قصيدة سلام على الإسلام بعد محمد

تعود قصيدة "سلام على الإسلام بعد محمد" إلى الملقّب بشاعر النيل حافظ إبراهيم، وهو شاعر مصري معروف ولد في مصر عام 1827م، والده مهندس مصري ووالدته من أصول تركية عريقة، وكان يتمتع بصفات شخصية مميزة وفريدة وصلابة في الحق والعدل، ويُذكر أنّ حافظ إبراهيم تربّى في كَنَف خاله بعد وفاة والده وهو ابن أربع سنوات، وقد التحق بالمدرسة الخيرية وتعلم القراءة والكتابة وبعض العلوم الأخرى، وبعد أن اشتدّ عوده انتقل إلى محافظة طنطا، وهناك كان ملازمًا لحلقات العلم في المسجد، فتلقى علوم واللغة والفقه والأدب والشعر وموسيقاه، الأمر الذي كان له أثر كبير في صقل شخصيته الأدبية حتى بدأ يقرض الشعر وينظمه حاصدًا إعجاب الكثيرين وتشجيعهم.[١]


شرح قصيدة سلام على الإسلام بعد محمد

تتألف قصيدة "سلام على الإسلام بعد محمد" من (52) بيتًا، يرثي فيها حافظ إبراهيم الإمام والعالِم محمد عبده الذي كان مجددًا وداعيًا للإصلاح، قاصدًا من ذلك رثاء حال الدين والعلم من بعده، وقد تم تقسيم هذه القصيدة إلى عدة مقاطع فيما يأتي شرح لبعضها:[٢][٣]


شرح المقطع الأول


سَلامٌ عَلى الإِسلامِ بَعدَ مُحَمَّدٍ سَلامٌ عَلى أَيّامِهِ النَضِراتِ عَلى الدينِ وَالدُنيا عَلى العِلمِ وَالحِجا عَلى البِرِّ وَالتَقوى عَلى الحَسَناتِ لَقَد كُنتُ أَخشى عادِيَ المَوتِ قَبلَهُ فَأَصبَحتُ أَخشى أَن تَطولَ حَياتي فَوالَهفي وَالقَبرُ بَيني وَبَينَهُ عَلى نَظرَةٍ مِن تِلكُمُ النَظَراتِ وَقَفتُ عَلَيهِ حاسِرَ الرَأسِ خاشِعاً كَأَنّي حِيالَ القَبرِ في عَرَفاتِ



يفتتح حافظ إبراهيم قصيدته بالغرض الرئيس من نظمها ألا وهو الرثاء، إذ يبكي الإمام محمد عبده والخير الذي كان موجودًا بوجوده، مبينًا فجيعة الدين والعلم فيه والحال الذي سيصبحان عليه من بعده، ومصورًا الفجيعة التي حلّت بالمسلمين والخطب الذي لحق بهم، كما يُشير الشاعر إلى أنه كان يخاف من الموت لكنه الآن وبعد وفاة محمد عبده أصبح يخاف من البقاء على قيد الحياة نتيجة ما ستشهده الدنيا من انقلاب في حالها وضياع للفضائل بعده.[٤]


بعد ذلك يصور الشاعر نفسه وهو واقف أمام قبر محمد عبده متلهفًا لنظرة واحدة منه يشفي بها ما حلّ في نفسه، كما أنه يقف أمامه وهو مكشوف الرأس يبكي احترامًا وتقديرًا لهذا العالِم الجليل مشبّهًا نفسه بالحاج الذي يقف على جبل عرفات وتعتريه مظاهر الخشوع كلّها، ومن المفردات والعبارات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:[٤]

  • النضرات: جمع نضرة، ومعناها الحُسن والرونق.
  • الحجا: الذكاء والفطنة.
  • حاسر الرأس: مكشوف الرأس؛ أي لا غطاء على رأسه.
  • حيال القبر: أمامه.


