قصيدة حلب
تعود قصيدة حلب للشاعر الصنوبري، وهو أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسن الضّبي نسبة إلى قبيلة ضبّة، والمعروف بالصنوبري، شاعر عبّاسي ولد في ضواحي أنطاكية، ونشأ، وتربّى في حلب، ومضى على حفظ القرآن وانكب على حفظ الشعر وتعلّم العربيّة، وحضر مجالس سيف الدّولة أمير حلب، وعمل خازنًا في مكتبته، كان رجل الطبيعة التي تعَشّقها وملأ ديوانه وصفًا لها، وقد توفي سنة 334هـ، وروضيّاته التي نسبت إليه من أشهر الشعر العربي، وفيها عالج الصنوبري مشاهد الطبيعة معالجة إحياءٍ، واستنطاقٍ، وتفسير، وموسيقى، وسهولةٍ، وانسجامٍ.[١]
مناسبة القصيدة
قصيدة حلب قصيدة قالها الصنوبري في مدينة سيف الدولة حلب الشّهباء تلك المدينة التي عاش في كنفها شاعرنا الصنوبري، وأحبّها، ونهل منها العلم والأدب؛ إذ كانت حينها مركزًا علميًّا، وثقافيًا يزخر بعلماء اللّغة، والفقه، والأدب[٢]. وقد جمعت هذه المدينة خصال الجمال، وروت قصة مجدٍ عريقٍ على مدى الأيام، وتعد هذه القصيدة قصيدة عموديّة مطولة بلغ عدد أبيّاتها 104 بيتًا شعريًا على نظام الشّطرين، واختار موسيقاها من مجزوء الرّمل، وقافيتها الهاء المشبعة، وفيها تفنن شاعرنا ببديع الصّياغة والنسيج، بما فيه من رقة ألفاظه ودقّة معانيه، وبما فيه من تطويع الأساليب، وحسن الوصف، والتصوير لأداء المعنى الدقيق ببراعةٍ، وإبداعٍ لا يُعلى عليه.
الأفكار الرئيسية في القصيدة
- الوقوف على الأطلال.
- الغزل، ووصف المحبوبه اللّذان يتناغمان مع مظاهر الطبيعة والجمال.
- حلب مدينة المجد كالقمر المنير.
- وصف الجامع بحلب.
- عهد الشّاعر لنفسه لحماية موطنه العريق حلب.
- وصف لحسن وجمال مدينة حلب، وما حوته من مظاهر الطبيعة، وجمال أشجارها ونباتاتها.
- وصف سهول حلب الخضراء بما فيها من رياضٍ وزهور.
- التفاخر بمدينة حلب ذات العز، والشرف بين المدن.
شرح أبيات القصيدة
استهلّ الشّاعر قصيدته بمطلعٍ طلليّ كما هو معهود في القصيدة العربيّة التّقليديّة، فبدأ بالأطلال في مقدمّة طلليّة يسأل بها عن الدّيار، والظعائن، ثم دخل إلى موضوع الغزل، ووصف المحبوبة، ونرى تناغم مظاهر الطّبيعة مع غزله ووصفه، فيقول:[٣]
ينقلنا الشّاعر إلى حلب والفخر بهذه المدينة العريقة، فهو يصورها بأجمل صورةٍ فنيّة فيراها كالبدر التمام في حسنها، وجمالها، ويريد أن يشير إلى أمجاد المدينة، وعزتها، وجاهها العظيم، فهي قمر منير في ليلةٍ ظلماء، وقد أحاطت بها القرى، والضيع المضيئة النّيرة كالنجوم حول هذا القمر البديع فأتى على ذكر صفاتها المعنوية فهي مدينة عريقة يعمّها النّور ويزيدها جاهًا وجمالًا. فيقول: [٤]
ثمّ ينتقل بنا إلى وصف جامعها، ويصف المنبر، والمئذنة التي طالت أعالي النجوم، وقد صانتها القبّة المنقوشة بجمالها وإبداع بانيها، ثمّ يصف رجال العلم الذين يأتون إلى الجامع لطلب العلم، والفقه، والآداب. فيقول:[٥]
