قصيدة حتام تغفل

تعود قصيدة "حتّام تغفل" إلى الشاعر جميل صدقي الزهاوي، واسمه بالكامل جميل صدقي محمد فيضي أحمد بابان الزهاوي، وُلِد في بغداد عام 1863م وفقًا لأغلب المصادر والمؤرخين، ويُذكر أنه عاش طفولة غير مستقرّة؛ فقد كانت أسرته مفككة، فتربّى وحده من بين إخوته عند والده، الذي أنشأه على حبّ الأدب والشعر، حتى أصبح عارفًا بلغة الشعر وأسراره، كما أنه مُلم بمختلف العلوم وواسع المعرفة، فكان لذلك أثر كبير في حياته لاحقًا، وكان بارعًا في النثر كما كان في الشعر.[١]


شرح قصيدة حتام تغفل

نظم الشاعر جميل صدقي الزهاوي قصيدة "حتام تغفل" في حينها بقصد دعوة الناس لمقاومة العثمانيين والتصدي لهم، وللتوضيح أكثر تم تقسيم القصيدة إلى عدّة مقاطع فيما يأتي شرح مُوجز لها:


شرح المقطع الأول


ألا فانتبه للأمر حتام تغفل؟! أما علمتك الحال ما كنت تجهل؟! أَغِثْ بلدًا منها نشأت فقد عدت عليها عواد الدمار تُعجّل أما من ظهير يَعضُد الحق عزمه فقد جعلت أركانه تتزلزل



يستهلّ الشاعر هذه القصيدة بأسلوب توبيخ قصد منه استنهاض الهِمم وعدم الخضوع والتسليم للأمر الواقع، فيخاطب الإنسان العربي مُستنكرًا عليه الغفلة التي عَلِق بها ولم تغير الأحداث والاضطرابات التي تعيشها البلاد من جهله شيئًا، فيحثّه على النهوض للمقاومة وإنقاذ وطن الطفولة والشباب الذي تكاثرت عليه الأعداء وحلّت به المصائب المدمّرة، والحقّ يحتاج إلى من يُسانده بعد أن بدأت أركانه تنهار في بلد الحضارة العريقة، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي ذكره:

  • حتّام: حتى متى.
  • أغث: ساعِد وأنقِذ.
  • عواد الدمار: المصائب.
  • ظهير: مُناصر.
  • يعضُد: يُساند وينصر.
  • أركانه: دعائمه.
  • تتزلزل: تنهار.


شرح المقطع الثاني


وما رابني إلا غرارة فتية تؤمّل إصلاحًا ولا تتأمل وما هي إلا دولة همجية تسوس بما يقضي هواها وتعمل فترفع بالإعزاز من كان جاهلًا وتخفض بالإذلال من كان يعقل وما فئة الإصلاح إلا كبارق يغرُّك بالقَطْرِ الذي ليس يهطل



يستنكر الشاعر في هذا المقطع على الشباب غفلتهم وتصديقهم لوعود عدوّهم التي تأملوا منها الخير والحياة الأفضل لكنها لم تكن كذلك، فالدولة العثمانية فوضوية وتحكم الناس وفقًا لإرادتها وهواها وليس وفق الصواب وما فيه مصلحة الناس، كما أنها تُعلي من شأن الجاهل وتُذلّ المتعلّم المثقّف، ووعودهم في الإصلاح غير صحيحة؛ فهم كضوء البرق الذي يُوحي بقرب هطول المطر لكنّه لا يهطل، وفي ذلك إشارة من الشاعر إلى زيف إصلاحاتهم وتخلّفهم عن وعودهم، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي ذكره:

  • رابني: ساءني.
  • غرارة فتية: غفلتهم.
  • همجيّة: فوضوية.
  • تَسُوس: تقود.
  • بارق: ضوء البرق.
  • القطر: المطر.


شرح المقطع الثالث


لهم أثر للجور في كل بلدة يُمثّل من أطماعهم ما يُمثّل فطالت إلى سورية يد عسفهم تُحمّلها ما لم تكن تتحمّل كم نبغت فيها رجال أفاضل فلما دهاها العسف عنها ترحلوا وبغداد دار العلم قد أصبحت بهم يُهدّدها داء من الجهل مُعضِل شريف ينحى عن مواطن عزّه وآخر حرّ بالحديد يُكبّل إذا سكت الإنسان فالهم والأسى وإن هو لم يسكت فموت معجل



يُعدّد الشاعر في هذا المقطع آثار ظلم العثمانيين ونتائجه، فيقول إنّ ظلمهم منتشر في كلّ مكان حتى يُحققوا أطماعهم ومصالحهم؛ فامتدّت يدُ ظلمهم إلى الشام التي تعرّضت لأذى كبير لا يُحتَمَل، لتزيد من معاناتها وهمومها، حتى أنّ رجال العلم وأصحاب العقول النيّرة الذين كانوا فيها تركوها مُجبرين جرّاء الظلم الذي تعرّضوا له، وعلى الجانب الآخر هناك بغداد أيضًا التي لم تسلم من ظلمهم، فكانت مهد العلوم والمعارف حتى غدت تعاني من جهل شديد.


ومن نتائج ظلم العثمانيين أيضًا أنّ الشرفاء يُذلّون ويُعزلون من مناصبهم والأحرار يُلقون في السجون مقيّدين، فإذا سكت الإنسان على كلّ هذا الجَور والظلم فإنّ النتيجة الحتمية هي العيش في حُزن وهمّ، أما إذا لم يصمت وقرّر المواجهة فمصيره الهلاك والموت، وفي ذلك إشارة إلى محاولة كتم الأفواه التي كانت تُمارس على الناس آنذاك، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي ذكره:

  • الجَوْر: الظلم.
  • عسفهم: ظلمهم.
  • طالت: امتدّت.
  • نبغ: تفوّق.
  • دهاها: هاجمها.
  • مُعضِل: شديد وصعب.
  • يُكبّل: يُقيّد.
  • الأسى: الحُزن.


السمات الفنية في قصيدة حتام تغفل

تمتاز قصيدة حتام تغفل بعدد من الخصائص والسمات الفنية، منها ما يأتي ذكره:

  • التنويع بين الأساليب الإنشائية والخبرية في القصيدة.
  • الاعتماد على الأسلوب الصريح والمباشر في التعبير عن الفكرة التي أراد الشاعر إيصالها إلى المتلقي.
  • سيطرة عاطفة الاستياء والغضب الشديد في مختلف أبيات القصيدة.
  • بروز الثنائيات الضدّية في القصيدة.


ولقراءة شرح المزيد من القصائد المدرسية: قصيدة دمعة على الفن، قصيدة المهاجر.

المراجع

  1. يوسف علي، جميل صدقي الزهاوي حياته وشعره، صفحة 30-39. بتصرّف.