قصيدة بانت سعاد

قصيدة بانت سعاد أو كما تُعرَف بالبُردة هي قصيدة نظمها الشاعر المخضرم كعب بن زُهير بن أبي سُلمى، وُلِد في الجاهلية، وهو ينتمي إلى قبيلة مُزينة، لكنّه نشأ في غطفان قوم أمه، وقد ترعرع كعب بن زهير في بيئة شعرية، فأبوه زُهير بن أبي سُلمى وعمّتاه سلمى والخنساء وشقيقه بُجير كلهم شعراء، الأمر الذي ساهم في صقل شخصيته وعلو مكانته في الشعر، حتّى عُدّ من فحول الشعراء المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، وتجدر الإشارة إلى أنّ المصادر اختلفت في تحديد تاريخ وفاته؛ فقد أشار بعضها إلى أنّه توفي سنة (24 هـ)، بينما أشارت مصادر أخرى إلى أنّه توفي سنة (26 هـ)، وقيل أيضًا أنّه توفّي سنة (42 هـ).[١][٢]



مناسبة قصيدة بانت سعاد

تعدّ قصيدة بانت سعاد من أشهر القصائد التي قيلت في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، نظمها كعب بن زهير لما كتب إليه أخوه بُجير بن زهير يُخبره أنّ النبيّ أهدر دمه ودم رجال هجوه وآذوه، وأنّ من بقي من شعراء قريش -كابن الزبعري وهبيرة بن أبي وهب- قد فرّوا، وعليه أن ينطلق إلى رسول الله فإنّه لا يقتل من جاءه تائبًا، فقَدِم كعب إلى المدينة ملثمًا حتى لا يُعرَف، ثم نزل عند رجل بينهما معرفة فغدا به إلى رسول الله يُخبره أنّه أتاه تائبًا مسلمًا، فقبله النبي عليه الصلاة والسلام ووقف كعب بين يديه يُلقي عليه قصيدته معتذرًا، ومن الجدير بالذكر أنّ هذه القصيدة سميت بـ "البُردة" لأنّ النبي عليه الصلاة والسلام لما أنشدها كعب بن زهير أمامه ألقى عليه بُردته.[٣]


شرح قصيدة بانت سعاد

اختلفت المصادر والروايات في العدد الدقيق لأبيات هذه القصيدة التي نُظمت على بحر البسيط؛ إذ أشارت بعض المصادر إلى أنها تقع في سبعة وخمسين بيتًا، بينما أشارت مصادر أخرى إلى أنها تقع في تسعة وخمسين بيتًا، وفي العموم قسمت القصيدة إلى عدّة لوحات ومقاطع فيما يأتي شرحها وتوضيحها:[٤][٥]


شرح المقطع الأول

استهلّ الشاعر قصيدته بمقدّمة غزلية على عادة الشعراء الجاهليين تمتدّ من البيت الأول إلى البيت الثالث عشر، وصف فيها حالته النفسية والحزن الذي خيّم عليه لفراق محبوبته المتخيّلة سعاد، قائلًا: إنّ سعاد تركتني ورحلت عني، فأصبحت متعلّقًا بها ومقيدًا، ثم يصفها لحظة رحيلها مع قومها وكأنها غزال في صوتها غنّة وفي عينيها حياء واكتحال، وأسنانها عندما تبتسم وما فيها من ريق رطب كأنها مسقيّة بالخمر مرة بعد مرة وبياضها ناصع، وبعد ذلك يصفها بأنها امرأة لا يُوثَق بوصلها ولا تبقى على حال واحد؛ فهي تتلون كما يتلون الغول ولا تفي بوعدها، ويُذكَر أنّ الشاعر اختار اسم سعاد لانتظاره حصول السعادة بعد إلقاء قصيدته وهو في مقام الاعتذار والندم، وقد تمثل ذلك في هذه الأبيات:[٦][٧]


بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُجزَ مَكبولُ


وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحول هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ



تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعاليلُ يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَت ما وَعَدَت أَو لَو أَنَّ النُصحَ مَقبولُ لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِها فَجعٌ وَوَلعٌ وَإِخلافٌ وَتَبديلُ



فَما تَدومُ عَلى حالٍ تَكونُ بِها كَما تَلَوَّنُ في أَثوابِها الغولُ وَما تَمَسَّكُ بِالوَصلِ الَّذي زَعَمَت إِلّا كَما تُمسِكُ الماءَ الغَرابيل كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ أَرجو وَآمُلُ أَن يَعجَلنَ في أَبَدٍ وَما لَهُنَّ طِوالَ الدَهرِ تَعجيلُ فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليل



