قصيدة الغاب

تعدّ قصيدة الغاب إحدى القصائد التي نظمها جبران خليل جبران، أحد أبرز شعراء المهجر، وهو شاعر لبناني وُلِد عام 1883م في بلدة يُطلق عليها "قصبة بشراي"، وبقي فيها حتى أنها تعليمه الابتدائي في مدرستها المعروفة، وقد كان يُعرف بحدّة ذكائه وحبّه للعلم والمعرفة، ويُذكر أنه اضطر للهجرة مع عائلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وفيها التحق بإحدى المدراس وغذّى خزينته المعرفية، وبعد عدة سنوات عاد إلى لبنان وتعرف إلى العديد من الشخصيات الأدبية والفنية، وبدأت شمس نشاطه الأدبي بالبزوغ، وتنقل جبران بعدها بين العديد من الدول والمُدن.[١]


شرح قصيدة الغاب لجبران

يفرّغ جبران خليل حبران في قصيدته هذه أفكاره وعواطفه ونزعته التأملية للطبيعة والبعد عن الحياة المادّية، محملًا إياها دعوة للتفاؤل والأمل في الحياة، وقد تم تقسيم القصيدة إلى عدة مقاطع فيما يأتي شرح موجز لها:


شرح المقطع الأول


لَيسَ في الغاباتِ حزنٌ لا وَلا فيها الهُموم فَإِذا هَبّ نَسيمٌ لَم تَجئ مَعهُ السُّموم لَيسَ حزنُ النَّفسِ إِلّا ظلّ وَهمٍ لا يَدوم وَغُيومُ النَّفسِ تَبدو من ثَناياها النُّجوم أَعطِني النّايَ وَغَنِّ فَالغِنا يَمحو المِحَن وَأَنينُ النّايِ يَبقى بَعدَ أَن يَفنى الزَّمَن



يتحدث الشاعر منذ بداية القصيدة عن ميزات عالم الغابات والطبيعة وصفاته، فيشير إلى أنّه يشكّل مصدر السعادة للإنسان؛ إذ تغيب فيه الهموم والأحزان، ويسود فيه النقاء والأمل، وفيه نسيم عليل يخلو من الغبار والحرارة فيروّح عن النّفس ويُسعدها، وتتبدد الأحزان وكأنها مجرد أوهام وخيالات مؤقتة، وعكس هذه الصورة في عالم الطبيعة تكون الصورة في العالم المادّي.


ويستمرّ الشاعر بعد ذلك بذكر صفات عالم الطبيعية باعثًا من خلالها دعوة للتفاؤل والتخفيف عن النفس؛ إذ يُشير إلى أنّ الهموم مهما كثرت وتراكمت كالغيوم فلا بدّ من أن يُطلّ منها شُعاع الأمل، وفي الطبيعة أيضًا يساعد صوت الناي الشجيّ الذي يُرافقه الغناء على محو آثار المصائب والأحزان، فهو خالدٌ وأبديّ لا ينتهي بانتهاء الزمن، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • المِحَن: المصائب.
  • أنين الناي: صوته.
  • الناي: آلة موسيقية.
  • يفنى: ينتهي.


شرح المقطع الثاني


هل اتخذت الغاب مثلي منزلًا دون القصور فتتبّعت السواقي وتسلّقت الصخور هل تحمّمت بعطر وتنشّفت بنور وشربت الفجر خمرًا في كؤوس من أثير هل جلست العصر مثلي بين جفنات العنب والعناقيد تدلّت كثريّات الذهب



يُخاطب الشاعر في هذا المقطع الإنسان بصورة عامة ويدعوه للتوجّه إلى الطبيعة كما فعل هو، وذلك من خلال إلقاء أسئلة عليه يصوّر عن طريقها حياته بعيدًا عن العالم المادّي؛ فالشاعر تخلّى عن ذلك العالم بقصوره ومادّياته وفضّل أن تكون الغابة منزله، ليستمتع بقنوات المياه العذبة فيها ويتسّلق الصخور والجبال المحيطة بها، ويتجوّل بين أزهارها الفواحة التي تشكّل بالنسبة له العِطر المعتاد الذي يُعطّر به جسده.


كما يجلس الشاعر بين ربوع الغابة مستمتعًا بشرب الخمر في ساعات الفجر، أما عند اقتراب ساعات الغروب فيجلس أسفل عرائش العنب التي تتدلّى منها العناقيد وكأنها مصابيح ذهبية، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • السواقي: جمع ساقية، وهي قنوات المياه.
  • جفنات العنب: عرائش أو كروم العنب.


شرح المقطع الثالث


هل فرشت العشب ليلًا وتلحّفت الفضا زاهدًا فيما سيأتي ناسيًا ما قد مضى وسكوت الليل بحر موجّه في مسمعك وبصدر الليل قلب خافق في مضجعك أعطني الناي وغنّ وانسَ داء ودواء إنما الناس سطور كُتِبت لكن بماء



يستمرّ الشاعر في هذا المقطع بترغيب الناس بحياة الطبيعة والغابات؛ ففيها يكون العشب الأخضر فراشًا والسماء غطاء، ويُصبح الإنسان في حالة من الصفاء لا يُفكّر في المستقبل ولا يحزن على الماضي وأحزانه، كما يُشير إلى أنّ الليل في الغابات بهدوئه ونقائه يشبه البحر ذا الأمواج الهادئة التي يتهادى صوتها إلى الآذان، وكأنّ هذا الليل إنسان عاشق يسمع منه نبضات قلبه فتؤنس وحدته.


ثم يعود الشاعر في النهاية ويؤكد على أنّ صوت الناي والغناء هو مصدر السعادة وطريقة القضاء على الهموم والأمراض، فحياة البشر مهما طالت فهي قصيرة ومآلها الفناء، كالكلمات التي كُتبت بالماء فجفّت سريعًا، فليستمتع الإنسان بسنوات حياته في كنف عالم الطبيعية، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • زاهدًا: راغبًا عن الدنيا.
  • مضجعك: مكان النوم والراحة.


السمات الفنية في قصيدة الغاب لجبران

تتتميز قصيدة الغاب لجبران خليل جبران بعدد من السمات والخصائص الفنية، يُذكَر منها ما يأتي:

  • توظيف العديد من الصور الفنية والتشبيهات التي تتلاءم مع غرض القصيدة.
  • تكرار استخدام بعض المفردات والأدوات بهدف تأكيد الشاعر على فكرته في القصيدة.
  • سيطرة عاطفة التفاؤل والأمل على أبيات القصيدة.
  • المزج بين الأسلوب الإنشائي والأسلوب الخبري.
  • عقد المقارنة بين العالم المادّي والطبيعة بأسلوب فنّي إبداعيّ.


المراجع

  1. مؤسسة الفكر اللبناني، سيرة جبران خليل جبران وأبرز منجزاته، صفحة 3-15. بتصرّف.