قصيدة حديقة الغروب

تعدّ هذه القصيدة التي تحمل عنوان "حديقة الغروب" إحدى قصائد الشاعر السعودي غازي عبد الرحمن القصيبي، وهو من مواليد عام 1940م، عاش طفولة صعبة وحزينة نتيجة لظروف عائلية مرّ بها، إلا أنّه لم يستسلم لتلك الظروف فاتجه إلى طلب العلم والاستزادة منه، والنيل من بحور الثقافة والمعرفة، فتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي وحصل على الشهادة الثانوية عام 1958م، وشقّ طريقه الجامعي بعد ذلك حتى نال الشهادة في مرحلتي الدراسات العُليا، ولم ينسَ في خضمّ ذلك كله الكتابة وحبّه للأدب والشاعر، فنشر العديد من كتاباته وأشعاره.[١]


شرح قصيدة حديقة الغروب

شكّلت قصيدة "حديقة الغروب" لغازي القصيبي ملاذًا عبّر من خلاله عن حالة الحزن التي تملّكته في سنّ مبكرة من حياته وبقيت ملازمة له، فشارك القراء ذكرياته وأمنياته وأحواله خلال سنوات عُمره، موظفًا في ذلك كلّه جدلية الحياة والموت،[٢] وقد جاءت هذه القصيدة في (25) بيتًا وقسمت إلى أربعة مقاطع رئيسية في كل منها فكرة معينة لكنها في النهاية كلّها مترابطة مع بعضها، وفيما يأتي شرح موجز ومبسّط لاثنين منها:[٣]


شرح المقطع الأول


خمسٌ وستُونَ.. في أجفان إعصارِ أما سئمتَ ارتحالاً أيّها الساري؟ أما مللتَ من الأسفارِ.. ما هدأت إلا وألقتك في وعثاءِ أسفار؟ أما تَعِبتَ من الأعداءِ.. مَا برحوا يحاورونكَ بالكبريتِ والنارِ والصحبُ؟ أين رفاقُ العمرِ؟ هل بَقِيَتْ سوى ثُمالةِ أيامٍ.. وتذكارِ بلى! اكتفيتُ.. وأضناني السرى! وشكا قلبي العناءَ!... ولكن تلك أقداري



يفتتح الشاعر القصيدة بالإفصاح عن عمره وقت كتابتها وهو (65) عامًا، وهو بذلك يُعلن وصوله إلى مرحلة الشيخوخة، ويعبّر من خلال الاستفهام المحمل بعاطفة الحزن العميق عن ضجره من كثرة السفر والارتحال والمعاناة المرافقة لذلك، ومن كثرة الأعداء الذين سببوا له الأذى، كما يتساءل عن رُفقائه وأصحابه وبُعدهم عنه، وفي النهاية يؤكد أنه اكتفى من كلّ ذلك ولم يعد بحاجة له، مؤكدًا على أنّه لا مهرب من القدر، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • سئمت: مللت وضجرت.
  • وعثاء: شدة ومشقة.
  • ثُمالة أيام: آخرها.
  • أضناني: أتعبني.


شرح المقطع الثاني


أيا رفيقةَ دربي!.. لو لديّ سوى عمري.. لقلتُ: فدى عينيكِ أعماري أحببتني.. وشبابي في فتوّتهِ وما تغيّرتِ.. والأوجاعُ سُمّاري منحتني من كنوز الحُبّ.. أَنفَسها وكنتُ لولا نداكِ الجائعَ العاري ماذا أقولُ؟ وددتُ البحرَ قافيتي والغيم محبرتي.. والأفقَ أشعاري إنْ ساءلوكِ فقولي: كان يعشقني بكلِّ ما فيهِ من عُنفٍ.. وإصرار وكان يأوي إلى قلبي.. ويسكنه وكان يحمل في أضلاعهِ داري وإنْ مضيتُ.. فقولي: لم يكنْ بَطَلاً لكنه لم يقبّل جبهةَ العارِ وأنتِ!.. يا بنت فجرٍ في تنفّسه ما في الأنوثة.. من سحرٍ وأسرارِ ماذا تريدين مني؟! إنَّني شَبَحٌ يهيمُ ما بين أغلالٍ.. وأسوارِ هذي حديقة عمري في الغروب.. كما رأيتِ... مرعى خريفٍ جائعٍ ضارِ الطيرُ هَاجَرَ.. والأغصانُ شاحبةٌ والوردُ أطرقَ يبكي عهد آذارِ لا تتبعيني! دعيني!.. واقرئي كتبي فبين أوراقِها تلقاكِ أخباري وإنْ مضيتُ.. فقولي: لم يكن بطلاً وكان يمزجُ أطواراً بأطوارِ