شرح المقطع الثاني

في اللوحة الثانية من القصيدة التي تمتدّ من البيت الرابع عشر إلى البيت الثالث والثلاثين ينتقل الشاعر إلى وصف الناقة التي لجأ إليها ليحمّل نفسه على الصبر، وقد جعلها وسيلته للوصول إلى المحبوبة، وحشد لها مجموعة من الصفات المثالية؛ فهي قوية، وصبورة، وسريعة، وصلبة القوائم، وقد أراد من ذلك التعبير عن عظيم الرحلة التي يريدها وأهميتها، فلا تصلح لها النوق الضعيفة والهزيلة، وبعد ذلك يصف الشاعر طريق الناقة بالطامس المجهول، فهو لا يعلم مصيره في نهاية طريقه، ومن أبيات القصيدة التي مثلت ذلك ما يأتي:[٦][٧]


أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُها إِلّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ وَلَن يُبَلِّغها إِلّا عُذافِرَةٌ فيها عَلى الأَينِ إِرقالٌ وَتَبغيلُ مِن كُلِّ نَضّاخَةِ الذِفرى إِذا عَرِقَت عُرضَتُها طامِسُ الأَعلامِ مَجهولُ تَرمي الغُيوبَ بِعَينَي مُفرَدٍ لَهَقٍ إِذا تَوَقَدَتِ الحُزّانُ وَالميلُ ضَخمٌ مُقَلَّدُها فَعَمٌ مُقَيَّدُها في خَلقِها عَن بَناتِ الفَحلِ تَفضيلُ حَرفٌ أَخوها أَبوها مِن مُهَجَّنَةٍ وَعَمُّها خَالُها قَوداءُ شِمليلُ يَمشي القُرادُ عَلَيها ثُمَّ يُزلِقُهُ مِنها لَبانٌ وَأَقرابٌ زَهاليلُ عَيرانَةٌ قُذِفَت في اللَحمِ عَن عُرُضٍ مِرفَقُها عَن بَناتِ الزورِ مَفتولُ كَأَنَّ ما فاتَ عَينَيها وَمَذبَحَها مِن خَطمِها وَمِن اللَحيَينِ بَرطيلُ تَمُرُّ مِثلَ عَسيبِ النَخلِ ذا خُصَلٍ في غارِزٍ لَم تَخَوَّنَهُ الأَحاليلُ قَنواءُ في حُرَّتَيها لِلبَصيرِ بِها عِتقٌ مُبينٌ وَفي الخَدَّينِ تَسهيلُ



شرح المقطع الثالث

ينتقل الشاعر إلى لوحة الاعتذار والاستعطاف التي تمتد من البيت الرابع والثلاثين إلى البيت التاسع والأربعين، وقد ذكر فيها سعي الوشاة الذين وشوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف أنّه استجار بأصحابه وبني قومه فما أجاروه، مما جعله وحيدًا لا يجد غير اللجوء إلى الله تعالى وتسليم الأمر إليه، مقتنعًا بأنّ كل ما قدّره الله لا بدّ من وقوعه، وكلّ إنسان لا بدّ وأن يُحمَل على النعش يومًا، لذا لن يُخيفه الموت وسيُقدم على رسول الله وكلّه أمل في عفوه وصفحه، وقد تجلّت في هذا المقطع عواطف الخوف، والرجاء، والأمل، واليأس في الوقت ذاته، فلم يستطع الشاعر إخفاء اضطرابه وخوفه عندما وقف أمام هيبة الرسول وجلال النبوّة، ومن أبيات القصيدة التي مثلت ذلك ما يأتي:[٨][٦]


يَسعى الوُشاةُ بِجَنبَيها وَقَولُهُم إِنَّكَ يَا بنَ أَبي سُلمى لَمَقتولُ وَقالَ كُلُّ خَليلٍ كُنتُ آمُلُهُ لا أُلفِيَنَّكَ إِنّي عَنكَ مَشغولُ فَقُلتُ خَلّوا طَريقي لا أَبا لَكُمُ فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ ال قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ لَقَد أَقومُ مَقاماً لَو يَقومُ بِهِ أَرى وَأَسمَعُ ما لَو يَسمَعُ الفيلُ لَظَلَّ يُرعَدُ إِلّا أَن يَكونَ لَهُ مِنَ الرَسولِ بِإِذنِ اللَهِ تَنويلُ



