان، وهنا يكمن جمال التصوير، فالغرفة كئيبة حزينة، والباب المغلق كأنّما أعطى هذه الثّياب السّوداء المُعلّقة روحًا، وحسًا فكأنها ستصحوا وتتحرك، وهنا يصف حالة الخوف، والعزلة في هذه الغرفة المقفلة التي توحي بالكآبة والسّواد.
الغُرفَةُ موصَدَةُ البابِ
والصَمتُ عميقْ
وستائرُ شبّاكي مرخاةٌ...
ربَّ طَريق
يتنصَّتُ لي، يترصَّدُ بي خلفَ الشبّاكِ، وأثوابي
كمفزِّعِ بستان، سودُ
أعطاها البابُ الموصودُ
نَفَسًا، ذرَّ بها حسّاً، فَتَكادُ تفيقْ
ويتابع الشاعر حديثه من تلك الغرفة المظلمة، والموصدة الأبواب حيث الصّمت العميق، يوحي بالموت، وتهمس له الغرفة، وهنا يمكن جمال تشبيه الشّاعر، وتشخيصه للغرفة وكأنها تهمس له كأنها إنسان، وجمال الصورة في التجسيد والتشخيص، وفي صمت هذه الغرفة تهمس له: لم يبقَ صديق يزوه فالشّاعر يعاني الوحدة، والعزلة في ليلٍ حزين كابي، قلق، وكئيب، وقد شبه الليل وأنسنه ووصفه بالكابي للدّلالة على القلق، والحزن اللذان سيطرا على تلك الغرفة الموصدة الأبواب.
وحالة الوحدة والمرض والعزلة والمعاناة وقد سيطرت عليه هواجس المرض والتفكير بالموت، وجعلت من الشاعر يسرح في خياله ليرتدي ثيابًا في الوهم، وكأنه يشبّه الوهم والخيال بالثوب الذي يرتديه الإنسان، يريد أن يلبسَ ثيابَهُ في الوهم ليسير في ظلمة هذا الليل حيث يلقى أمّه الرّاحلة في عالم الأموات، وفي تلك المقبرة الثّكلى، وهنا ينقل لنا الشاعر مشهد المقبرة الثكلى، ويأنسن، ويشخص المقبرةَ وكأنها أم فقدت وليدها، وتقول المقبرة طارحة سؤالها للشاعر كيف ستقتحمُ الليالي وتدخل المقبرة عنوةً وحيدًا من غير رفيقٍ، وأنت جوعان وكيف ستأكل الزاد، وتتناول نبات الخروب الصادي، وتشرب ماءً من صدر الأرض، والأرض عنده رمز للقبر واللحد، وهنا يشبه الشّاعر الأرض بالأم التي تهب صغيرها صدرًا لينهل منه الحليب فيجعل من الأرض أمًّا لها صدر ويشبّه الماء بالحليب في هذا الصدر، فبعد أن سيطر الوهم على الشاعر ينقلنا إلى مسرح الموت والمقبرة ولقاء أمّه الرَّاحلة، حيث تدعوه المقبرة بأنْ يرمي ثيابه ويضعها جانبًا، ويتخذ من الكفن المهترئ لباسًا، وسيرفو ويصلح ملك الموت- عزارئيل- هذا الكفن إنْ اهترأ كما يحيك الخيّاط الثوبَ ويصلحه، وتدعوه أمه إلى أن يتوسّد القبر واللحد بجانبها، فقد هيّأتْ الأم لابنها قبرها فراشًا وسريرًا لينام إلى جانبها، فالأم تعيش حالة من الشوق لوليدها كاشتياقها للشمس، ولمياه النهر الكسلى، وهي تسير ببطء شديدٍ، وهنا يشبه الشاعر جريان النهر البطيء بأشخاصٍ كسالى، ويكمن جمال الصورة في التّشخيص والتّجسيد، وتشتاق إلى صياح الديك مؤذنًا هاتفًا ومعلنًا في الآفاق يوم الحشر وهو يوم الجمع واللّقاء، فالشاعر من خلال كلامه يعيش حالة من الاشتياق للقاء أمه كما يعيش حالة التسليم للموت، لذلك سيسير في درب الوهم وطريق الخيال، فيجعل الوهمَ كأنه درب، وطريق يسير به الإنسان، وهنا يكمن جمال وبراعة التصوير عند الشاعر، ويريد بذلك أن يعيش حالة الاستسلام لدرب الوهم والخيال، وهواجس الموت تسيطر عليه، ليختتم القصيدة باللقاء بأمه عندها تنتهي معاناته، وآلامه، ويتحرر من سجنه، وعزلته في الغرفة الموحشة البائسة، ويكون التحرر من هذه المشاعر الحزينة بالاستسلام للموت. من ذاك الموتِ، وتهمسُ بي، والصَّمتُ عميق: فيقول:[٢]
"لم يبقَ صديقْ
ليزورَكَ في الليلِ الكابي
والغرفةُ موصدَةُ البابِ."
ولبستُ ثيابيَ في الوهمِ
وسريتُ : ستلقاني أُمّي
في تلكَ المقبرةِ الثكلى،
ستقولُ: "أَتَقْتحمُ الليلا
من دونِ رفيقْ؟
جوعانُ؟ أتأكلُ من زادي:
حرُّوبِ المقبرةِ الصّادي؟
والماءُ ستنهلُهُ نَهلا
من صدرِ الأرضِ:
ألا ترمي
أثوابَكَ؟ والبَسْ من كَفَني،
لم يبلَ على مرِّ الزّمنِ،
عزريل الحائكُ، إذْ يبلى،
يرفوهُ، تعالَ ونمْ عندي:
أعددتُ فراشًا في لَحدي
لكَ يا أغلى من أشواقي
للشمسِ، لأمواهِ النَّهْرِ
كَسْلى تجري،
لهُتافِ الدِّيكِ إذا دوَّى في الآفاقِ
في يومِ الحشرِ."
سَآخذُ دربي في الوَهْمِ
وأسيرُ فتلقاني أُمّي.
العاطفة في قصيدة في الليل
ذاتية، تنم عن تجربة الشاعر الذاتية، والشخصية من المرض، والمعاناة، وتتجلى في مشاعر الأسى والعزلة، وهواجس اليأس، والتسليم لحتمية الموت.
وللاطلاع على تحضير المزيد من القصائد: تحضير قصيدة ليل وصباح، تحضير قصيدة نكبة الأندلس.
المراجع
- ↑ حنا الفاخوري (1986)، الجامع في تاريخ الأدب العربي الحديث (الطبعة 1)، بيروت:الجيل، صفحة 636-637. بتصرّف.
- ^ أ ب ت بدر شاكر السياب (2017)، شناشيل ابنةالجلبي وإقبال، مصر:هندواي، صفحة 15-16.