قصيدة بان الخليط

تعود قصيدة "بان الخليط" إلى جرير الذي يعدّ واحدًا من أبرز شعراء العصر الأموي، واسمه بالكامل جرير بن عطّية بن حذيفة بن بدر، وُلِد عام 33 هـ الموافق 653 م، نشأ بين أحضان البادية فكان لها أثر في تكوين ثقافته وعقليّته إلى جانب نبوغته وفطنته وثقافته، فقال أشعارًا عدة في سنّ صغيرة، ويُذكَر أنّ جرير قد نظم القصائد في مختلف الأغراض الشعرية، إلّا أنّه اشتهر بفنّ الهجاء، إلى جانب الفرزدق والأخطل فيما عُرف بالنقائض.[١]


شرح قصيدة بان الخليط

وقعت قصيدة بان الخليط المنظومة على البحر البسيط في (68) بيتًا نظمها جرير في هجاء الأخطل والردّ عليه مفتخرًا بنفسه، لكنّ بناءها جاء على النمط القديم للقصيدة العربية؛ إذ بدأت بمقدمة طللية يستذكر فيها الشاعر ديار المحبوبة، بعدها جاء وصف الرحلة إلى تلك المحبوبة، ثم كانت نهاية القصيدة في الغرض الأساسي منها وهو الهجاء، وتبعًا لذلك قُسمت القصيدة إلى عدة مقاطع، فيما يأتي شرح موجز لبعضها:[٢]


شرح المقطع الأول


بانَ الخَليطُ وَلَو طُوِّعتُ ما بانا وَقَطَّعوا مِن حِبالِ الوَصلِ أَقرانا حَيِّ المَنازِلَ إِذ لا نَبتَغي بَدَلاً بِالدارِ داراً وَلا الجيرانِ جيرانا قَد كُنتُ في أَثَرِ الأَظعانِ ذا طَرَبٍ مُرَوَّعاً مِن حِذارِ البَينِ مِحزانا يا رَبُّ مُكتَئبٍ لَو قَد نُعيتُ لَهُ باكٍ وَآخَرَ مَسرورٍ بِمَنعانا لَو تَعلَمينَ الَّذي نَلقى أَوَيتِ لَنا أَو تَسمَعينَ إِلى ذي العَرشِ شَكوانا



يفتتح الشاعر قصيدته بمقدمة طللية يتحسر فيها على قطع حبال المودّة والمحبّة بينه وبين المحبوبة، ويعلل نفسه بالوقوف على ديارها مجددًا العهد على الوفاء لها، بالرغم من حزنه وألمه وهو يقتفي أثرها بعدما رحلت عنه، ويذكر الشاعر أنّه كان حزينًا لدرجة جعلت من يراه يبكي لحاله ويُشفق عليه، لكن في المقابل كان هناك من فَرِح وسُرَّ بحزنه وحالته تلك، ولو علمت المحبوبة بكلّ ذلك لأشفقت عليه وعادت إلى الديار، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • بان: ابتعد، فالبَيْن هو الفراق والبُعد.
  • الخليط: المُخالط للإنسان، ويُقصد به هنا المحبوبة.
  • أقرانا: جمع قرن، وهو الحبل الذي يجمع بين بعيرين.
  • الأظعان: النساء في الهودج الموجود فوق الإبل المرتحلة.
  • محزانا: شديد الحزن.


شرح المقطع الثاني


كَصاحِبِ المَوجِ إِذ مالَت سَفينَتُهُ يَدعو إِلى اللَهِ إِسراراً وَإِعلانا يا أَيُّها الراكِبُ المُزجي مَطِيَتَهُ بَلِّغ تَحِيَّتَنا لُقّيتَ حُملانا بَلِّغ رَسائِلَ عَنّا خَفَّ مَحمَلُها عَلى قَلائِصَ لَم يَحمِلنَ حيرانا كَيما نَقولُ إِذا بَلَّغتَ حاجَتَنا أَنتَ الأَمينُ إِذا مُستَأمَنٌ خانا تُهدي السَلامَ لِأَهلِ الغَورِ مِن مَلَحٍ هَيهاتَ مِن مَلَحٍ بِالغَورِ مُهدانا أَحبِب إِلَيَّ بِذاكَ الجِزعِ مَنزِلَةً بِالطَلحِ طَلحاً وَبِالأَعطانِ أَعطانا يا لَيتَ ذا القَلبَ لاقى مَن يُعَلِّلُهُ أَو ساقِياً فَسَقاهُ اليَومَ سُلوانا أَو لَيتَها لَم تُعَلِّقنا عُلاقَتَها وَلَم يَكُن داخِلَ الحُبُّ الَّذي كانا



ينتقل الشاعر في هذا المقطع إلى وصف حاله إثر فراق المحبوبة يعاني من الحزن والألم؛ فشبّه نفسه بمَن يسوق مركبه لكنّه لا يستطيع السيطرة عليه عندما يميل من شدة الموج، فيدعو الله سرًا وعلانية أن يساعده، بعدها يُخاطب من يقود راحلة المحبوبة بأن يبلغها السلام منه ويُخبرها عن شدة اشتياقه إليها بعد أن عجز عن وصلها وملاقاتها، علّ هذا السائق يحصل على الهدايا والمديح جزاءً له على مساعدته، ولعل الشاعر يجد من يشفي أوجاعه ويخفف عنه، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • المزجي مطيته: السائق لدابّته.
  • حملانا: يُقصد بها الهدية.
  • حيرانا: مفردها حوار، وهو ولد الناقة.
  • الغَور: ما انحدر من الأرض، ويُقصد به هنا موضع بعينه.
  • ملح: اسم موضع.
  • الطلح: شجر ترعاه الإبل.
  • الأعطان: مبارك الإبل.


