قصيدة مرحى بوجهك

تَعودُ قصيدة "مرحى بوجهك" إلى الشّاعر محمّد الحلوي، وهو واِحِدٌ من كبار الشّعراء المغربيين، وأحد الشّعراء المُناضلين، وكانَ يُعرَفُ بأنَّهُ واحدٌ من فطاحل الشُّعراء الَّذين رفعوا رأس المغرب في المحافل الأدبيّة والأندية الشّعريّة. كانَ مُحمّد الحلويّ يدعو إلى الإخاء والتآخي بين البشر فكان يحرص على إيصال أفكاره من خلال أشعاره، فكانت قد بدأت تجربته الشّعريّة في العقد الثّاني من عُمره وعايش خلال شبابه صراع السلفية ضد الانحراف الدينيّ، والصّراع السّياسيّ ضد الاستعمار، فكانَ يُعبِّرُ عن رأيه بالحرف والكلمة، حيثُ كانَ لشعره أثرٌ على النّفوس، وذلك بسبب روعة أسلوبه وجماله وقريحة شعره.[١]


مُناسبة قصيدة مرحى بوجهك

يُرحّب الشّاعر من خلال قصيدته بالشّتاء، على الرّغم من قساوته الطّبيعيّة إلّا أنَّهُ فصل الخيرِ، واليُمنِ، والبركاتِ.


تحليل قصيدة مرحى بوجهك

يَستهلُّ الشّاعر محمد الحلوي قصيدته "مرحى بوجهك" قائلًا:


الجو أدكن والطبيعة ترتدي ثوب الحداد كأنها لم تبسم والسحب تذرف في سخاء دمعها والريح تزأر والربى في مأتم هذي الرياض فأين وشي زهورها وعبير رياها وجدولها الظمي ؟ أين الخمائل ؟ أين فرحة طيره بطلائع الفجر والوضيء الملهم؟ أين الفراش معربدا في نشوة يمتص في نهم رحيق البرعم؟ أين الأراجيح التي علقت بها أيدي الولائد والصبايا الحوم ؟ غامت سمائي بعد صحو لم تغب عني بشاشته ولم تتجهم وتناثرت أوراق روضي مثلما تهوى دموع من محاجر مغرم خلعت يد الأنواء عنه رواءه وأتته نائحه بوبل مسجم والطير كالتمتام أخرسها الأسى أصباحها مثل الظلام المعتم


يصف الشّاعر مظاهر فصل الشّتاء الكئيب، ويرى أنّ كلّ مظاهر الطّبيعة في الشّتاء لزمت الحداد والحزن، فها هي الطّبيعة ترتدي السّواد كحال من فقد حبيب أو عزيزٍ فحدّ عليه، وها هي الغيوم تسحّ الدّموع بكثرةٍ، وها هي الرياح كالأسود تزأر، وها هي الرّوابي تفقد خضرتها، فيتحسّر الشّاعر متسائلًا عن مصير ذلك الجمال في الطّبيعة، وصوت الطّيور، كلّ هذه المظاهر الجميلة اختفت بحلول الشّتاء، وتساقط جمالها كما تتساقط الدّموع من عينيّ العاشق، وأصبح الصّبح كالليل مظلمًا.


ثمّ يقول:


مرحى بوجهك يا شتاء وإن يكن جهم الملامح في قساوة مجرم الخير يقطر في نداك سنابلا ذهبية ريا معطرة الفم والبشر يكمن خلف عابسا واليمن خلف جمالك المتلثم


يدرك الشّاعر في هذه الأبيات القيمة الحقيقيّة لفصل الشّتاء، والّذي يحمل الخير، والبشرى، والفضل الكثير، رغم ما يبدو عليه من ملامح مخيفة كالمجرمين، فأصبح الشّاعر يرحّب بفصل الشّتاء، ويرى فيه اليمن والخير والبركة.


