قصيدة نور الهجرة

تَعودُ قصيدة نور الهجرة والّتي تُعرَفُ أيضًا باسم "ملحمة النّبيّ"، والّتي تتألّف من ثلاثةٍ وخمسين بيتًا، إلى الشّاعر عُمر شافع أبو ريشة، وهو شاعِرٌ توالى تفاعله مع مجتمعه وترديده للأهازيج الّتي تتمحور حولَ عهدِ النِّضال، فاتّخذ الرومانسيّة كمادةٍ يُعبّرُ فيها عن منازعه الذاتيّ، إضافةً إلى أنَّهُ شاعِرٌ تثقّفََ بثقافة الغربِ إضافةً إلى تمكّنه من ثقافته العربيّة والإسلاميّة، فاتّجه عُمر أبو ريشة بوجدانه لحال الأمة العربيّة، وما آل إليه مصيرها، فأخذ يصوّر ذلك بوجدانياتٍ اتّسمت بعذوبتها، مُتأثرًا بالمذاهب الغربيّة وخاصّة التيّار الرومانسيّ، إضافةً إلى فورة الشّباب وثورتهم.[١]


مُناسبة قصيدة نور الهجرة

تغنّى الشّاعر عُمر أبو ريشة في هذه القصيدة بالحديث عن الرّسول الكريم، وكيف جاء ليخلّص النّاس من عبادة الأوثانِ، ويدلّهم على نور عبادة الرّحمن، فيسرد من خلالها سيرة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام منذ بداية عهده وحتى وفاته.[٢]


شرح وتحليل معاني قصيدة نور الهجرة

يقول الشاعر:[٣]

أيّ نجوى مخضلة النّعماء رددتها حناجر الصّحراء

سمعتها قريش فانتفضت غضبى وضجت مشبوبة الأهواء

ومشت في حمى الضلال إلى الكعبة مشي الطريدة البلهاء

وارتمت خشعة على اللات والعزى وهزت ركنيهما بالدعاء

وبدت تنحر القرابين نحرا في هوى كل دميةٍ صماء

وانثنت تضرب الرمال اختيالًا بخطى جاهليةٍ عمياء

يبّين الشّاعر في هذه الأبيات كيف خطّطت قريش لأذيّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.


ثم يقول:[٣]

عربدي يا قريش وانغمسي ما شئت في حمأة المنى النكراء

لن تزيلي ما خطه الله للأرض وما صاغه لها من هناء

هنا يخاطب الشّاعر قريش مستهزئًا من خططها، وعربدتها، ونيّتها النّكراء بإيذاء الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، ويقرّ في هذه الأبيات بإيمانه بحفظ الله للنّبيّ وأتباعه، لنشر نور الله والحقّ.


ثم يقول:[٣]

شاء أن ينبت النبوة في القفر ويلقي بالوحي من سيناء

فسلي الربع ما لغربة عبد الله تطوى جراحها في العزاء

ما لأقيال هاشم يخلع البشر عليها مطارف الخيلاء

وأبو طالب على مذبح الأصنام يزجي له ضحايا الفداء

هو ذا أحمد فيا منكب الغبراء زاحم مناكب الجوزاء

بسم الطفل للحياة وفي جنبيه سر الوديعة العصماء

هب من مهده ودب غريبَ الدار في ظل خيمة دكناء

تتبارى حليمةٌ خلفه تعدو وفي ثغرها افترار رضاء

عرفت فيه طلعة اليمن والخير إذا أجدبت ربى البيداء

وتجلى لها الفراق فاغضت في ذهول وأجهشت بالبكاء

عاد للربع أين آمنةٌ والحب والشوق في مجال اللقاء

ما ارتوت منه مقلة طالما شقت عليه ستائر الظلماء

يا اعتداد الأيتام باليتم كفكف بعده كل دمعة خرساء

أحمد شب يا قريش فتيهي في الغوايات واسرحي في الشقاء

وانفضي الكف من فتى ما تردى برداء الأجداد والآباء

أنت سميته الأمين وضمخت بذكراه ندوة الشعراء

فدعي عمه فما كان يغريه بما في يديك من إغراء

جاءه متعب الخطى شارد الآمال مابين خيبة ورجاء

قال هون عنك الأسى يابن عبد الله واحقن لنا كريم الدماء

لا تسفه دنيا قريش تبوئك من الملك ذروة العلياء

فبكى أحمد وما كان من يبكي ولكنها دموع الإباء

فلوى جيده وسار وئيدا ثابت العزم مثقل الأعباء

وأتى طوده الموشح بالنور وأغفى في ظل غار حراء

وبجفنية من جلال أمانيه طيوف علوية الإسراء

وإذا هاتف يصيح به اقرأ فيدوي الوجود بالأصداء

وإذا في خشوعه ذلك الأمي يتلو رسالة الإيحاء

وإذا الأرض والسماء شفاه تتغنى بسيد الأنبياء


كان هنالك أثرًا كبيرًا لهجرة النّبيّ، حيث أزال الشّرك، ووحّد قبائل المدينة، ونشر الإسلام، فتغنّى الشّاعر في هذه الأبيات بالرّسول عليه السّلام، الّذي جاء ليخلّص النّاس من عبادة الأوثانِ، ويدلّهم على نور عبادة الرّحمن، وبيّن من خلالها سيرة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام منذ بداية عهده.


