قصيدة غدت تستجير الدمع

تعدّ قصيدة "غدت تستجير الدمع" إحدى القصائد التي نظمها الشاعر أبو تمام، أحد شعراء العصر العباسي، واسمه حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس الطائي، وُلِد في قرية جاسم في دمشق عام 188 هـ حسب ما رجّحت أغلب المصادر، ويُذكر أنه نشأ في أسرة فقيرة والتحقّ بالكُتّاب لتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، وبعد أنهى المرحلة الأولى من التعليم انتقل إلى دمشق لتعلّم مهنة الحياكة، ثم انتقل إلى مصر وظهر اهتمامه بالشعر والأدب في تلك المحطة من حياته، فعاد من مصر إلى الشام شاعرًا متنقلًا بين المدن واتصل بالأمراء ومدحهم، كما سافر إلى بغداد ينثر أشعاره، ليبدأ في تدوين اسمه في تاريخ الشعر العربي.[١]


شرح قصيدة غدت تستجير الدمع

نظم أبو تمام قصيدته هذه التي يقول في مطلعها "غدت تستجير الدمع" في مدح محمد بن يوسف الطائي، وهي قصيدة من تتألف من (55) بيتًا، وفيما يأتي شرح موجز لبعض الأبيات:[٢][٣]


شرح الأبيات (1-8)


سَرَت تَستَجيرُ الدَمعَ خَوفَ نَوى غَدِ وَعادَ قَتاداً عِندَها كُلُّ مَرقَدِ وَأَنقَذَها مِن غَمرَةِ المَوتِ أَنَّهُ صُدودُ فِراقٍ لا صُدودُ تَعَمُّدِ فَأَجرى لَها الإِشفاقُ دَمعاً مُوَرَّداً مِنَ الدَمِ يَجري فَوقَ خَدٍّ مُوَرَّدِ هِيَ البَدرُ يُغنيها تَوَدُّدُ وَجهِها إِلى كُلِّ مَن لاقَت وَإِن لَم تَوَدَّدِ وَلَكِنَّني لَم أَحوِ وَفراً مُجَمَّعاً فَفُزتُ بِهِ إِلّا بِشَملٍ مُبَدَّدِ وَلَم تُعطِني الأَيّامُ نَوماً مُسَكَّناً أَلَذُّ بِهِ إِلّا بِنَومٍ مُشَرَّدِ وَطولُ مُقامِ المَرءِ في الحَيِّ مُخلِقٌ لِديباجَتَيهِ فَاِغتَرِب تَتَجَدَّدِ فَإِنّي رَأَيتُ الشَمسَ زيدَت مَحَبَّةً إِلى الناسِ أَن لَيسَت عَلَيهِم بِسَرمَدِ



يفتتح الشاعر قصيدته بمقدمة غزلية على عادة الشعراء القدماء؛ إذ يذكر مشهد فراق المحبوبة ووداعها، وقد أمضت ليلها تبكي بحرقة وكأن الدموع شخص يُغيثيها مما هي فيه، لكن ما خفف عنها أنّ ذلك الوداع لم يكن مقصودًا، وقد أشار إلى أنّ مجرى الدمع اتخذ من خدّها المورّد لونًا له بعد أن امتزج بدمها، بعد ذلك يصف الشاعر تلك المحبوبة، فوجهها الحَسَن كالبدر المنير الذي يلفت الأنظار إليه.


ثم يبرر الشاعر إلى أنّ الفراق حدث لأنّ همّه كان أن يغترب ويجمع المال، ومع ذلك حتى بعدّ المشقة والتعب لم يذق طعم الراحة والسكينة، إلا أنه تغرّب لأنّ الغربة تجعل الآخرين يشتاقون إليه ويُقدّرونه، ويُدلل على ذلك بقوله إنّ غياب الشمس وطلوعها مرة أخرى وعدم بقائها مُشرقة طوال اليوم هو ما جعل الناس يحبونها، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • تستجير: تستشفي به وتستغيث.
  • نوى: البُعد والفراق.
  • مرقد: مضجع.
  • غمرة الموت: شدّته.
  • تودد وجهها: حُسنه.
  • مبدد: مشتت ومُفرّق.
  • ديباجتيه: خدّيه، وفيها كناية عن الشيء الظاهر من الإنسان.
  • سرمد: لا بداية له ولا نهاية.