شرح المقطع الثالث


هَلّا تَحَرَّجتِ مِمّا تَفعَلينَ بِنا يا أَطيَبَ الناسِ يَومَ الدَجنِ أَردانا قالَت أَلِمَّ بِنا إِن كُنتَ مُنطَلِقاً وَلا إِخالُكَ بَعدَ اليَومِ تَلقانا يا طَيبَ هَل مِن مَتاعٍ تُمتِعينَ بِهِ ضَيفاً لَكُم باكِراً يا طَيبَ عَجلانا ما كُنتُ أَوَّلَ مُشتاقٍ أَخا طَرَبٍ هاجَت لَهُ غَدَواتُ البَينِ أَحزانا يا أُمَّ عَمروٍ جَزاكِ اللَهُ مَغفِرَةً رُدّي عَلَيَّ فُؤادي كَالَّذي كانا أَلَستِ أَحسَنَ مَن يَمشي عَلى قَدَمٍ يا أَملَحَ الناسِ كُلِّ الناسِ إِنسانا يَلقى غَريمُكُمُ مِن غَيرِ عُسرَتِكُم بِالبَذلِ بُخلاً وَبِالإِحسانِ حِرمانا لا تَأمَنَنَّ فَإِنّي غَيرُ آمِنِهِ غَدرَ الخَليلِ إِذا ما كانَ أَلوانا قَد خُنتِ مَن لَم يَكُن يَخشى خِيانَتَكُم ما كُنتُ أَوَّلَ مَوثوقٍ بِهِ خانا لَقَد كَتَمتُ الهَوى حَتّى تَهَيَّمَني لا أَستَطيعُ لِهَذا الحُبُّ كِتمانا كادَ الهَوى يَومَ سَلمانينَ يَقتُلُني وَكادَ يَقتُلُني يَوماً بِبَيدانا وَكادَ يَومَ لِوى حَوّاءَ يَقتُلُني لَو كُنتُ مِن زَفَراتِ البَينِ قُرحانا لا بارَكَ اللَهُ فيمَن كانَ يَحسِبُكُم إِلّا عَلى العَهدِ حَتّى كانَ ما كانا



يُعاتب الشاعر المحبوبة في هذا المقطع فيقول لها ليتكِ تشعرين بالحرج مما فعلتِ بقلبي يا أعطر الناس وأجملهم رائحة حتى عندما يكون الجو ماطرًا بغزارة العطر ينحدر من بين أكمامك الواسعة، بعدها يستحضر وجودها ويُخيل إليه أنها تردّ عليه وتقول: إذا كنتَ تريدني الحق بي، لكن في داخله ذلك لم يكن ممكنًا فهو يشعر أنّ اللقاء بينهما صعب وقد لا يحدث.


ويستمرّ الشاعر بمخاطبة المحبوبة طالبًا منها أن ترأف به وبقلبه الحزين، فهو كالضيف الذي يرتجي منها المودة والعطاء، بعد ذلك يحاول الشاعر مواساة نفسه بأنّه ليس أول شخص تعذبه الأشواق والحبّ، فهناك أشخاص كُثُر مثله، وبالرغم من ذلك لم ينقطع الشاعر عن طلب المودة منها، فهي في نظره أفضل الناس وأكرمهم، لكنها ومع ذلك غدرت به كما فعل الكثيرون معه.


بعد ذلك يتحدث الشاعر عن محاولاته الكثيرة لكتمان الحبّ لكنه لم يعد يستطع ذلك، حتى كاد الهوى والحب أن يودي بحياته، فيبدأ بالدعاء على المحبوبة التي كانت سببًا في ذلك، ويؤكد على أنّه لن يظنّ بها خيرًا مهما فعلت، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • الدجن: الغيم المطبق المظلم.
  • الأردان: مفردها ردن، وهو الكم الواسع.
  • طيبَ: اسم مخفف لطيبة، وهو اسم المرأة التي يتحدث عنها الشاعر.
  • سلمانين وبيدان: اسم موضعان.
  • لوى حواء: موضع في اليمامة.
  • القرحان: مَنْ مسّته القروح.


خصائص قصيدة بان الخليط

امتازت قصيدة بان الخليط للشاعر جرير بمجموعة من الخصائص والسمات الفنية، منها الآتي:[٣]

  • استخدام مفردات وألفاظ تنتمي إلى حقول دلالية ذات صلة بالغرض الذي نظم الشاعر القصيدة من أجله.
  • تقسيم القصيدة على الطريقة الجاهلية إلى لوحات عدة قبل الوصول إلى غرضها الرئيس.
  • توظيف لغة رقيقة متينة السبك.
  • حضور المكان في هذه القصيدة بصورة واضحة، الأمر الذي منحها صدقًا واقعيًا.
  • التنويع في الأساليب البلاغية في القصيدة، وبروز الثنائيات الضدية.
  • تردد بعض الأصوات في القصيدة وتكرارها، فشكّل ذلك جوًا موسيقيًا مميزًا.


المراجع

  1. رباب السيد محمد عثمان، جرير حياته ونشأته، صفحة 4. بتصرّف.
  2. جرير، ديوان جرير، صفحة 490. بتصرّف.
  3. أحمد عبيس عبيد، البنية الأسلوبية في قصيدة جرير بان الخليط، صفحة 3. بتصرّف.