قصيدة المهاجر

تعود القصيدة المعنونة بـ "المهاجر" إلى الشاعر السوري نسيب عريضة، الذي يعدّ أحد شعراء المهجر ومؤسسي الرابطة القلمية في أمريكا عام 1920م، وكان قد وُلِد نسيب أسعد عريضة عام 1887م في مدينة حِمص السورية، وتلقّى تعليمه الابتدائي فيها ثم التحق بمدارس مدينة الناصرة، وقد عُرِف عنه تفوّقه وحبّه للعلم والقراءة إلى جانب التأمل في الطبيعية، فانكبّ على قراءة أمهات الكتب في الأدب العربي ليصقل شخصيته الأدبية، ومن الجدير بالذكر أنّه بعد أن اشتدّ عوده هاجر إلى أمريكا وأسّس مطبعة صدرت عنها مجلة مهمة آنذاك، كما عمل في تحرير بعض الصحف والجرائد.[١]

شرح قصيدة المهاجر

أراد الشاعر نسيب عريضة من خلال قصيدته "المهاجر" أن يعبّر عن المعاناة والمشاعر التي يشعر بها المغتربون عن أوطانهم ومدى تعلّقهم بها، وقد تم تقسيم القصيدة إلى عدة مقاطع يمكن تقديم شرح موجز لها على النحو الآتي:


شرح المقطع الأول


أحاضرٌ أنت أم بادٍ؟ أمتهجر في الغرب؟ أو هائم في بيد قحطان؟ أكلّما هبّت الرياح خافقة تجرّ في ذيلها أنفاس ريحان حسبتها نسمات الشيح فانطلقت من أسرها زفرات العاجز الواني وليس يرويك إلا نهلة بعدت من ماء دجلة أو سلسال لبنان وحلم يومك في الميماس محتفل بالغيد والصيد في أعراس ندمان



يفتتح الشاعر القصيدة بحوار دار بينه وبين نفسه سيطر عليه شعور الحيرة؛ فقد انبرى يسأل نفسه عن هويته هل هو من أهل الحضر أم البادية أم أنه مسافر ومُغترب أم ما زال تائهًا في صحارى العرب، وكلّما مرت رياح معطرة بنسائم الريحان يظنّ أنها رياح بلده المحمّلة بعطر نبات الشيح ويُطلق الآهات التي تعبّر عن ضعفه وعجزه، وهذا الاختلاط والحيرة ما هو إلا من بُعده عن وطنه واغترابه عنه، فيُجيب الشاعر نفسه بأنّه لن يُخرجه مما هو فيه سوى شربة ماء من نهر دجلة أو من مياه لبنان العذبة، وأن يُمضي يومه يحلم بالاحتفالات والأعراس التي تُقام في حي الميماس حيث النساء الحسناوات والشبان المزهوون، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • حاضر: من الحَضَر، أي من المدينة.
  • بادٍ: من البادية.
  • هائم: تائه.
  • بيد قحطان: كناية عن صحراء العرب.
  • خافقة: مضطربة.
  • الشيح: نبات رائحته طيبة.
  • الواني: الضعيف.
  • نهلة: شربة.
  • سلسال: ماء عذب.
  • الميماس: أحد الأحياء في مدينة حِمص.
  • الغيد: الناعم.
  • الصيد: المزهوّ بنفسه.


شرح المقطع الثاني


من أنت؟ ما أنت؟ قد وزّعت روحك في عهدين من شاسع ماضٍ ومن داني أنا المهاجر ذو نفسين؛ واحدة تسير سيري وأخرى رهن أوطاني بعدت عنها أجوب الأرض تقذفني منى حثثت لها ركبي وأظعاني ما إن أبالي مقامي في مغاربها وفي مشارقها حبي وإيماني



ما زالت الحيرة تُسيطر على الشاعر في هذا المقطع؛ فقد عاد ليسأل نفسه عن هويته ومَن يكون، فروحه قُسمت إلى قسمين بين الماضي البعيد والحاضر الذي يعيشه، وهذا يدلّ على شدّة تعلّقه ببلاده، فيُجيب الشاعر نفسَه بأنّه مغترب ويملك روحَين بالفعل؛ روح يعيش بها وروح ما زالت مرتبطة بالوطن الذي تغرّب عنه أملًا في حياة أفضل سيّر نحوها عائلته، ثمّ يؤكد الشاعر على إيمانه بوطنه بأنه لا يقلق إن عاش في بلاد الغرب ما دام معلقًا ببلده ومُحبًا له، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • شاسع: واسع وكبير.
  • أجوب: أجولُ.
  • حثثت: حرّكتُ.
  • رَكْبي: قومي.
  • أظعاني: قوافلي.


شرح المقطع الثالث


صحبي دعوا النسمات الميس تلمسني فقد عرفت بها أنفاس كثباني تدفقي يا رياح الشرق هائجة فأنت لا شك من أهلي وإخواني هززت أغصان قلبي بعد ما خلعت ثوب الربيع فماست رقص نشوان كسيتها ورق الأشواق فازدهرت خضراء يعبق منها روح نيسان



يُخاطب الشاعر في هذا المقطع من القصيدة رفاقه -وهم رفاق من خياله استدعاهم للتعبير عن عاطفته- طالبًا منهم أن يتركوا الرياح الرقيقة تلامسه؛ فهي محمّلة بعطر تراب بلاده وشمّ بها رائحة الوطن، ليخاطب هذه الرياح بعد ذلك ويقول لها أقبلي أيتها الرياح بقوة فأنتِ تذكّريني بأهلي ورفاقي وتحملين رائحتهم، كما أحييتِ فؤادي الذي لم يكن فرحًا فصار يتمايل فرحًا وسعادة وكأنه شخص سكران، وأنتِ أيضًا أيتها الرياح جدّدتِ الذكرى والشوق في قلبي فأصبح أخضر يانعًا وفاح منه عطر الربيع في المكان، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • الميس: التبختر والاختيال.
  • كثبان: تل من الرمال.
  • ماست: تبخترت.
  • نشوان: سكران.
  • يعبق منها: تنتشر منها رائحة طيبة.
  • الروح: نسيم الريح.


السمات الفنية في قصيدة المهاجر

اصطبغت قصيدة المهاجر لنسيب عريضة بمجموعة من السمات الفنية، منها على سبيل الذكر لا الحصر ما يأتي:

  • استخدام العديد من الصور البيانية بطريقة ملائمة للعاطفة والمشاعر المُحمّلة في القصيدة.
  • استخدام لغة رقيقة مشحونة بالعاطفة الجياشة.
  • توظيف مفردات وعبارات يتضح منها التركيز أكثر على موضوعات التشاؤم والكآبة، مثل: زفرات، وهائم، وغيرهما العديد.
  • الجمع بين الماضي والحاضر بطريقة فنية مُحكمة، وبروز الثنائية الضدية.
  • الإكثار من استخدام أسلوب الاستفهام، مما يُشير إلى سيطرة شعور الحيرة والقلق على الشاعر.


ولقراءة شرح المزيد من القصائد المدرسية: قصيدة لمن نغني.

المراجع

  1. "نسيب عريضة"، بوابة الشعراء. بتصرّف.