شرح الأبيات (9-18)


حَلَفتُ بِرَبِّ البيضِ تَدمى مُتونُها وَرَبِّ القَنا المُنآدِ وَالمُتَقَصَّدِ لَقَد كَفَّ سَيفُ الصامِتِّيِ مُحَمَّدٍ تَباريحَ ثَأرِ الصامِتِيِّ مُحَمَّدِ رَمى اللَهُ مِنهُ بابَكاً وَوُلاتَهُ بِقاصِمَةِ الأَصلابِ في كُلِّ مَشهَدِ بِأَسمَحَ مِن غُرِّ الغَمامِ سَماحَةً وَأَشجَعَ مِن صَرفِ الزَمانِ وَأَنجَدِ إِذا ما دَعَوناهُ بِأَجلَحَ أَيمَنٍ دَعاهُ وَلَم يَظلِم بِأَصلَعَ أَنكَدِ فَتىً يَومَ بَذِّ الخُرَّمِيَّةِ لَم يَكُن بِهَيّابَةٍ نِكسٍ وَلا بِمُعَرِّدِ قِفا سَندَبايا وَالرِماحُ مُشيحَةٌ تُهَدّى إِلى الروحِ الخَفِيِّ فَتَهتَدي عَدا اللَيلُ فيها عَن مُعاوِيَةَ الرَدى وَما شَكَّ رَيبُ الدَهرِ في أَنَّهُ رَدي لَعَمري لَقَد حَرَّرتَ يَومَ لَقيتَهُ لَوَ أنَّ القَضاءَ وَحدَهُ لَم يُبَرِّدِ فَإِن يَكُنِ المِقدارُ فيهِ مُفَنِّدا فَما هُوَ في أَشياعِهِ بِمُفَنِّدِ



في هذا المقطع من القصيدة يدخل الشاعر في الغرض الرئيس منها، ألا وهو المديح، ويبدأ بالقسم بالخالق الذي جعل السيوف في المعركة تتلطخ بالدماء وجعل الرماح تنحني وتتكسر أنّ الممدوح -وهو محمد بن يوسف- أخذ بثأر جدّه محمد بن حُميد الذي قتله بابك الخزمي، فأهلكه هو وولاته، ومن صفات هذا الممدوح أيضًا أنّه سخي وكريم ويُعطي من ماله حتى إنه أسخى من سحابة المطر، كما أنّه شُجاع لا يُخيفه شيء.


ثمّ يوضّح الشاعر من خلال صورة الفرق بين انحسار الشعر والصلع الفرق بيننا وبين أعداء الممدوح؛ فنحن ندعو له بالسعادة واليمن والعدو يدعو عليه بالنّكد والحزن، ومن صفات هذا الممدوح أنه يوم الحرب لا يكون من الفارّين الهاربين وإنما يبقى صامدًا ولا يخشى الموت، ثم يتحدث الشاعر عن أحد أعداء الممدوح وكيف نجا من الموت في أرض المعركة، وإن كان الممدوح يُلام في ذلك فإنّه يُحمَد في إهلاكه لأتباعه، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • البيض: السيوف.
  • متونها: جمع متن، وهو ما صلُب ظهره.
  • القنا: الرمح.
  • المنآد: المنحني.
  • المتقصد: المتكسّر.
  • الصامتي: من بني الصامت.
  • تباريح: شدائد.
  • قاصمة: مُدمّرة.
  • الغمام: السحاب.
  • الجلح: انحسار الشعر عن مقدمة الرأس، والجلح محمود والصلع مذموم.
  • المعرّد: الفارّ الذي يبعد في الهرب.
  • عدا: صَرَفَ.
  • الردى: الموت.
  • مفنّد: ضعيف.


السمات الفنية في قصيدة غدت تستجير الدمع

تمتاز قصيدة "غدت تستجير الدمع" للشاعر أبي تمام بعدد من السمات الفنية، من ضمنها ما يأتي ذكره:

  • تضمين الحكمة في الكثير من مواضع القصيدة.
  • حُسن الانتقال من لوحة إلى أخرى ومن موضوع إلى آخر من موضعات القصيدة.
  • استخدام الكثير من المحسنات البديعية في القصيدة بهدف زيادة التأثير في المتلقي وإيصال المعنى إليه.
  • دقة الوصف والتصوير في التعبير عن المشاعر والغرض من نظم القصيدة.

المراجع

  1. حجازي حسين مهدي، أبو تمام حبيب بن أوس الطائي دراسة نقدية في تجربته الشعرية، صفحة 22. بتصرّف.
  2. ماجد عباس، براعة التخلص في مدائح أبي تمام، صفحة 27. بتصرّف.
  3. الخطيب التبريزي، شرح ديوان أبي تمام، ج1، صفحة 245. بتصرّف.