ثم يقول:[٣]

جمعت شملها قريش وسلت للأذى كل صعدة سمراء

وأرادت أن تنقذ البغي من أحمد في جنح ليلة ليلاء

ففي ليلةٍ ظلماء جمعت قريش شملها، لأذيّة الّرسول، ولم تكلّف شخصًا واحدًا بأذيّة الرّسول، ليتفرّق دم الرّسول (عليه السّلام) بين القبائل، ولا يستطيع بنو هاشم الانتصار له.


ثم يقول:[٣]

ودرى سرّها الرهيب علي فاشتهى لو يكون كبش الفداء

قال: يا خاتم النبيين أمست مكة دار طغمة سفهاء

أنا باقٍ هنا ولست أبالي ما ألاقي من كيدها في البقاء

سيروني على فراشك والسيف أمامي وكل دنيا ورائي

حسبي الله في دروب رضاه أن يرى فيّ أول الشهداء

فتلقاه أحمد باسم الثغر عليما بما انطوى في الخفاء

أتى أبو بكر الصّدّيق إلى الرسول؛ ليقف إلى جانبه في محنته هذه، فاستقبله الرّسول صلّى الله عليه وسلّم باسم الثّغر؛ لأنّه كان يعلم بما كان يُدبّر له.


ثم يقول:[٣]

أمر الوحي أن يحث خطاه في الدجى للمدينة الزهراء

وسرى واقتفى سراه أبو بكر وغابا عن أعين الرقباء

وأقاما في الغار والملأ العلوي يرنو إليهما بالرعاء

قد أمر الله سبحانه وتعالى نبيّه محمّد أن يهاجر إلى المدينة المنوّرة، فامتثل النّبيّ صلى الله عليه وسلّم لأمر الوحي، وهاجر تحت العناية الإلاهيّة، وسار معه أبو بكر الصّدّيق، واختبئا عن أعين المراقبين، فأقاما في الغار ترعاهما الملائكة.


ثم يقول:[٣]

وقفت دونه قريش حيارى وتنزهت جريحة الكبرياء

وانثنت والرياح تجار والرمل نثير في الأوجة الربداء

هنا وصلت قريش إلى الغار ولكنها لم ترَ الرّسول عليه السّلام، ولا أبا بكر الصّدّيق، حيث ظهرت العناية الإلاهيّة وهي تكتنف النّبيّ صلى الله عليه وسلّم في هجرته من مكّة إلى المدينة.


ثم يقول:[٣]

هللي يا ربا المدينة واهمي بسخي الأظلال والأنداء

واقذفيها الله أكبر حتى ينتشي كل كوكب و ضاء

قد استنارت المدينة بمقدم النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فعمّت الأفراح، وأشرقت شمس النّبوّة على المدينة معلنةً أفراحها، فانتشر التّهليل والتّكبير في المدينة المنوّرة.


ويقول:[٣]

واجمعي الأوفياء إن رسول الله آتٍ لصحبة الأوفياء

يصف الشّاعر النّصارى بالأوفياء، ويشيد بهم.


ثم يقول:[٣]

وأطلّ النبي فيضا من الرحمة يروي الظماء تلو الظماء

هنا يتغنّى الشّاعر بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وبصفاته الكريمة.


الصّور الفنيّة في قصيدة نور الهجرة

  • "رددتها حناجر الصّحراء": صوّر الشّاعر الصّحراء بشخصٍ له حناجر عديدة يردّد بها الكلام.
  • "ومشت في حمى الضلال": صوّر الشّاعر الضّلال بطريقٍ تسلكه قريش.
  • "بخطى جاهليةٍ عمياء" : صوّر الشّاعر خطوات الجاهليّة بخطوات العمياء.
  • "ما ارتوت منه مقلة طالما شقت عليه ستائر الظلماء": صوّر الشّاعر المقلة بفتاةٍ لا ترتوي من الماء بوجود الظلم، كما صوّر الظلم بستائر تحجب الضّوء فيعمّ الظّلام.


السِّمات الأسلوبيّة للشّاعر

أدخل الشّاعر عمر أبو ريشة نظام المقاطع، والتّنويع في الأوزان والقوافي، حيثُ عمل على تحديث الشّكل الكلاسيكيّ للقصيدة المُعاصرة، فأتاح هذا التّنويع للشّاعر المزيد من الحُريّة في خلق الصّور، واستحداث المعاني. كَما أنَّهُ كانَ كثير الاهتمام بعمليّة التّصوير الشعريّ، فامتلأت أعماله الشعريّة بالصّور الّتي صاغها بالعديد من الأدواتِ والوسائل الفنيّة. إضافةً إلى ذلك فإنه حرص على المزج بين الأصالة والمعاصرة بطريقةٍ فنيّةٍ لتحقيق مضامين شعريّة معاصرة، وسعيًا لتحقيق أهدافٍ إنسانيّة عامّةٍ تتمحور حول قضايا الأمة العربيّة والإسلاميّة.[٤]


ولقراءة شرح المزيد من القصائد: قصيدة يا طائر البان، قصيدة خداع الأماني.

المراجع

  1. عصام الدين نور، الصورة الفنية في شعر عمر أبي ريشة، صفحة 8. بتصرّف.
  2. مصطفى مواس، بلاغة الاطناب في ديوان عمر أبو ريشة التكرار والاعتراض باسلوب النداء نموذجين، صفحة 229-230. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر عمر أبو ريشة، ديوان عمر أبو ريشة، صفحة 495-515. بتصرّف.
  4. أنور فشوان، الصورة الفنيّة في شعر عمر أبو ريشة: دراسة تحليلية نقدية، صفحة 835-838. بتصرّف.