قصيدة زحلة

تَعودُ قصيدة زحلة إلى الشّاعر أحمد شوقي، وَهو شاعِرٌ مِصريٌّ عاش زمن الخديوي توفيق إسماعيل، وكانَ يُعرَفُ بأنَّهُ رائدٌ من روّادَِ النَّهضةِ العربيّة الحديثة [١]، كَما أنَّهُ يحتلُّ مكانة مرموقة في تاريخ الأدب العربيّ الحديث، فتميَّز بعطائه الأدبيّ الغزير والمتنوّع، فكان شعره الحديث الّذي يشغل النُّقاد والدّارسين، وبناءً على ذلك فإنه كانَ يُلقّبُ بأمير الشُّعراء. لم يكتفِ شوقي بأن يكونَ شاعِرًا بارِزًا في عصره فحسب، بل كانَ يتطلّع إلى آفاق أُخرى من الإبداع الأدبيّ، فعمِل على ترسيخ دعائم النّهضة الشعريّة الحديثة، فعُرِفت مكانته الأدبيّة على الصّعيدين المحليّ، والعربيّ.[٢]


مُناسبة قصيدة زحلة

نظم الشّاعر أحمد شوقي قصيدته "زحلة" ليستذكر أيّام صباه الجميلة، وفتوّته، وقوّته، الّتي ولّت بعد أن تقدّم بالعمر، وقد استعرض في هذه القصيدة ذكرياته في لبنان، وزحلة، ودمشق، مبتدئًا فيها بالتّحسّر، والحزن على ذهاب أجمل أيّامه فيها.[٣]


تَحليل قصيدة زحلة

يقول الشاعر:[٤]


شَيّعـتُ أَحْـلامـي بقلـبٍ بـاكِ ولَمَحتُ من طُرُق المِـلاحِ شِباكـي ورجـعـتُ أَدراجَ الشبـاب ووِرْدَه أَمشي مكانَهمـا علـى الأَشـواكِ وبجـانبِـي واهٍ كـأَن خُفـوقَـه لَمـا تلفَّـتَ جَهْشَـةُ المُتبـاكـي

يبثّ الشّاعر أحمد شوقي أحزانه وآلامه، حيث تحسّر على أيّام فتوّته الّتي ولّت، ويرى الشّاعر في هذه الأبيات أنّ الزمن لا يقف عند الصّبا بل يتعدّاه إلى حال الهرم.[٥]


ثم يقول:[٤]


شاكِي السلاحِ إذا خـلا بضلوعـه فإذا أُهيـبَ بـه فليـس بـشـاكِ قد راعـه أَنـي طوَيْـتُ حبائلـي من بعـد طـول تنـاولٍ وفكـاكِ وَيْحَ ابنِ جَنْبـي؟ كلُّ غايـةِ لـذَّةٍ بعـدَ الشبـابِ عـزيـزةُ الإدراكِ لـم تَبـقَ منَّا، يا فـؤادُ، بقيّـةٌ لـفـتـوّةٍ، أَو فَضلـةٌ لـعِـراكِ كنا إذا صفَّقْـتَ نستبـق الـهوى ونَشُـدُّ شَـدَّ العُصبـةِ الـفُتَّـاكِ واليومَ تبعـث فـيّ حيـن تَهُزُّنـي مـا يبعـث الناقـوسُ فِي النُّسّـاكِ


يقارن الشّاعر في هذه الأبيات بين حاله في الصّبا، وحاله الآن، حيث واصل فيها تحسّره، وحزنه على أيّام صباه الّتي ولّت وقد كان يقضيها باللّهو والعبث، ممّا جعله في آخر حياته يتّجه إلى الزّهد.[٦]


ويقول:[٧]