يجد الشاعر -كما يتضح من خلال هذا المقطع- زوجته الملجأ والملاذ الذي يهرب إليه من أحاسيسه تلك التي أفصح عنها في المقطع الأول، فهي أقرب الناس إليه ومستعدّ أن يقدّم عمره فداءً لها؛ إذ إنها كانت المحبة له قوته ولم تتخلَّ عنه وقت ضعفه ومحنته، فالحب الذي منحته إياه كان كنزًا نفيسًا وكالشيء الحامي الذي منع عنه الجوع والعري.


ويستمرّ الشاعر في هذه الأبيات بتعداد محاسن زوجته فيقف محتارًا لا يدري ما يمكن فعله أمام عطائها اللامتناهي، فودّ لو أنه يستطيع أن يكتب بها أشعارًا تملأ الأفق حبرها من الغيوم وقوافيها من البحر، ويؤكد الشاعر بعد ذلك أنّه بادلها ذلك الحب فكان يُحبها ويعشقها بعنف وإصرار، وجعل قلبه مسكنًا لها، ويطلب منها بعد أن تنتهي رحلته في الحياة أن تُخبر الجميع بأنه كان بطلًا لأنه لم يقبل الذل والمهانة.


وبعد ذلك ينتقل الشاعر نقلة مختلفة في مخاطبة زوجته؛ إذ يُخبرها بأنّ حاله لم يعد كما كان وبات كالشبح، بينما هي ما زالت تتمتع بالأنوثة والسحر، وقد شبّه الشاعر حياته بالحديقة التي اقتربت شمسها من الغروب، وكلّ ما في هذه الحديقة بدا شاحبًا والطيور هاجرت منها، وفي ذلك كلّه إشارة إلى إحساس الشاعر بأنه اقترب من الموت، ويختتم حديثه بالطلب من زوجته ورفيقة دربه ألا تتبع طريقه، وإذا أرادت معرفة أخباره فما عليها إلا أن تقرأ كُتبه، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • فتوّته: عزّه.
  • سُمّاري: رُفقائي في السهر.
  • محبرتي: ما يمدّني بالحبر.
  • يأوي: يلجأ.
  • يهيم: يُجنّ.
  • ضارٍ: مُفترس.


السمات الفنية في قصيدة حديقة الغروب

اصطبغت قصيدة حديقة الغروب لغازي القصيبي بمجموعة من الخصائص والسمات، منها الآتي:

  • بروز الثنائيات الضدية في القصيدة، وذلك كان له دور واضح في تعزيز التماسك النّصي.
  • تكرار بعض المفردات والعبارات في القصيدة.
  • بروز عاطفة الحزن والتحسر على الحال بعد الاقتراب من الموت.
  • توظيف الصور الفنية والتشبيهات التي تلائم غرض القصيدة.
  • المزاوجة بين الأسلوب الخبري والإنشائي في نقل الأفكار.


ولقراءة شرح المزيد من القصائد الجميلة: قصيدة خداع الأماني، قصيدة شنق زهران.

المراجع

  1. سوسن جبار، غازي عبد الرحمن القصيبي دراسة في حياته ومؤلفاته، صفحة 760. بتصرّف.
  2. محمد السيد حسن حسين، حديقة الغروب لغازي القصيبي دراسة أسلوبية، صفحة 13. بتصرّف.
  3. محمد السيد حسن حسين، حديقة الغروب لغازي القصيبي دراسة أسلوبية، صفحة 16. بتصرّف.