شرح المقطع الثاني


لَقَد جَهِلوا قَدرَ الإِمامِ فَأَودَعوا تَجاليدَهُ في موحِشٍ بِفَلاةِ وَلَو ضَرَحوا بِالمَسجِدَينِ لَأَنزَلوا بِخَيرِ بِقاعِ الأَرضِ خَيرَ رُفاتِ تَبارَكتَ هَذا الدينُ دينُ مُحَمَّدٍ أَيُترَكُ في الدُنيا بِغَيرِ حُماةِ تَبارَكتَ هَذا عالِمُ الشَرقِ قَد قَضى وَلانَت قَناةُ الدينِ لِلغَمَزاتِ



يُشير الشاعر في هذا المقطع إلى أنّ الكثيرين من أبناء الأمة لا يعرفون القيمة الكبيرة للإمام محمد عبده؛ لذلك تمّ دفنه في مكان مُوحش وصحراوي، والأجدر كان أن يتم دفنه وعمل ضريح له في أرض مباركة كأرض المسجد الحرام وأرض بيت المقدس، ليكون خير جسم في خير بقعة من الأرض، ثم يصور هول الفاجعة والحزن الذي سيطر على الجميع بفقد حامي حمى الإسلام؛ فقد أُصيب الدين بثغرة ينفذ منها أعداؤه، وذلك لأنّ حاميه الأكبر قد مات ولم يعد موجودًا، ومن المفردات والعبارات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:[٤]

  • تجاليده: جسده.
  • فلاة: الصحراء الواسعة.
  • المسجدين: المسجد الحرام والمسجد الأقصى.
  • رفات: ما بلي من عظام الميت.
  • لانت قناة الدين: كناية عن الضعف والوهن.
  • قضى: مات.
  • الغمزات: كناية عما يُوجّه للإسلام من مطاعن من قِبَل أعدائه.


شرح المقطع الثالث


زَرَعتَ لَنا زَرعاً فَأَخرَجَ شَطأَهُ وَبِنتُ وَلَمّا نَجتَنِ الثَمَراتِ فَواهاً لَهُ أَلّا يُصيبَ مُوَفَّقاً يُشارِفُهُ وَالأَرضُ غَيرُ مَواتِ مَدَدنا إِلى الأَعلامِ بَعدَكَ راحَنا فَرُدَّت إِلى أَعطافِنا صَفِراتِ وَجالَت بِنا تَبغي سِواكَ عُيونُنا فَعُدنَ وَآثَرنَ العَمى شَرِقاتِ وَآذَوكَ في ذاتِ الإِلَهِ وَأَنكَروا مَكانَكَ حَتّى سَوَّدوا الصَفَحاتِ رَأَيتَ الأَذى في جانِبِ اللَهِ لَذَّةً وَرُحتَ وَلَم تَهمُم لَهُ بِشَكاةِ لَقَد كُنتَ فيهِم كَوكَباً في غَياهِبٍ وَمَعرِفَةٍ في أَنفُسٍ نَكِراتِ أَبَنتَ لَنا التَنزيلَ حُكماً وَحِكمَةً وَفَرَّقتَ بَينَ النورِ وَالظُلُماتِ وَوَفَّقتَ بَينَ الدينِ وَالعِلمِ وَالحِجا فَأَطلَعتَ نوراً مِن ثَلاثِ جِهاتِ وَقَفتَ لِهانوتو وَرينانَ وَقفَةً أَمَدَّكَ فيها الروحُ بِالنَفَحاتِ وَخِفتَ مَقامَ اللَهِ في كُلِّ مَوقِفٍ فَخافَكَ أَهلُ الشَكِّ وَالنَزَغاتِ وَكَم لَكَ في إِغفاءَةِ الفَجرِ يَقظَةٍ نَفَضتَ عَلَيها لَذَّةَ الهَجَعاتِ وَوَلَّيتَ شَطرَ البَيتِ وَجهَكَ خالِياً تُناجي إِلَهُ البَيتِ في الخَلَواتِ



يبدأ الشاعر في هذا المقطع من القصيدة بتعداد مناقب الإمام محمد عبده ومآثره، وقد صوّر قيامه بالإصلاح والتجديد في العالم الإسلامي كالذي يزرع النباتات ويعتني بها لتنمو ويجني الثمار منها، لكنّه غادر الدنيا قبل أن يجني الثمر، لذا فالشاعر يخشى على هذا الزرع مع خصوبة الأرض ألا يجد من يهتمّ به بعد محمد عبده، ثم يُشير إلى أنّ العلماء من بعده ليسوا مثله ومن يمد يده لهم طالبًا العون يعود خائبًا، فتجول الأبصار في الدنيا تبحث عنه لكنها لا تجده وتصبح حمراء اللون من كثرة البكاء عليه.[٤]


