قصيدة زهور

تعود قصيدة زهور للشاعر أمل دنقل، وهو محمد أمل فهيم أبو القسام محارب دنقل، ولد سنة 1940م في أسرةٍ صعيديّة في مصر، كان والده عالمًا من علماء الأزهر الشريف، وأديبًا وشاعرًا وفقيهًا ومثقفًا، لذا تفتحت عينا أمل على العلم والأدب، مما ساهم في تكوين أمل الشّاعر، وقد عانى من مرض السرطان، وتوفي سنة 1983م بعد صراعٍ مع المرض قاتل خلاله الموت بالكلمة، وبصمت المبدع، حتى بات هذا الصراع صراعًا بين الموت والشعر، وقد خلف وراءه أعمالًا شعريّة خالدة منها قصيدة زهور.[١]


مناسبة القصيدة

كتب دنقل قصيدته زهور في فترة مرضه، وهو على سرير المرض وقد امتلأت غرفة المستشفى التي كان بها بباقات الزهور، فمنذ أن نشرت الجرائد خبر القرار الاستثنائي الذي أصدره رئيس الوزراء بعلاج أمل على نفقة الدّولة، ولم يستطع يومها النوم قبل أن يكتب قصيدته (زهور)، لكنّ كثرة هذه الباقات الرسمية لم تكن لتسعده، وكان يرى فيها كل ذلك الزِّيف والاهتمام المصطنع، والزّهور التي تحمل مشاعر زائفة، ومشاعر رسمية غير دافئة، لم تكن لترضيه، بل ولَّدَتْ فيه أحاسيس عكسية، كالكآبة، والاختناق، والوحدة، والضّياع، وقد كتب أمل القصيدةَ مستمدًا رموزها من الطّبيعة على شاكلة الشَعراء الرومانسيين، ويرتبط رمز الزهور في هذه القصيدة التي كتبها، وهو على عتبة الموت، بالمرض والموت ذاته.[٢]


شرح القصيدة وأقسامها

قسم الشاعر قصيدته إلى ثلاثة مقاطع

  • ففي المقطع الأول يلمح الشّاعر سلال الورد، وباقاته وهو بين الإغماءة والإفاقة، بين الموت والحياة لا يكاد يرى أسمًا على البطاقة إنما يلمحها لمحًا لشدة تعبه ومرضه، وبين الموت وهو الإغماءة والحياة، وهي الإفاقة، فيلمح سلال الورد وباقات الزهور تحمل كل واحدةٍ اسم حاملها مدوَّنًا في بطاقة.

يقول أمل دنقل:[٣]

وسلال من الورد،

ألمحها بين إغماءةٍ وإفاقة

وعلى كل باقة

اسمُ حاملها في بطاقة

  • أما في المقطع الثاني فنراه يتحدّث مع الزّهرات الجميلة، ويقوم بأنسنتها وتشخيصها فنراها تتحدث تارةً، وتتسع عيونها دهشةً تارةً أخرى لحظة قطفها، ولحظة الخوف والقصف، وهنا يرى دنقل بأن هذه اللّحظة هي اللحظة ذاتها التي يعيشها بين الحياة والموت، فقد سيطر المرض عليه، وباتت هواجس الموت تحوم في رأسه وخلال شِعْره، لذلك نلحظ بأنه يسقط عواطفه على الزهرات، وقد أبدع في وصفه وتشخيصه لمشهد إعدام الزّهرات في بستانها الأخضر ذو الأشجار الكثيفة الوارفة الظلال، وصور لنا كيف أنّ هذه الزهور تحس وعانت من قطف الجناة، فهناك حيث قطفت وأُعدمت هذه الزَهرات الجميلة، واتسعت عيونها دهشةً، وقد شبهها بالإنسان الذي له عيون قد اتسعت ولديه شعورٌ من الدّهشة، فأصبحت هذه الزهرات تتحدّث للشّاعر لمّا سقطت وهوت من عرشها ومملكتها في الرّوضة الغناء، فكأنما أغمي عليها لمّا قطفتها أيدي الطغاة الغاصبين، لتستيقظ وتجد من نفسها سلعةً معروضةً في واجهات محلات الورود، وخلف الزجاج، وبين أيدي البائعين المتجولين، لتأتي اليد المتفضلة لتشتريها، ويريد بذلك أي أنها حبيسة حزينة سقطت من عروشها كحاله، تتحدث إليه وكأنها شخص عزيز يؤنس وحشة أحزانه، وآلام مرضه، فهو حبيس السّرير وقد أعياه المرض ويقبعُ في غرفة خلف جدران المستشفى، وقد هوى من عليائه، وقوة شبابه، وبات جثةً هامدة بين الحياة والموت، كما أنّ الشّاعر والزهرات تعرضا للقطف في ريعان الشباب، إلا أنّ هذه الزهرات الجميلة الحزينة ما تزال ترفع أعناقها الخضراء شامخة، تأبى الانكسار رغمّ احتضارها، وانقطاع أنفاسها وهي تتمنى له الشّفاء والعمر المديد، وكأنما أمل يسقط من ذاته على هذه الزهرات، وهو يأبى الانكسار رغم هواجس الموت التي تسيطر عليه.

