قصيدة رحلة إلى الإيمان

تعودُ قصيدة رحلة إلى الإيمان، والّتي تتألّف من أربعة وعشرين بيتًا، وتعنى بشكلٍ خاص بالمديح إلى الشّاعر "الأعشى بن قيس" [١]، ويُعرَفَ الأعشى بأنَّهُ ميمون بن قيس بن جندل بن عوف المُكنّى بأبي بصير، ولُقِّبَ "بالأعشى" لأنَّهُ كانَ ضعيفَ البصر. ويُعدُّ الأعشى بن قيس، شاعِرًا عربيًّا من العصرِ الجّاهليِّ، إذ كانَ يتميَّزُ شِعره بأنَّهُ ذو جودةٍ، ولهُ دويّ، ورنين على الآذان، كَما أنَّهُ يُطرِبُ السّامَِعينَ حتى كانَ يخيل لهم أنَّه ينشد على جرس الصّنج، لذا أُطلِقَ عليه لقبَ صنّاجة العرب.[٢]


مُناسبة قصيدة رحلة إلى الإيمان

تتلخّصَُ مُناسبة قصيدة رحلة إلى الإيمان، في أنّ الأعشى كانَ قد خرجَ إلى النَّبيِّ عليه الصّلاة والسّلام، يُريدُ دخولَ الإسلام، فكانَ قد نظمَ لهُ هذه القصيدة كي يمدحه بها، وكانَ ذلك في الفترةِ الواقعةِ بينَ صلح الحُديبية في السّنة السّادسة للهجرة، وبينَ فتح مكة في السّنة الثّامنة للهجرة، فلمّا بلغ مكة، وعرفت قُريش بما قصد له، أخذوا يبغضون إليه الإسلام، ويُحدّثونه بأسوأ ما يَقدِرونَ عليه، ويُغرونه بالمال، حتّى صدوه عن وجهه، وعادَ إلى اليمامة بعدَ أن جمعوا له مئة ناقةٍ حمراء.[١]


تحليل وشرح أبيات القصيدة

يقولُ الأعشى بن قيس في قصيدته رحلة إلى الإيمان:[١]

أَلَم تَغتَمِض عَيناكَ لَيلَةَ أَرمَدا وَعادَكَ ما عادَ السَليمَ المُسَهَّدا

وَما ذاكَ مِن عِشقِ النِساءِ وَإِنَّما تَناسَيتَ قَبلَ اليَومَ خُلَّةَ مَهدَدا

وَلَكِن أَرى الدَهرَ الَّذي هُوَ خاتِرٌ إِذا أَصلَحَت كَفّايَ عادَ فَأَفسَدا

شَبابٌ وَشَيبٌ وَاِفتِقارٌ وَثَروَةٌ فَلِلَّهِ هَذا الدَهرُ كَيفَ تَرَدَّدا

وَما زِلتُ أَبغي المالَ مُذ أَنا يافِعٌ وَليداً وَكَهلاً حينَ شِبتُ وَأَمرَدا

يستهلُّ الشّاعر قصيدته بسؤالٍ استنكاريّ، حيثُ يُعبِّرُ عن أرقه الشّديد، ومُعاناته الشّديدة، كَما يُصوّرُ الشّاعر في هذه الأبيات كثرة تقلّب أحواله، وغدر الزّمان به، ويشكو حاله المُسهَّد، حيثُ لم تغمض لهُ عين، بسبب ما أصابه من وجعٍ بسبب كثرةِ السّهر، والسّهد، والتّفكير بأضداد الحياة حيثُ تتقلّبَُ أحوال الإنسان بين شبابٍ، وشيبٍ، وفقرٍ، وثروةٍ.


ثم يقول:[١]

وَأَبتَذِلُ العيسَ المَراقيلَ تَغتَلي مَسافَةَ ما بَينَ النَجيرِ فَصَرْ خَدا

فَإِن تَسأَلي عَنّي فَيا رُبَّ سائِلٍ حَفِيٍّ عَنِ الأَعشى بِهِ حَيثُ أَصعَدا

أَلا أَيُّهَذا السائِلي أَينَ يَمَّمَت فَأنَّ لَها في أَهلِ يَثرِبَ مَوعِدا

فَأَمّا إِذا ما أَدلَجَت فَتَرى لَها رَقيبَينِ جَدياً لا يَغيبُ وَفَرقَدا

يَصِفُ الأعشى بن قيس في هذه الأبيات حالة النّاقة الّتي أسرعت لتصل إلى بيتِ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، ويصفُ ما شاهده، وتعرّض لهُ خلال هذه الرّحلة إلى المدينة المنوّرة، فكانَ يراقب النّجوم في طريقه.