ثم نرى الصنوبريَّ وقد عاهد نفسهُ على حماية هذه المدينة، فهي موطنه، ومسكنه الذي يأويه، ويأخذنا إلى وصف هذه المدينة السّاحرة الحسن والجمال بما فيها من أشجار السّرو، التي تدنو دنو الفتاة من حبيبها، ويصف نبات الآس اللين العود؛ كأنّه ينثني كخصر الفتاة الرفيع، ويأتي على وصف نخلها، وزيتونها، وما في هذه المدينة من جمال الطبيعة الأخاذ. فيقول:[٦]
ثمّ يخبرنا الشّاعرمت فاخرًا بمدينة حلب، فهي أفضل وأشرف مكانٍ يأوي إليه الإنسان؛ لأنّها تحيطه بكرمها، وكلّ مَن يقطنها ويأوي إليها كريم ونبيل وشهم، ويأخذنا مبدعًا في نسج أجمل الصّور لوصف حلب الشّهباء؛ فقد بسط الغيث، وتساقط المطر فسقى حلب غيثًا وخيرًا وبثّ فيها الحياة؛ فاستمر إشراقها وبهاؤها، ولم ينقطع الخير عنها مطلقًا، ثمّ إن هذا الغيث قد ألبس الأرض أثوابًا بديعة الجمال، وكأنّ هذه الأثواب قد صُنعت، ونُسجت من زهور السوسن وكأن الورد خيوطها، ثم نراه يذهب إلى أنسنة وتشخيص زهر النّرجس النّدي فيجعل له عيونًا، ونداه دموعًا، ويتفنن في تصوير سهول حلب الخلابة؛ وكأنها أثواب قد زُينت بالورود والسوسن، وزهورالنرجس، وبدت شقائق النعمان الحمراء كأنها وجنات وخدود حمراء كالجمر واللظى، أمّا الأقحوانات فبدت بصورةٍ جميلةٍ ساحرة بنقائها وبياضها، وعلتها قطرات النّدى كأنها اللؤلؤ، والدّر فزادتها سحرًا وبهاءً، ثم يصف أنواع الزهور برقةٍ ورشاقة، فيأتي على وصف الخزامى والنيلوفر بأجمل ما يصوغه من لفظٍ، وتصويرٍ للمعنى، فقد أتى الصنوبري على ذكر حلب، ووصف صفاتها الماديّة فهي مدينة جميلة، يمدّها الغيث بالخير، ويكسو بساتينها بالخضرة والجمال حين قال:[٧]
ثمّ يفاخر الشّاعر بمدينة حلب الشهباء، ويدعوها لأن تفتخر، وتنافس المدن في جاهها، وسموِّ مكانتها، وهنا يقوم الشاعر بتشخيص وأنسنة لمدينة حلب من خلال النداء ليؤكد على مكانة حلب العزيزة على قلبه، فهي ملكة بين المدن العظيمة الأخرى؛ إذ يقول: [٧]
عاطفة الشاعر في القصيدة
وتظهر عاطفة الشّاعر الوطنية بانتمائه لمدينة حلب، وحزمة من مشاعر الحبّ، والإعجاب، والافتخار، والاعتزاز بهذه المدينة العريقة.
ولقراءة شرح المزيد من القصائد: قصيدة وذي رحم، قصيدة غضب الحبيب.
المراجع
- ↑ حنا الفاخوري، الجامع في تاريخ الأدب العربي القديم، بيروت:دار الجيل، صفحة 865. بتصرّف.
- ↑ شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الثاني، صفحة 348.
- ↑ تحقيق إحسان عباس، ديوان الصنوبري، صفحة 456.
- ↑ تحقيق إحسان عباس، ديوان الصنوبري، صفحة 458.
- ↑ تحقيق إحسان عباس، ديوان الصنوبري، صفحة 458-459.
- ↑ تحقيق إحسان عباس، ديوان الصنوبري، صفحة 459.
- ^ أ ب تحقيق إحسان عباس، ديوان الصنوبري، صفحة 460.