قصيدة لم يبق عندي ما يبتزه الألم

تعود قصيدة "لم يبق عندي ما يبتزه الألم" إلى الشاعر محمد مهدي الجواهري، وهو شاعر عراقي اسمه بالكامل محمد بن الشيخ عبد الحسين بن الشيخ عبد علي، تشير المصادر إلى أنه من مواليد عام 1900م في مدينة النجف العراقية، وينتمي الجواهري إلى أسرة ذات علم ودين، كما امتاز بالذكاء والفطنة، مما ساهم في صقل شخصيته ووصوله إلى ما وصل إليه في الأدب العربي.[١]


شرح قصيدة لم يبق عندي ما يبتزه الألم

أراد الشاعر محمد مهدي الجواهري من خلال أبيات هذه القصيدة البالغ عددها (25) بيتًا التعبير عن مشاعر حزينة بعد سنين طويلة في الحياة شهد فيها أحداثًا ومواقف للأمة العربية تركت الألم في نفسه، محملًا إياها العديد من المعاني والدلالات، وقد تم تقسيم القصيدة إلى عدة مقاطع، لكن فيما يأتي شرح موجز لمقطعين منها:


شرح المقطع الأول


لم يبقَ عنديَ ما يبتزّهُ الألمُ حسبي من الموحشاتِ الهمُّ والهرمُ لم يبقَ عندي كفاءَ الحادثاتِ أسى ولا كفاءَ جراحاتٍ تضجُّ دمُ وحينَ تطغَى على الحرَّان جمرتُهُ فالصمتُ أفضلُ ما يُطوَى عليهِ فمُ وصابرينَ على البلوى يراودهُمْ في أن تضمَّهُمُ أوطانُهم حلمُ



يستهلّ الشاعر قصيدته بالحديث عن نفسه بأنّه عاش سنوات طوال تعّرض خلالها للكثير من الهموم والمصائب فذاق الحزن والألم حتى أصبح في النهاية لا يُبالي بشيء، فحينما تزداد الآلام وتكثر لا يعود للكلام معنى ويكون الصمت مع الصبر أقصى ما يُمكن فعله، وقد شبّه ذلك بالشخص الذي بلغ عنده العطش شدّته فلم يعد يرويه شيء مهما شرب، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • يبتزه الألم: أي بمعنى ما يُثير الشعور بالألم.
  • حسبي: يكفيني.
  • الهرم: الكبر بالسن.
  • أسى: حزن.
  • حرّان: عطشان.
  • جمرته: شدته.


شرح المقطع الثاني


تذكَّروا عهدَ بلفورٍ فقلتُ لهمْ ما تستجِدُّونَهُ عهدِي بهِ القِدَمُ مِن قَبلِ سِتِّينَ من خَزيانِ مَولِدِهِ أقمتُ مأتمَ أرضٍ قُدسُها حَرَمُ لا يَغضَبَنْ سادةٌ تُخشى معرَّتُهُم بل المعرَّةُ في أنْ يَغضَبَ الخَدَمُ فلستُ أخلِطُ ما يَجنيهِ مِنْ تُهَمٍ شعبٌ برئٌ وما يَأتيهِ مُتَّهَمُ وإنَّما أنا من أوجاعِ مجتمعٍ ٍ جرحٌ، ومن جَذوَاتٍ عِندَهُ ضَرَمُ كم تَنقُضُونَ بأعذارٍ مُثَرثَرَةٍ ما تُبرِمونَ، ولا يعنيكمُ البَرَمُ شأنَ الذليلِ وقد دِيست كرامَتُهُ وقلَّما عِندَهُ أن يَكثُرَ الكَلِمُ



يبدأ الشاعر من هذا المقطع بالحديث عن هموم الأمة العربية، ممثلًا عليها بالقضية الفلسطينية والانتهاكات التي تعرض لها أرض فلسطين منذ توقيع وعد بلفور حتى تحولت هذه الأرض المباركة إلى مأتم، ودفع أبناء شعبها ثمن التخاذل والتراجع، وهذا كلّه أثّر في نفس الشاعر وترك فيه ألمًا ووجعًا وجعله كالنار المشتعلة والجمرة الملتهبة، حزينًا على التعدي على كرامة الأمة العربية، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • المعرة: الأذى والمكروه.
  • جذوات: مفردها جذوة، ومعناها الجمرة الملتهبة.
  • ضرم: وقود أو ما تُشعل به النار كالحطب ونحوه.


السمات الفنية في قصيدة لم يبق عندي ما يبتزه الألم

اتسمت هذه القصيدة للجواهري بمجموعة من الخصائص والسمات الفنية، يُذكر منها الآتي:

  • بروز عاطفة الحزن والحسرة والألم في القصيدة.
  • التنويع بين استخدام الأسلوب الخبري والأسلوب الإنشائي في نظم القصيدة.
  • تحميل القصيدة العديد من المعاني المتضادة، وهذا يعكس مشاعر الشاعر وإحساسه من الداخل.
  • توظيف العديد من المحسنات البلاغية التي زادت من وزن القصيدة وقوتها.
  • التنويع في القصيدة ما بين استخدام ضمير المتكلم وضمير المخاطب، وربما يُشير ذلك إلى اشتراك الأمة العربية في همّ واحد.


ولقراءة شرح وتحليل المزيد من القصائد للشاعر الجواهري: قصيدة يافا، قصيدة المحرقة.


المراجع

  1. عبد نور عمران، البنية الإيقاعية في شعر الجواهري، صفحة 16. بتصرّف.