تعود قصيدة سلام على مكّة إلى الشاعر مصطفى بن محمد سليم الغلاييني، وهو شاعر وكاتب وخطيب، ولد في بيروت عام 1885م، ونشأ فيها، وتعلّم في مدارسها، ثم غادر إلى مصر ودرس على يد الشيخ محمد عبده، وعاد إلى بيروت ليشتغل أستاذًا للعربية، وأصدر مجلة (النبراس)، وعين خطيبًا للجيش العثماني في الحرب العالمية الأولى، ثم أقام في دمشق زمنًا، ثم عاد إلى بيروت ليعتقل إثر اتّهامه في قتل مدير الداخلية، ثم أفرج عنه، وحينها رحل إلى الأمير عبد الله في عمّان فعهِد إليه تدريس ابنيه، وبعدها عاد إلى بيروت ليكون رئيس المجلس الإسلامي فيها، وقاضيًا لمدينة بيروت، وتوفي في بيروت سنة 1944م، ومن مؤلفاته (أريج الزهر)، و(الثريا المضيّة في الدّروس العروضية)، و(جامع الدروس العربية)، و(ديوان الغلاييني)، وغيرها.[١]


مناسبة قصيدة سلام على مكّة

هي قصيدة شعرية على نظام الشطرين، يتغنى الشاعر فيها بمكّة الطاهرة، وحبّه لها باعتبارها أرضًا مقدسةً، وبقعةً طاهرةً تميلُ إليها قلوب المسلمين، وخاصة لمكانة الكعبة المشرفة التي تحتلها في نفوس ووجدان كل مسلمٍ ومسلمة، حيث تشتاق القلوب لزيارتها، وذلك لقيمتها ودلالتها الدينية والتاريخية العظيمة، ويسترجع الشاعر من خلال القصيدة قصّة النبي إبراهيم عليه السلام وزوجته هاجر، ومولد وبعثة الرسول الكريم محمّد صلّ الله عليه وسلّم الذي كان بمثابة البدر الذي أنار الكون بنور الإسلام والهداية، وحارب الجهل والضلال، وطهّر مكة فأصبحت قبلة للمسلمين، ويندرج النص تحت مجال القيم الإسلامية؛ إذ يحمل النص قيمةً تأثيريةً تدعو المسلمين للسير على نهج الهداية، وتتبع السيرة النبوية، وتاريخ الأمة الإسلامية.


الفكرة العامّة في قصيدة سلام على مكّة

مدح مكة المكرمة ومكانتها لدى المسلمين؛ لأنها موطن إبراهيم عليه السّلام، ومولد الهادي محمد صلّ الله عليه وسلّم، ومهبط الوحي.


الأفكار الرّئيسة في قصيدة سلام على مكّة

  • تحية وسلام لمكّة الطاهرة، وبيان مكانتها العظيمة في قلوب المسلمين.
  • وصف مكّة موطن إبراهيم عليه السلام، وطوافه حول الكعبة المشرفة.
  • الإشارة إلى مولد الرسول الكريم محمّد صلّ الله عليه وسلّم، وما حملته بعثته من هدى، وخيرٍ على المسلمين.


شرح أبيات قصيدة سلام على مكّة

يستهل الشاعر قصيدته بالتحية والسلام إلى بطحاء مكة، وهي الأرض الواسعة المنبسطة، والحمى التي يدافع المسلمون عنها، ففي هذه الأرض الطاهرة المقدسة خيم المجد والعز، وهي إشارة إلى أنّ أرض مكة أرض العز، والمجد، والقدسيّة، قد جعل الشاعر من المجد والعز كأنه يُخيم ويُظلل مكة، ونفس الشاعر تطوق شوقًا إلى هذه الأرض، والحمى التي قدس الله سرها وجعلها مباركةً في الأرض، وإليها تميل قلوب الناس وتهوي حبًّا وشوقًا لتطوف حول كعبتها الشريفة. فيقول الشاعر واصفًا ذلك:[٢]


سَلامٌ عَلَى بَطْحاءِ مَكَّةَ والحِمَى حَماها فَفيهِ المجدُ والعِزُّ خَيَّما بِنَفْسِي أَرْضاً قَدَّسَ الله سِرَّها إليها قُلُوبُ الناسِ يَهْوِينَ حُوَّما



وفي هذه الأرض الطاهرة المباركة نشأ الهادي خير البرية محمد صلّ الله عليه وسلم وآباؤُهُ الأُلى؛ أي الذين بنوا الكعبة بيتًا شريفًا معظمًا، ورفعوا قواعدها، وهي إشارة إلى أبينا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، وكان أول من طاف حولها إبراهيم كأنه البدر يطوف حول الكعبة المشرفة، وهي صورة فنية جميلة بأن شبه الشاعر سيدنا إبراهيم عليه السلام كالبدر يطوف حول الكعبة، والملائكة يسعونّ كالنجوم من حوله، وهو يطوف حول الكعبة فيدعو الله، والله يستجيب، ويسمع لدعاء الحجاج في لباس الإحرام.