ثم يشير الشاعر إلى ما تعرض له محمد عبده من مطاعن من قِبَل الأعداء والحاقدين الذين ينشرونها في الصحف والمجلات تشهيرًا به وتقليلًا من شأنه، لكنّه ترفّع عن ذلك كلّه وكان يرى منه خيرًا له، ليردّ الشاعر على هؤلاء الأعداء بإكمال تعداد مناقب محمد عبده؛ فهو يُنير بعلمه ومعرفته عتمة النفوس الجاهلة، كالكوكب الذي يُنير السماء ليلًا، فكان داعيًا للناس يفسر لهم القرآن ويوضح لهم طريق الحق والباطل.[٤]


ويستكمل الشاعر حديثه عن صفات محمد عبده؛ فهو شخصية جمعت بين العلم والدين والفطنة والذكاء، فوقف في وجه كلّ من أراد أن يطعن في رسالة الإسلام من أمثال "هانوتو" و"رينان" وكأنه مؤيد بجبريل عليه السلام، ودائمًا ما يضع مخافة الله نُصب عينيه فيخافه من تساورهم الشكوك والوساوس، ومن مناقبه أيضًا شدة ورعه وتقواه؛ فكان يجد في استيقاظه وقت الفجر لذة فاقت اللذة التي يشعر بها النائم، وفي خلوته يستقبل القبلة ويتوجه إلى الله تعالى ويدعوه متضرعًا إليه، المفردات والعبارات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:[٤]

  • شطء الزرع: فرخ الزرع، وجاء هذا التعبير كناية عن دور محمد عبده في الإصلاح.
  • بِنْتَ: بعُدْتَ.
  • نجتنِ: نحصد.
  • شارفه: يُشرف عليه.
  • الأض غير موات: أي أنها خصبة.
  • الأعلام: المشهورين من العلماء.
  • راحنا: جمع راحة، ومعناها كفّ اليد.
  • الأعطاف: الخواصر.
  • صفرات: خاليات.
  • شرقات: محمرات من البكاء.
  • غياهب: جمع غيهب، ومعناه الظلمة.
  • هانوتو: هو مؤرخ وسياسي فرنسي، كتب الكثير من المطاعن على الإسلام.
  • رينان: هو قسّ فرنسي، كتب الكثير من المطاعن على الإسلام.
  • الروح: جبريل عليه السلام.
  • النزغات: الوساوس.
  • البيت: الكعبة المشرفة.


السمات الفنية في قصيدة سلام على الإسلام بعد محمد

اصطبغت قصيدة "سلام على الإسلام بعد محمد" بمجموعة من الخصائص والسمات الفنية، منها الآتي:[٢]

  • جزالة الألفاظ والتعابير المستخدمة في القصيدة، وفي الوقت ذاته مألوفة ومتداولة وليست غريبة.
  • صدق الشعور والعاطفة الجياشة في ذكر مناقب الإمام محمد عبده.
  • استخدام الكثير من الصور الفنية الإبداعية والتي تتلاءم مع غرض الرثاء.
  • استخدام الكثير من العبارات والمعاني الدينية، والاقتباس من القرآن الكريم في بعض مواضع القصيدة.


ولقراءة شرح المزيد من قصائد الشاعر حافظ إبراهيم: قصيدة عروبة شاعر.

المراجع

  1. تحقيق أحمد أمين، أحمد الزين، إبراهيم الأبياري، ديوان حافظ إبراهيم، صفحة 22. بتصرّف.
  2. ^ أ ب عبد الحميد الجندي، شاعر النيل.pdf حافظ إبراهيم شاعر النيل، صفحة 134. بتصرّف.
  3. خالة فتاح، الرثاء في شعر حافظ إبراهيم، صفحة 27. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح تحقيق أحمد أمين، أحمد الزين، إبراهيم الأبياري، دبوان حافظ إبراهيم، صفحة 564. بتصرّف.