ويقول:


وعلى الرصيف رأيتها إنسانة تجتر شجو مصابها كالعلقم مقرورة عصر الطوى أمعاءها فتكومت في جنح ليل مظلم لم يبق منها الجوع إلا هيكلا أودى به البرد المجمد للدم غطت وجيها شاحبا بملاءة مسحوقة من عهد آدم وتوسدت أرضا تبلل تربها وتأوهت في حالة المستسلم


انتقل الشّاعر في هذه الأبيات إلى وصف مشهد امرأةٍ فقيرة متشرّدة حزينة، تشعر بالبرد الشّديد، وتعاني من الجوع الشّديد، لا تملك غير ردائها القديم المهترئ الّذي بالكاد يقيها من برد هذا الشّتاء القارس، ولا تملك من الطّعام شيئًا يسدّ جوعها، فأصبحتْ كالهيكل العظميّ، لشدّة نحول جسمها، وعدم حصولها على الطّعام الّذي يقوّيها، ولا تجد ما تضع رأسها فوقه لتنام بهدوءٍ، وراحةٍ غير الأرض المبلّلة بمياه الأمطار الشّديدة، فاستسلمت لمعاناتها الشّديدة، وقدرها الصّعب متأوّهةً حزينةً متألّمة.


الصّور الفنيّة في القصيدة والاستعارات

تَعدّدت الصّور الفنيّة، والاستعارات في قصيدة "مرحى بوجهك"، ومن هذه الصّور:

  • الطّبيعة ترتدي: صوّر الشّاعر الطّبيعة كامرأة ترتدي ثوبًا: (استعارة مكنيّة).
  • السّحب تذرفُ: صوّر الشّاعر الطّبيعة كامرأةٍ حزينة تذرفُ الدّموع: (استعارة مكنيّة)
  • تناثرت أوراق روضي مثلما تهوى الدّموع: يُصوّر الشّاعر تبعثر أوراق الشّجر كسقوط الدّمع من الإنسان.
  • الطّير كالتَّمتام: صوّر الشّاعر الطّير بالإنسان الّذي يُتمتم.


السِّمات الأسلوبيّة للشّاعر

تميّز الشّاعر محمد الحلويّ باقتداره فنيًا، لا سيّما في قدرته على التّنويع في الموضوعات الشّعريّة في قصائده، كلّما اقتضى المقام إلى ذلك، كما ضمّ الحلويّ في شعره كافّة الأغراض الشّعريّة المتداولة في الشّعر العربيّ. عُرف الشّاعر محمد الحلويّ بشعره القوميّ الحماسيّ، فقد تغنّى في أكثر من قصيدةٍ بالبطولات، والجهاد، والفداء، وكثيرًا ما كان يلجأ في شعره إلى تنبيه العرب لما في الخلاف من آثارٍ سلبيّة، وكان دائمًا ما يستثير همم الشّعوب العربيّة، ويوقظ فيهم العزيمة. كما احتضن شعره جوانب متعددة من مظاهر الحياة المغربيّة سياسيًّا، واجتماعيًّا، وثقافيًّا، ونوّع في نزعته الشّاعريّة الذاتيّة والدّينيّة، وظهرت نبرته الوطنيّة، والقوميّة، والاجتماعيّة، والإنسانيّة، ممّا جعل لغته الشّعريّة متنوّعة، مستمدّةً عناصرها من حقولٍ معجميّة مختلفة.[٢]


ولقراءة شرح المزيد من القصائد: قصيدة غضب الحبيب، قصيدة على الدرب.

المراجع

  1. سيمين ضيايي، علي خضري، دراسة المضامين السياسية والاجتماعيّة في أشعار محمد عبالرحمن الحلوي ديوان أوراق الخريف أنموذجا، صفحة 77. بتصرّف.
  2. الأستاذة لرقم، في النص الشعري المغاربي.pdf محاضرات في النّصّ السّعريّ المغاربيّ، صفحة 2-3. بتصرّف.