ثم يستذكر الشاعر قصة السيدة هاجر عليها السلام التي هاجرت إلى مكة الطاهرة، ونزلت فيها، واحتمتْ وأقامت في حماها التي حفظها الله وحماها، فطابت لها مكة مقامًا ومنزلًا وأنجبت وولدت رسلًا كرامًا شَرّفت بهم بلاد الحجاز والجزيرة العربية، وعظمت مكانتها الدينية والتاريخية بهم، وانتسب إليهم سيد الخلائق والرسل أحمد (محمد صلّ الله عليه وسلم)، وببعثته جاء الهدى، وهُزم الظلام، ويقصد به الجهل، والضلال، والشرك الذي كان مخيمًا بظلاله على أرض الجزيرة العربية، والشاعر يصور الهدى والدين الحق بالجندي المقاتل الذي يهزم الظلام، فيقول الشاعر:[٢]


بها نَشَأَ الهادي وآباؤُهُ الأُلَى بَنَوْا في سَماءِ الدِّين بَيْتاً مُعَظَّما بهِ طافَ ابراهيمُ كالبَدْرِ حَوْلَهُ مَلاَئِكَةُ الرحمن يَسْعَوْنَ أَنْجُما يَطُوفُ فَيَدْعُو الله والله سامِعٌ مُجِيبٌ دُعا منْ طافَ لله مُحْرِما لَهُ هاجرتْ في اللهَ منْ قَبْلُ هاجرٌ فَحَلَّتْ مَقاما في حماهُ مُحَرَّما فطابتْ بهِ مَثْوىً كريماً وأَنْجَبَتْ كِرامًا بهمْ طابَ الحِجازُ وعُظِّما تَحَدَّرَ منهمْ سَيِّدُ الرُّسْلِ أَحْمَدٌ فَهَزَّمَ بالهَدْيِ الظَّلامَ المُخَيِّما



والشاعر يفتدي بروحه ونفسه تلك الأرض المقدسة مكة الطاهرة المشرفة التي نشأ فيها سيد الخلق، وخيرهم محمد صلّ الله عليه وسلم، والذي أنارالعقول بما كان فيها من ظلامٍ، والشاعر يقصد بما كان في هذه العقول من جهلٍ وضلال، وقد شبه الشاعر سيدنا محمد بالنور الذي يهدي إلى طريق الحق والهداية فيكشف الظلام، فلما ولد طه المصطفى صلّ الله عليه وسلم وظهرت شمسه؛ أي كانت البعثة وكأن أشعة شمس النبي ودينه قد أفزعت وروّعت جيش الضلال، والشّرك العرمرم الضخم.


وبنور هذا الهدي المحمدي، ودين الإسلام أشرقت الألباب والعقول وزال عنها غيّها وانكشف ضلالها، وذهب عنها جهلها، وقد كان كالقيد الذي يقيد البشرية، ويعمي بصيرتها ولكنه انكسر وانقشع بالنور المحمدي وبشمس الإسلام، وهي صور فنية جميلة، فلما جاء الإسلام ارتقت العقول النيرة بنور الإسلام تطلب علا الشمس بعد أن انكسر قيد العمى، والجهل عنها، ولم ترضَ إلا رأس النجم سلمًا لها لتصل إلى أعالي مجد وعزة الإسلام، فيقول الشاعر:[٢]


بِنَفْسيَ أَرْضاً أَنْبَتَتْ خَيْرَ سَيِّدٍ أَنارَ منَ الأَلْبابِ ما كانَ مُظْلِما بَدَتْ شَمْسُ طهَ في حِماهُ فَرَوَّعَتْ أَشِعَّتُها جَيْشَ الضلالِ العَرَمْرَما فأَشْرَقَتِ الأَلْبابُ وأَنْجابَ غَيُّها وقَيْدُ العَمَى والجهلِ عنها تَحَطَّما وهَبَّتْ تَطُولُ الشَّمْسَ في مُسْتَقَرِّها ولم تَرْضَ إلاَّ هامةً النَّجْمِ سُلَّما


ولقراءة شرح المزيد من القصائد الجميلة: قصيدة رحلة إلى الإيمان، قصيدة نور الهجرة.

المراجع

  1. إميل يعقوب (2004)، معجم الشعراء منذ عصر النهضة المجلد الثالث (الطبعة 1)، بيروت:صادر، صفحة 1262-1263، جزء 3.
  2. ^ أ ب ت آدم الجمالي (2019)، "تحضير نص سلام على مكة للسنة الثانيةإعدادي"، مستر آدمو.