قصيدة عروبة شاعر

تعودُ قصيدة "عروبة شاعر" للشّاعر المصريّ حافظ إبراهيم، الّذي تأثّر بأحداث عصره، وبيئته يوم كانت تخضع للنّفوذ الإنكليزيّ. وُلد حافظ إبراهيم في مصرَ، وعمل في المحاماة، وتخرّج ضابطًا من المدرسة الحربيّة[١]. ويُعدّ الشّاعر حافظ إبراهيم علمًا من أعلام الشّعر في العصر الحديث، جعل حياته وشعره في النّضال ضدّ قوى الاستعمار الباغية الّتي أحاطت بالبلاد العربيّة، في أواخر القرن الماضي، وحتّى منتصف قرننا الحاليّ، ممّا جعله مفخرةً من مفاخر الشّعب المصريّ، بصلابته، وأصالته، وقدرته على احتمال الشّدائد وتخطّيها.[٢]


مُناسبة قصيدة عروبة شاعر

دفعت المصائبُ والآلام الّتي حلّت ببلادنا العربيّة الشّعراء للتّعبير عن آلامهم وأحزانهم، بسبب واقع أمّتهم الأليم، فنظم حافظ إبراهيم قصيدته هذه ليستنهض همم العرب للدّفاع عن عروبتهم وبلادهم، وليتذكّروا أمجادهم العظيمة، ويحافظوا على عزّتهم وكرامتهم، وذلك يتحقّق بالدّفاع عن الأمّة، والحفاظ على لغتها.[١]


تحليل وشرح القصيدة

أنشد الشّاعر حافظ إبراهيم قصيدته "عروبة شاعر" والّتي أسماها "سوريّة ومصر" في الحفل الّذي أقامه جماعة من السّوريّين لتكريمه في فندق شبرد. وقد نشرت في 25 من مارس، عام 1908م، يقول بأشهر مقطعٍ منها: [٣]


لِمِصرَ أَم لِرُبوعِ الشامِ تَنتَسِبُ هُنا العُلا وَهُناكَ المَجدُ وَالحَسَبُ رُكنانِ لِلشَرقِ لا زالَت رُبوعُهُما قَلبُ الهِلالِ عَلَيها خافِقٌ يَجِبُ خِدرانِ لِلضادِ لَم تُهتَك سُتورُهُما وَلا تَحَوَّلَ عَن مَغناهُما الأَدَبُ أُمُّ اللُغاتِ غَداةَ الفَخرِ أُمُّهُما وَإِن سَأَلتَ عَنِ الآباءِ فَالعَرَبُ أَيَرغَبانِ عَنِ الحُسنى وَبَينَهُما في رائِعاتِ المَعالي ذَلِكَ النَسَبُ وَلا يَمُتّانِ بِالقُربى وَبَينَهُما تِلكَ القَرابَةُ لَم يُقطَع لَها سَبَبُ إِذا أَلَمَّت بِوادي النيلِ نازِلَةٌ *باتَت لَها راسِياتُ الشامِ تَضطَرِبُ وَإِن دَعا في ثَرى الأَهرامِ ذو أَلَمٍ أَجابَهُ في ذُرا لُبنانَ مُنتَحِبُ لَو أَخلَصَ النيلُ وَالأُردُنُّ وُدَّهُما تَصافَحَت مِنهُما الأَمواهُ وَالعُشُبُ هَذي يَدي عَن بَني مِصرٍ تُصافِحُكُم فَصافِحوها تُصافِح نَفسَها العَرَبُ فَما الكِنانَةُ إِلّا الشامُ عاجَ عَلى رُبوعِها مِن بَنيها سادَةٌ نُجُبُ


إِن يَكتُبوا لِيَ ذَنباً في مَوَدَّتِهِم فَإِنَّما الفَخرُ في الذَنبِ الَّذي كَتَبوا



شرح القصيدة:[١]

