قصيدة وحق الهاشميين أوجب

تعود قصيدة وحق الهاشميين أوجب للشعر الكميت الأسدي، وهو الكميت بن زيد الأسدي، شاعر أموي ولد بالكوفة سنة 60 للهجرة، وكان شيعيًا، شبّ على دروس العلماء يتلقنُ الفقه، والحديث النّبوي، وأنساب العرب وأيّامها، ولم يلبث أن تحوّل معلمًا في مسجد الكوفة يعلّم الناشئة، أنشد الشّعر وبرع فيه، وطلب به جوائز الولاة، والأشراف، والخلفاء، عرف عن صلته بالهاشميين، ومن أشهر شعره الهاشميات التي قالها في بني هاشم، وآل علي كرم الله وجهه.[١]


مناسبة القصيدة

القصيدة هي قصيدة سياسية تقليدية مطوّلة، من نظام الشطرين نظمها الشّاعر على وزن البحر الطويل، وتندرج تحت شعر التّعبير عن الذات، والتعبير عن الجماعة حيث صار في العصر الأموي انتماءً حزبيًا، وطائفيًا للجماعة، وقد تجسدّ هذا الانتماء من خلال الفخر بالجماعة، وهنا يفتخر الشّاعر بجماعة الهاشميين، والقرب منهم والرّد على أعدائهم.


عنوان القصيدة

يوحي عنوان القصيدة بأنّ قبيلة بني هاشم هم أحق الناس بالخلافة، وبتولّي وتدبير شؤون المسلمين، وفيها يدافع الشّاعر عن حق الهاشميين بالخلافة دون غيرهم من الفرق المتناحرة، وبأنّ بني هاشم أولى بالخلافة لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلّم.


الفكرة العامّة في القصيدة

مدح قبيلة بني هاشم، والدفاع عن أحقية خلافتهم الإسلامية، والرد على أعدائهم من أمويين، وخوارج.


الأفكار الرئيسية في القصيدة

  • الأبيات الأولى من القصيدة خرق الشّاعر لنظام القصيدة التقليدية فلم يأتِ بمقدمةٍ طللية، بل كان يشتاق إلى أهل الفضائل، وليس إلى المحبوبة وديارها كما اعتاده شعراء العرب القدماء.
  • استبدال الشّاعر المقدمة الطللية بتوجيه الخطاب لبني هاشم، والتعريف بهم، ومدحهم بأوصافهم الحميدة.
  • تكاثر الأعداء على الشّاعر لافتخاره ببني هاشم، ودفاعه عن أحقيّتهم في الخلافة، ولوم الأعداء له لانتصاره للهاشميين.
  • الشاعر يلوم أعداءه، ويردّ عليهم بعدم أحقيّتهم في الخلافة.
  • فخر الشّاعر بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعلي بقبيلة بني هاشم، وفخره بانتمائه إلى هذه القبيلة الشريفة النّسب إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم.


شرح أبيات القصيدة

تخلّص الشّاعر من المقدمة الطّلليّة المعروفة في الشّعر العربي القديم، واستهلّ قصيدته بالشّوق والطّرب، والتّغني، ولم يكن هذا الطرب والشوق إلى النّساء البيض الحِسان، ولم يكن طربهُ لعبًا ولهوًا، وهو ذو شيبٍ وله من الكبر عمرًا، حتّى لم يشغله طلل ولا دار للحبية مقفرة، ولا حتى استهوته أنامل حسناء قد خُضبت بالحنة تحاول إغواءه، ولكنّ شوقه وطربه كان إلى أهل الفضائل والكرم، قبيلة بني هاشم رفيعة النسب، فهم أهل النُهى وهي العقول، وهم خير قبيلة أنجبتها العرب، ويميل الشّاعر إلى النفر البيض، ويريد بذلك بأنه يميل بحبّه إلى بني هاشم، وبهذا الحب الذي أصابه يتقرب إلى الله بقربه لبني هاشم. فيقول الكميت واصفًا ذلك:[٢]


طَرِبتُ وما شَوقاً إلى البِيضِ أَطرَبُ ولاَ لَعِبَاً أذُو الشَّيبِ يَلعَبُ ولم يُلهِنِي دارٌ ولا رَسمُ مَنزِلٍ ولم يَتَطَرَّبنِي بَنانٌ مُخَضَّبُ وَلكِن إِلى أهلِ الفَضَائِلِ والنُّهَى وَخَيرِ بَنِي حَوَّاءَ والخَيرُ يُطلَبُ إلى النَّفَرِ البيضِ الذِينَ بِحُبِّهم إلى الله فِيمَا نَابَنِي أتَقَرَّبُ


يوجه الشّاعر خطابه مخبرًا أعداءه بحبه لبني هاشم آل النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، وهو ينتمي لهم، ويرضى بهم خلفاء للمسلمين، ويغضب لهم، ويثور لأجلهم.