وربمّا نلمح في هذا المقطع بعض التلميحات السّياسية من خلال بعض الكلمات منها القصف، والإعدام، والعرش، واليد المتفضلة، الملكية، وهو يريد أن يشير بطرف خفي إلى علاقة المثقف بالسلطة، ونشهد أيضًا بأن حديث الزّهور عن رحلتها البائسة، ومصيرها المحتوم ليس إلّا حديث الشاعر عن تجربته في الحياة، وما سقوطها سوى رمزًا لسقوط الشّاعر، ونهايته المأساوية التي أحسَ بدنوها[٤]، فيقول واصفًا ذلك:[٥]

تتحدث لي الزهرات الجميلة

أن أعينها اتسعت - دهشةً -

لحظة القطف،

لحظة القصف،

لحظة إعدامها في الخميلة!

تتحدث لي...

أنها سقطت من على عرشها في البساتين

ثم أفاقت على عرضها في زجاج الدكاكين، أو بين أيدي المنادين،

حتى اشترتها اليد المتفضلة العابرة

تتحدث لي..

كيف جاءت إلي..

(وأحزانها الملكية ترفع أعناقها الخضرَ)

كي تتمنى لي العمر!

وهي تجود بأنفاسها الآخرة!!

  • أما القسم الأخير فما تزال الزهور تشارك أحاسيس الشّاعر فهو في ذبولٍ مثلها، ويكاد يلفظ آخر أنفاسه مودعًا الحياة ثانية بثانيةٍ، والوقت يجري ببطء، وهذه الحياة تنسل من جسده الضعيف، كهذه الزهرات المقطوعة عن جذرها وعرشها وموطنها أيضًا، وأصبحت معدمة باتت تلفظ أنفاسها الأخيرة في كلّ ثانية كما الإنسان، ثم نراه يعود مجددًا إلى جمال الصورة الفنيّة، والتشخيص فهذه الزهرات الذابلة تشعر بشعور الرضا كما هو شعور الإنسان، وهي راضية تحمل على صدرها اسم قاتلها في بطاقة.فيقول واصفًا ذلك:[٦]

كل باقة..

بين إغماءة وإفاقة

تتنفس مثلي- بالكاد- ثانية.. ثانية

وعلى صدرها حملت - راضية...

اسم قاتِلها في بطاقة!


ولقراءة شرح المزيد من القصائد: قصيدة الغاب، قصيدة مرحى بوجهك.

المراجع

  1. ياسمين حمودي (2019)، السيرة الذاتية في قصيدتي زهور و ديسمبر لأمل دنقل.pdf التشكل السير ذاتي في قصيدتي زهور وديسمبر لأمل دنقل، صفحة 17-26. بتصرّف.
  2. ياسمين حمودي، السيرة الذاتية في قصيدتي زهور و ديسمبر لأمل دنقل.pdf التشكل السير ذاتي في قصيدتي زهور وديسمبر لأمل دنقل، صفحة 32.
  3. أمل دنقل، أمل دنقل الأعمال الشعرية الكاملة، مصر:مكتبة مدبولي، صفحة 370.
  4. ياسمين حمودي، السيرة الذاتية في قصيدتي زهور و ديسمبر لأمل دنقل.pdf التشكل السير ذاتي في قصيدتي زهور وديسمبر لأمل دنقل، صفحة 33.
  5. أمل دنقل، أمل دنقل الأعمال الشعرية الكاملة، صفحة 370-371.
  6. أمل دنقل، أمل دنقل الأعمال الشعرية الكاملة، صفحة 371.