شرح المقطع الرابع

في اللوحة الأخيرة من القصيدة والممتدة من البيت الخمسين إلى البيت الأخير بدأ الشاعر بمدح النبي صلى الله عليه وسلم واصفًا إيّاه بالنور الذي يُهتدى به، وبأنه سيف من سيوف الحقّ والعدالة المشروعة في وجوه الأعداء، ثم يصف صحابة رسول الله مستعينًا بحدث مهم في السيرة النبوية، ألا وهو حدث الهجرة، فقد وصف الذين هاجروا مع النبي بأنّهم أقوياء وشجعان، ولباسهم في الحروب مُتقن الصنع، يحاربون بجرأة ويضربون باستبسال، والغاية من ذلك كلّه إظهار الشاعر لندمه وتأكيد توبته، وقد تمثّل ذلك بالمقطع الآتي:[٦][٧]


إِنَّ الرَسولَ لَسَيفٌ يُستَضاءُ بِهِ مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ في عُصبَةٍ مِن قُرَيشٍ قالَ قائِلُهُم بِبَطنِ مَكَّةَ لَمّا أَسَلَموا زولوا زَالوا فَمازالَ أَنكاسٌ وَلا كُشُفٌ عِندَ اللِقاءِ وَلا ميلٌ مَعازيلُ شُمُّ العَرانينِ أَبطالٌ لَبوسُهُمُ مِن نَسجِ داوُدَ في الهَيجا سَرابيلُ بيضٌ سَوابِغُ قَد شُكَّت لَها حَلَقٌ كَأَنَّها حَلَقُ القَفعاءِ مَجدولُ يَمشون مَشيَ الجِمالِ الزُهرِ يَعصِمُهُم ضَربٌ إِذا عَرَّدَ السودُ التَنابيلُ لا يَفرَحونَ إِذا نالَت رِماحُهُمُ قَوماً وَلَيسوا مَجازيعاً إِذا نيلوا لا يَقَعُ الطَعنُ إِلّا في نُحورِهِمُ ما إِن لَهُم عَن حِياضِ المَوتِ تَهليلُ



أسلوب كعب بن زهير في قصيدة بانت سعاد

بعد تحليل قصيدة بانت سعاد وشرحها يُلاحظ أنّ كعب بن زهير قد نهج فيها نهجًا معينًا، وتمثّل أسلوبه بما يأتي:[٩][١٠]

  • اختار كعب بن زهير لقصيدته مفردات تحمل دلالات عميقة تلمس عواطف السامع لها أو القارئ.
  • حرص كعب بن زهير على اشتمال قصيدته على نغمة موسيقية وعناصر صوتية متناسقة.
  • نهج كعب بن زهير فيها نهج القصيدة الجاهلية، بتقسيمها إلى عدّة لوحات تنتهي بالغرض الرئيس من نظمها.
  • ضمّن الشاعر قصيدته صورًا منتزعة من طبيعة البيئة العربية.
  • الاستعانة ببعض وسائل التوكيد لتقوية المعاني.
  • الاعتماد على الإقناع العقلي لنفي التهمة، وذلك كان سببًا في قلة الصور الخيالية.

المراجع

  1. يزيد رزقي، بانت سعاد لكعب بن زهير.pdf قصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير دراسة نقدية، صفحة 22. بتصرّف.
  2. فلاح حسن الجبوري، لمسات بيانية في قصيدة بانت سعاد، صفحة 6. بتصرّف.
  3. وائل علي محمد السيد، قصيدة "بانت سعاد" لكعب بن زهير قراءة في ضوء المنهج الحجاجي، صفحة 7-8. بتصرّف.
  4. فلاح حسن محمد الجبوري، لمسات بيانية في قصيدة بانت سعاد، صفحة 7. بتصرّف.
  5. أيدا حياتي بنت محمد سندي، نور سفيرة بنت أحمد سفيان، قصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير دراسة تحليلية عروضية، صفحة 6. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ث ضياء الدين الغول، مختصر شرح بانت سعاد وإعرابها لإبراهيم بن محمد اللخمي، صفحة 19. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت وائل علي محمد السيد، قصيدة "بانت سعاد" لكعب بن زهير قراءة في ضوء المنهج الحجاجي، صفحة 15. بتصرّف.
  8. أيدا حياتي بنت محمد سندي، نور سفيرة بنت أحمد سفيان، قصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير دراسة تحليلية عروضية، صفحة 10. بتصرّف.
  9. أيدا حياتي بنت محمد سندي، نور سفيرة بنت أحمد سفيان، قصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير دراسة تحليلية عروضية، صفحة 5. بتصرّف.
  10. ضياء الدين الغول، مختصر شرح بانت سعاد وإعرابها لإبراهيم بن محمد اللخمي، صفحة 21. بتصرّف.