يا جارةَ الوادي، طَرِبْـتُ وعادنـي ما يشبـهُ الأَحـلامَ مـن ذكـراكِ مَثَّلْتُ فِي الذِكْرَى هَواكِ وفِي الكَرَى والذِّكرياتُ صَدَى السّنينَ الحَاكـي ولقد مررتُ على الريـاض برَبْـوَةٍ غَـنَّـاءَ كنـتُ حِيالَهـا أَلقـاكِ ضحِكَتْ إلـيَّ وجُوهها وعيونُهـا ووجـدْتُ فِـي أَنفاسهـا ريّـاكِ فذهبتُ فِي الأَيـام أَذكـر رَفْرَفـاً بيـن الجـداولِ والعيـونِ حَـواكِ أَذكَرْتِ هَرْوَلَةَ الصبابـةِ والـهوى لـما خَطَـرْتِ يُقبِّـلان خُطـاكِ ؟ لم أَدر ما طِيبُ العِناقِ على الـهوى حتـى ترفَّـق ساعـدي فطـواكِ وتأَوَّدَتْ أَعطـافُ بانِك فِي يـدي واحـمرّ مـن خَفَرَيْهمـا خـدّاكِ ودخَلْتُ فِي ليلين: فَرْعِك والدُّجـى ولثمـتُ كالصّبـح المنـوِّرِ فـاكِ ووجدْتُ فِي كُنْهِ الجوانـحِ نَشْـوَةً من طيب فيك ، ومن سُلاف لَمَـاكِ وتعطَّلَتْ لغـةُ الكـلامِ وخاطبَـتْ عَيْنَـيَّ فِي لُغَـة الـهَوى عينـاكِ ومَحَوْتُ كلَّ لُبانـةٍ من خاطـري ونَسِيـتُ كلَّ تَعاتُـبٍ وتَشاكـي لا أَمسِ من عمرِ الزمـان ولا غَـد جُمِع الزمانُ فكـان يـومَ رِضـاكِ


يخاطب الشّاعر متأوّهًا "زحلة" المدينة اللّبنانيّة الّتي أمضى فيها أحلى أيّام عمره، بين رياضها، ووديانها، وجداولها.[٦]


ثم يقول: [٧]


لُبنانُ ، ردّتنـي إليكَ مـن النـوى أَقـدارُ سَـيْـرٍ للـحـيـاةِ دَرَاكِ جمعَتْ نزيلَيْ ظَهرِهـا مـن فُرقـةٍ كُـرَةٌ وراءَ صَـوالـجِ الأَفــلاكِ نـمشي عليها فوقَ كـلِّ فجـاءَة كالطير فـوقَ مَكامِـنِ الأَشـراكِ ولو أَنّ بالشوق الـمزارُ وجدتنـي مُلْقي الرحالِ على ثَـراك الذاكـي


انتقل الشّاعر في هذه الأبيات إلى مخاطبة لبنان، حيث جعل في هذه الأبيات الفراق طريقًا تسلكه أشواقه، كي تتربّع فوق ثرى لبنان.


ثم يقول:[٧]


بِنْـتَ البِقـاع وأُمَّ بَـرَ دُونِـيِّـها طِيبي كجِلَّـقَ ، واسكنـي بَـرداكِ ودِمَشْقُ جَنَّـاتُ النعيـم ،وإنـما أَلفَيْـتُ سُـدَّةَ عَـدْنِهِـنَّ رُبـاكِ قَسَماً لو انتمت الـجداول والرُّبـا لتهلَّـل الفـردوسُ ، ثـمَّ نَمـاكِ مَـرْآكِ مَـرْآه وَعَيْنُـكِ عَيْـنُـه لِـمْ يا زُحَيْلـةُ لا يكـون أَبـاكِ؟


يصف الشّاعر جمال زحلة الّتي وصفها كأنّها قطعة من الجنّة، وتبقى على جمالها، ولا تهرم مثل الإنسان، مهما مرّ الزّمان.[٨]


ويقول: [٧]


كُنتِ العروسَ على مِنصَّة جِنْحِـها لُبنانُ فِي الوَشْـيِ الكريـم جَـلاكِ يـمشي إليكِ اللّحظُ فِي الديباج أَو فِي العاج من أَي الشِّعـابِ أَتـاكِ