ثم يقول: لقد ليّنتُ لبني هاشم جانبي مودةً وحبًا، وفي ذلك كناية عن التواضع لآل بيت رسول الله، وأيضًا إجلال لمكانتهم الرفيعة، ولناحيتهم عظيمة القدر، فهم أهلُ لذلك القدر العظيم.


ثمّ يقف الشّاعر مدافعًا عن بني هاشم أمام هؤلاء وهؤلاء ويقصد بهم الفرق والجماعات المتناحرة على خلافة المسلمين، ويشبه نفسه بالمجن، وهو التّرس المدافع الذي يصدُّ عنهم الأعداء بلسانه، فيذم هؤلاء الأعداء ويشتمهم بشعره، فالأعداء يتهمونه بالميل إلى بني هاشم، وهو يرمي الأعداء ويوبخهم بشعره، ونلحظ هنا جمال اختيار كلمة أرمي؛ وكأنهم يتراشقون السهام فيما بينهم، ولكن الكميت يرد على الأعداء بسهام التّوبيخ والتّأنيب، وليس يؤذي الشّاعرََ كلامٌ قبيحٌ لعدوٍ له، ويستجدي العطية، ويعاب على ذلك؛ لأنه عادى بني هاشم أهل الرفعة والكرم، ويستمر خطابه لأعدائه الذين يجورون، ويظلمون، ويُشعلون الفتنة، فبأيّ شريعة وسنّة يرون أن حبَّ الشّاعرَ لبني هاشم، وآل النبي عارٌ عليه، فأيّ الأمرين أسلم عداوتهم، أو بغضهم لا نقول أجل، ولكنه أمرٌ محزن لك هذا البغض والعداء، ويستمر خطاب الشّاعر للعدو ستعود نادمًا خاسرًا يومَ نكثتم العهود مع آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومٍ شديد الحساب. فيقول الكميت واصفًا ذلك:[٣]


بَنِي هَاشِمٍ رَهطِ النَّبِيِّ فإنَّنِي بِهِم ولَهُم أَرضَى مِرَاراً وأغضَبُ خَفَضتُ لَهُم مِنّي جَنَاحَي مَوَدَّةٍ إلى كَنَفٍ عِطفَاهُ أهلٌ وَمَرحَبُ وَكُنتُ لَهُم من هَؤُلاكَ وهَؤُلا مِجَنّاً عَلَى أنِّي أُذَمُّ وأُقصَبُ وأُرمى وأرمي بالعَدَاوَةِ أهلَها وإنّي لأوذَى فِيهُم وأُؤَنَّبُ َفَمَا سَاءَني قَولُ امرىءٍ ذِي عَدَاوةٍ بِعَوراء فِيهِم يَجتَدِينِي فَيَجدُبُ فَقُل لِلذي في ظِلِّ عَميَاءَ جَونةٍ يَرى الجَورَ عَدلاً أينَ تَذهَبُ بِأيِّ كِتَابٍ أَم بِأيَّةِ سُنَّةٍ تَرَى حُبَّهُم عَاراً عَلَيَّ وتَحسَبُ أَأَسلَمُ ما تَأتِي بِهِ من عَدَاوَةٍ وَبُغضٍ لَهُم لاَ جَيرِ بَل هو أشجَبُ



سَتُقرَعُ مِنهَا سِنُّ خَزيَانَ نَادِمٍ إِذَا اليَومُ ضَمَّ النَّاكِثينَ العَصَبصَبُ



ثمّ يؤكد الشّاعر على حبّه وفخره بآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤكّد على ولائه لجماعة بني هاشم، وليس له طريق ومذهب إلّا طريقهم، ولا يريدُ أن يتولَّى غيرهم، وليس له بعدهم أحد يعظمهم، ويجلّهم، ويهابهم فهم أحق بالخلافة، ولهم التعظيم والمهابة بين العرب.