ثم يقول:[٣]

وَفيها إِذا ما هَجَّرَت عَجرَفِيَّةٌ إِذا خِلتَ حِرباءَ الظَهيرَةِ أَصيَدا

أَجَدَّت بِرِجلَيها نَجاءً وَراجَعَت يَداها خِنافاً لَيِّناً غَيرَ أَحرَدا

فَآلَيتُ لا أَرثي لَها مِن كَلالَةٍ وَلا مِن حَفىً حَتّى تَزورَ مُحَمَّدا

مَتى ما تُناخي عِندَ بابِ اِبنِ هاشِمٍ تُريحي وَتَلقَي مِن فَواضِلِهِ يَدا

نَبِيٌّ يَرى ما لا تَرَونَ وَذِكرُهُ أَغارَ لَعَمري في البِلادِ وَأَنجَدا

لَهُ صَدَقاتٌ ما تُغِبُّ وَنائِلٌ وَلَيسَ عَطاءُ اليَومِ مانِعَهُ غَدا

أَجِدَّكَ لَم تَسمَع وَصاةَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الإِلَهِ حينَ أَوصى وَأَشهَدا

إِذا أَنتَ لَم تَرحَل بِزادٍ مِنَ التُقى وَلاقَيتَ بَعدَ المَوتِ مَن قَد تَزَوَّدا

نَدِمتَ عَلى أَن لا تَكونَ كَمِثلِهِ وَأَنَّكَ لَم تُرصِد لِما كانَ أَرصَدا

فَإِيّاكَ وَالمَيتاتِ لا تَأكُلَنَّها وَلا تَأخُذَن سَهماً حَديداً لِتَفصِدا

يمتدح الأعشى في هذه الأبيات النّبيّ محمّد عليه الصّلاة والسّلام، ويشيد بفضائله، ومحاسنه، ومكارم أخلاقه، كما يقدّم لنا في هذه الأبيات نصائحه في الدّين، والدّنيا.


ويقول:[٤]

وَذا النُصُبِ المَنصوبَ لا تَنسُكَنَّهُ وَلا تَعبُدِ الأَوثانَ وَاللهَ فَاِعبُدا

وَصَلَّ عَلى حينِ العَشِيّاتِ وَالضُحى وَلا تَحمَدِ الشَيطانَ وَاللَهَ فَاِحمَدا

وَلا السائِلَ المَحرومَ لا تَترُكَنَّهُ لِعاقِبَةٍ وَلا الأَسيرَ المُقَيَّدا

وَلا تَسخَرَن مِن بائِسٍ ذي ضَرارَةٍ وَلا تَحسَبَنَّ المَرءَ يَوماً مُخَلَّدا

وَلا تَقرَبَنَّ جارَةً إِنَّ سِرِّها عَلَيكَ حَرامٌ فَاِنكِحَن أَو تَأَبَّدا

يواصل الشّاعر الأعشى في هذه الأبيات تقديم نصحه وإرشاده، حيث يدعونا إلى عبادة الله الواحد الأحد، وترك عبادة ما لا ينفع، ولا يضرّ كالأوثان، وإلى حمد الله في كلّ الأوقات، كما يدعونا إلى وصل كلّ محرومٍ سائل، وترك السّخرية من الآخرين، وإلى التّعفّف والنّزاهة.


الصّور الفنيّة في قصيدة رحلة إلى الإيمان

تعدّدت الصّور الفنيّة في القصيدة، ومن هذه الصّور:

  • يقول الشّاعر:[١]

وَلَكِن أَرى الدَهرَ الَّذي هُوَ خاتِرٌ إِذا أَصلَحَت كَفّايَ عادَ فَأَفسَدا

صوّر الشاعر الدّهر بالإنسان الفّاسد والمُفسد، ويُعتبر هذا النّوع استعارةً مكنيّة حيثُ حُذِف المُشبَّه به، وهو الإنسان.

  • يقول الشّاعر:[١]

أَلَم تَغتَمِض عَيناكَ لَيلَةَ أَرمَدا وَعادَكَ ما عادَ السَليمَ المُسَهَّدا

صوّر الشّاعر نفسه في هذا البيت وهو في حالة السّهر بالملدوغ الّذي لا يستطيع النّوم.


السّمات الأسلوبيّة للأعشى في قصيدته

تميّز شعر الأعشى، ولا سيّما قصيدة "رحلة إلى الإيمان"، بما يأتي:[٥]

  • أوّلا: توظيف الموروث الدّينيّ، الّذي يعتبر المصدر الرّئيس للموروث الفكريّ، والثّقافي.
  • ثانيًا: يمثّل شعره مرآةً لثقافة أهل عصره، ومعتقداتهم، وطقوسهم.
  • ثالثًا: توظيف الصّور الفنّيّة التّقليديّة المتداولة بين شعراء الجاهليّة.
  • رابعًا: توظيف الأساليب الإنشائيّة من استفهامٍ، ونهي.


ولقراءة شرح وتحليل المزيد من القصائد: قصيدة اعتذار للنابغة، قصيدة بانت سعاد.

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج ح محمد حسين، ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس، صفحة 135. بتصرّف.
  2. محمد حسين، ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس، صفحة 3. بتصرّف.
  3. محمد حسين، ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس، صفحة 135-137. بتصرّف.
  4. محمد حسين، ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس، صفحة 137.
  5. وسام عبد السلام عبدالرحمن أحمد ، توظيف الموروث في شعر الأعشى، صفحة 67-68. بتصرّف.