  • يتساءل الشّاعر في البيت الأوّل: هل أنت من مصر بلد التّاريخ والحضارة، أم من دمشق موطن الأصالة والعراقة؟.
  • يرى الشّاعر مصر ودمشق ركنين من أركان أصالة الأمّة العربيّة، ودرعها القويّ المنيع، وقلب العروبة في الأزمان والأوقات.
  • حافظت كلّ من دمشق، ومصر على اللّغة العربيّة، وعملتا على حمايتها من الضّياع، وقد حرصتا على الاهتمام بأدب اللّغة العربيّة ونشره، فأصبحتا محراب العروبة، وبيتها الآمن.
  • تفخر مصر، ودمشق باللّغة العربيّة، الّتي تعتبر أصل الحضارة، والدّين، واللّغات، والتّاريخ، ويعتزّ بالأجداد الّذين فتحوا الأرض ببطولاتهم.
  • للأجداد فضلٌ كبير في الحفاظ على عزّة، وأمجاد، وحضارة بلادنا العربيّة، بما قدّموه من أعمالٍ مشرّفة عظيمة.
  • لمصر ودمشق صلة قرابةٍ لا تُمحى، ولا يمكننا إبعادهما عن بعضهما فهما متّصلتان بالتّاريخ، والنّسب.
  • تثور الشّام إذا ما حلّت في مصر مصيبة، أو اعتداء، فتهبّ مدافعةً عنها بقوّةٍ واستبسال، فهما يتشاركان بالفرح، والحزن.
  • وإذا تعرّضت مصر أرض الأهرامات لمصيبةٍ، انتفضت جبال لبنان تذود عنها، وتحميها بكلّ ما عُرف عنها من قوّةٍ، وتاريخٍ مشرقٍ.
  • نهر النّيل والأردنّ متّصلان، فهما يقعان في أرضٍ عربيّة، يشرب منها شعب عربيّ واحد، ويسقيان أرضًا عربيّةً لشعبٍ واحدٍ عريق.
  • يستنهض الشّاعر همم العرب ونخوتهم، ويدعوهم إلى نصرة بعضهم البعض، وأن يكونوا يدًا واحدةً في وجه الأعداء، فالعروبة واحدة لا تنقسم.
  • إنّ أرض كنانة، وربوع الشّام كانت تحت حكم العرب، تجمع الأدباء والشّعراء والمبدعين، على مرّ العصور.
  • يقرّ الشّاعر بحبّه للبلاد العربيّة، ويفخر بهذا الحبّ والعشق، حتّى إن اعتبره النّاس ذنبًا.


الصّور الفنّيّة والاستعارات

  • "قلب الهلال عليها خافقٌ يجب": صوّر الشّاعر الهلال كإنسانٍ قلبه يخفق من شدّة الحبّ، ويضطرب.
  • "خدران للضّاد لم تهتك ستورهما": صوّر الشّاعر مصر، ودمشق بستارين يحفظان اللّغة العربيّة.
  • " أمّ اللّغات": صوّر الشّاعر اللّغة العربيّة بالأمّ لكلّ اللّغات، وذلك لتميّزها وأصالتها.
  • "أجابه في ذرا لبنان منتحب": صوّرالشّاعر جبال لبنان الشّامخة برجالٍ ينتفضون دفاعًا عن مصرَ أرض الأهرامات.
  • "إن يكتبوا لي ذنبًا في مودّتهم": صوّر الشّاعر الذّنب ككلامٍ يُكتب، ويُحفظ.


الملامح الفنّيّة في شعر حافظ إبراهيم

يمكننا تلخيص أبرز الملامح الفنّيّة في شعر حافظ إبراهيم كالآتي:[٤]

  • استخدام أسلوب التّشخيص، حيث جسّد كلًّا من ذرا لبنان، ورواسي دمشق كالإنسان الّذي يدافع عن مصر إذا نزلت بها نازلة.
  • كثرة تضمين الاستعارات التّصريحيّة والمكنيّة، وهذا يعود إلى نضوب منبع الخيال لديه.
  • اعتماده على التّجديد في مواضيع شعره.
  • قصر خياله، وقلّة لجوئه إلى الغوص في بواطن الأمور في الشّعر.
  • كثرة الشّكوى في شعره.
  • قلّة التّصوير في شعره.


ولقراءة شرح المزيد من القصائد: قصيدة ودع هريرة، قصيدة غدت تستجير الدمع.

المراجع

  1. ^ أ ب ت رغد محمّد نزار السّاطي، المساعد في المنهج والقواعد، صفحة 1-2. بتصرّف.
  2. ضبط وتصحيح وشرح وترتيب أحمد أمين، أحمد الزّين، إبراهيم الأبياري، ديوان حافظ إبراهيم، صفحة 9. بتصرّف.
  3. عبدلي فاطمة الزهرة، الصورة الفنية في شعر حافظ ابراهيم، صفحة 59-62. بتصرّف.