وإلى أصحاب النبي يصبو الشّاعر، ويشتاق، وتطلع نوازع من قلبه، وقد أشرفت شوقًا وحنينًا وحبًّا لبيت رسول الله، وأصحابه،عَطِشًا يريدُ الارتواء بحبّهم، ووصالهم فقلبه، وعقله مشغولان بآل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهنا يشبه قلبه بالإنسان العطش شوقًا، ويريد أن يرتوي حبًّا ووصالًا، والشّاعر يتجنّب ما يكرهونه قولًا وفعلًا؛ إذ يقول معبرًا عن حبّه لآل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام:[٤]


فَمَا لِيَ إلا آلَ أحمدَ شيعةٌ وَمَا لِيَ إلاَّ مَشعَبَ الحَقِّ مَشعَبُ وَمَن غَيرَهُم أرضَى لِنَفسِيَ شِيعَةً ومن بَعدَهُم لاَ مَن أُجِلُّ وأُرجَبُ إلَيكُم ذَوِي آلِ النَّبِيّ تَطَلَّعَت نَوَازِعُ من قَلبِي ظِماءٌ وألبَبُ فإنِّي عَن الأمر الذي تكرَهُونَهُ بِقَوولي وَفِعلِي ما استَطَعتُ لأجنَبُ



ثم يصور الشاعر كيف تجمّع الأعداء عليه؛ لأنه انتصر لبني هاشم، ولم يرضَ سواهم، فكان من هؤلاء الأعداء من كفّروه، وعابوه وجعلوه مذنبًا فلم يسيئه هذا التنفير، بل إنهم يلومون الشّاعر على حبّه لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرته لبني هاشم، ويلومون حبّه لعليٍّ كرّم الله وجهه، لكنيته بأبي تراب لمّا نفّض النبي صلى الله عليه وسلّم التراب عن ظهره رضي الله عنه، حتى أنّ أقارب الشّاعر حقدوا عليه لميله لبني هاشم، وكذلك نصبوا له العداوة والبعد.فيقول الشّاعر واصفًا ذلك:[٥]


فَطَائِفَةٌ قد أكفََرَتنِي بِحُبِّكُم وَطَائِفَةٌ قَالُوا مُسِيءٌ وَمُذنِبُ فما سَاءَنِي تَكفِيرُ هَاتِيكَ مِنهُمُ ولا عَيبُ هاتِيكَ التي هِيَ أعيَبُ يُعيبُونَنِي من خُبثِهِم وَضَلاَلِهم على حُبِّكُم بَل يَسخُرون وأعجَبُ وقالوا تُرَابِيُّ هَوَاهُ ورأيُه بذلِكَ أُدعَى فِيهُمُ وألَقَّبُ



وأحمِلُ أحقَادَ الأَقَارِبِ فِيكُمُ وَيُنصَبُ لِي في الأبعَدِينَ فَأنصُبُ



وجماعة بني أمية تقول بأنها ورثت الخلافة ولكنها ما ورثتها أبدًا، وهم يرون أنهم أحق بالخلافة، ويصوّر لنا الشّاعر النزاع السياسي بين بني أمية بني هاشم، ولكن الأحقية للخلافة واجبة للهاشمين، ولأحفاد آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وسلّم رضي الله عنها، ويقصد بأنّ أحقية الخلافة لعلي لقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه دنا وذل الشرق والمغرب، ثمّ يفاخرُ الشّاعر برسول الله خير الخلق أجمعين، ويبارك مولده، ونشأته، ومشيبه، ويبارك قبره، وآل بيته، وأصحابه في مدينته يثرب المنورة، ويدافع عنهم؛ لأنّ بني أمية تقول بأنّ الخلافة ليست من تراث النبي، ولو كانت كذلك لاشتركت بها أحياء وقبائل أخرى، وهذه الخلافة لا تصلح لأحد سوى بني هاشم فهم من قريش، وذوي القربى أحق بهذه الخلافة، ويقصد أحقية علي رضي الله عنه في الخلافة.[٦]


وللاطلاع على تحضير المزيد من القصائد: قصيدة هذي بلادي، قصيدة أناديكم.

المراجع

  1. شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي العصر الإسلامي (الطبعة 7)، مصر:المعارف، صفحة 323-324. بتصرّف.
  2. جمع وشرح وتحقيق محمد نبيل طريفي (2000)، ديوان الكميت بم زيد الأسدي (الطبعة 1)، بيروت:صادر، صفحة 512-514.
  3. جمع وشرح وتحقيق محمد نبيل طريفي (2000)، ديوان الكميت بن زيد الأسدي (الطبعة 1)، بيروت:صادر، صفحة 515-517.
  4. جمع وشرح وتحقيق محمد نبيل الطريفي (2000)، ديوان الكميت بن زيد الأسدي (الطبعة 1)، بيروت:صادر، صفحة 517-519.
  5. جمع وشرح وحقق محمد نبيل طريفي (2000)، ديوان الكميت (الطبعة 1)، بيروت:صادر، صفحة 519-521.
  6. جمع وشرح وحقق محمد نبيل الطريفي (2000)، ديوان الكميت بن زيد الأسدي (الطبعة 1)، بيروت:صادر، صفحة 524-524-528.