يصف الشّاعر جمال زحلة الّتي تبقى على حسنها كعروسٍ تغري زائرها، لم تطلها يد إنسانٍ، ولم تر كمثلها عينان يأتيها الزّائر من كلّ صوبٍ، وحدب.[٨]


ثم يقول:[٩]


والبـدرُ فِي ثَبَـج السمـاءِ مُنَـوِّرٌ سالت حُلاه على الثـرى وحُـلاكِ والنيِّـرات مـن السحـاب مُطِلَّـةٌ كالغِيـد من سِتْـرٍ ومـن شُبّـاكِ وكأَنَّ كـلَّ ذُؤابـةٍ مـن شاهِـقٍ كنُ الـمجرَّةِ أَو جـدارُ سِمـاكِ سكنَتْ نواحـي الليـلِ، إلا أَنَّـة فِي الأَيْكِ، أَو وَتَر اًشَجِـيَّ حَـراكِ


يصف الشّاعر البدر، وهو يلقي بضلال أنواره على ثراها محلّيا، وسحيبات مطلّات في سمائها تنسيان ناظرها ما تراكمت في قلبه من هموم، وليلٍ لا يعانق الأحزان، ولا يصاحب الآلام؛ إذ يشعر مرافقه بالأمان.[١٠]


ثم يقول:[١١]


أَحْلَلْتِ شعري منكِ فِي عُليا الـذُّرا وجَمـعْـتِـه بـروايـة الأَمـلاكِ إن تُكرمي يا زَحْلُ شعـري إننـي أَنكـرْتُ كـلَّ قَـصـيـدَةٍ إلاَّكِ أَنتِ الخيـالُ: بديعُـهُ، وغريبُـه اللهُ صـاغـك ، والـزمـانُ رَواكِ


نسب الشّاعر زحلة إلى الفردوس، لجمال طبيعتها، وروعة طلّتها، وبديعها، حيث فجّرت لديه الأشعار، واستثارت بجمالها الوجدان، فسرح بخيالها.[١٠]


الصّور الفنيّة والاستعارات في القصيدة

من الصور الفنية الجميلة في هذه القصيدة:[١٢]

"ولثمت كالصبح المنور فاك": شبّه الشّاعر نفسه كالصّبح الّذي يبدّد سحائب الظّلام.

"الزّمان رواك": شبّه الشّاعر الزّمان كإنسانٍ يروي زحلة، وهو استعارة مكنية، حيث حذف المشبّه به.

"شيّع أحلامي": شبّه الشّاعر أحلامه كموتى يشيّع جثمانهم، استعارة مكنيّة.


الخصائص الأسلوبيّة في قصيدة زحلة [١٣]

  • امتازت قصيدة "زحلة" بإيقاعها الدّاخليّ، ومستواها الإيقاعيّ.
  • التّكرار الذي يمنح نغمًا موسيقيًّا يجذب المتلقّي لخفّته.
  • التّكرار في الصّوت والكلمات، ممّا ساعد على محاكاة الطّبيعة، وتوكيد الدّلالة.


وللاطلاع على شرح المزيد من القصائد: قصيدة الناعورة، قصيدة الماء.

المراجع

  1. إيمان ميهوبي، حنان مولاي، النفسي في قصيدة زحلة لأحمد شوقي.pdf البعد النفسي في قصيدة زحلة لأحمد شوقي، صفحة 2. بتصرّف.
  2. عزالدين اسماعيل، أحمد شوقي الأعمال الكاملة المسرحيات، صفحة 5-6. بتصرّف.
  3. ^ أ ب أحمد شوقي، ديوان أحمد شوقي، صفحة 470.
  4. إعداد الطّالتين: إيمان ميهوبي، حنان مولاي، النفسي في قصيدة زحلة لأحمد شوقي.pdf البعد النفسي في قصيدة زحلة لأحمد شوقي، صفحة 27. بتصرّف.
  5. ^ أ ب
  6. ^ أ ب ت ث
  7. ^ أ ب
  8. ^ أ ب