قصيدة الفرزدق في هجاء جرير

اشتهر فنّ النقائض في العصر الأموي بصورة كبيرة، وشكّل لونًا من ألوان الهجاء اختص به ثلاثة شعراء في هذا العصر، وهُم: الأخطل، وجرير، والفرزدق، فقال كل منهم قصائد هجا فيها الآخر وافتخر بنفسه، ومن بينها كانت قصيدة قالها الفرزدق في هجاء جرير، ويعرف الفرزدق بأنه شاعر من شعراء العصر الأموي، اسمه همام بن غالب بن صعصعة، ولد في البصرة عام 20 هـ ونشأ فيها، وهو ينتمي إلى قبيلة بدوية لها شأن عظيم، فاكتسب من حياة البادية طبائعها، وفيما يتعلّق بالشعر فقد كان الفرزدق شاعرًا فذًا عرف سرّ الصنعة ومغزاها، إذ اتسمت قصائده بالجزالة وظهر فيه تمكّنه الكبير من اللغة.[١]


شرح قصيدة الفرزدق في هجاء جرير

من القصائد الشهيرة التي هجا فيها الفرزدق الشاعر جرير قصيدة يقول في مطلعها الذي عُنونت به "إنّ الذي سمك السماء بنى لنا"، وهي قصيدة طويلة تتجاوز السبعين بيتًا، لكن فيما يأتي شرح موجز لبعض أبياتها موزعة في مقطعين:


شرح المقطع الأول


إِنَّ الَّذي سَمَكَ السَماءَ بَنى لَنا بَيتاً دَعائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطوَلُ بَيتاً بَناهُ لَنا المَليكُ وَما بَنى حَكَمُ السَماءُ فَإِنَّهُ لا يُنقَلُ بَيتاً زُرارَةُ مُحتَبٍ بِفِنائِهِ وَمُجاشِعٌ وَأَبو الفَوارِسِ نَهشَلُ يَلِجونَ بَيتَ مُجاشِعٍ وَإِذا اِحتَبوا بَرَزوا كَأَنَّهُمُ الجِبالُ المُثَّلُ لا يَحتَبي بِفِناءِ بَيتِكَ مِثلُهُم أَبَداً إِذا عُدَّ الفَعالُ الأَفضَلُ مِن عِزِّهِم جَحَرَت كُلَيبٌ بَيتَها زَرباً كَأَنَّهُمُ لَدَيهِ القُمَّلُ



يفتتح الفرزدق القصيدة مفتخرًا بنفسه فخرًا أراد من خلاله الحطّ والتقليل من قيمة من يهجوه وهو جرير؛ إذ يقول إنّ الله القادر الذي رفع السماء قد جعل الفرزدق في بيت عزّ وشرف، لن يتمكن أحد من الوصول إلى مستواه وهو بذلك أعلى قدرًا وأرفع منزلة من جرير، حتى أنّ بيته تلتجئ إليه سادات العرب وكبارهم، كما يفتخر فرزدق بقومه وقبيلته يحتكمون إلى العقل والحكمة في مختلف الأمور وهزيمتهم غير ممكنة، وقد أراد من هذا الفخر كلّه التقليل من قيمة جرير والحطّ من شأنه، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:[٢]

  • سَمَكَ: رَفَع.
  • زرارة: أي حاجب بن زرارة، وهو من سادات العرب.
  • مجاشع ونهشل: من أجداد الفرزدق.
  • المثل: الماثلة الشاخصة.
  • زربًا: الزريبة التي تبيت فيها المواشي.


شرح المقطع الثاني


ضَرَبَت عَلَيكَ العَنكَبوتَ بِنَسجِها وَقَضى عَلَيكَ بِهِ الكِتابُ المُنزَلُ أَينَ الَّذينَ بِهِم تُسامي دارِماً أَم مَن إِلى سَلَفي طُهَيَّةَ تَجعَلُ يَمشونَ في حَلَقِ الحَديدِ كَما مَشَت جُربُ الجِمالِ بِها الكُحَيلُ المُشعَلُ وَالمانِعونَ إِذا النِساءُ تَرادَفَت حَذَرَ السِباءِ جِمالُها لا تُرحَلُ يَحمي إِذا اِختُرِطَ السُيوفُ نِساءَنا ضَربٌ تَخِرُّ لَهُ السَواعِدُ أَرعَلُ وَمُعَصَّبٍ بِالتاجِ يَخفِقُ فَوقَهُ خِرَقُ المُلوكِ لَهُ خَميسٌ جَحفَلُ مَلِكٌ تَسوقُ لَهُ الرِماحَ أَكُفُّنا مِنهُ نَعُلُّ صُدورَهُنَّ وَنُنهِلُ قَد ماتَ في أَسلاتِنا أَو عَضَّهُ عَضَبٌ بِرَونَقِهِ المُلوكَ تُقَتَّلُ



يوجّه الفرزدق في هذا المقطع الإهانات واحدة تلو الأخرى إلى جرير فليس له شيء يفتخر به، فهو من بيت واهن كبيت العنكبوت، ولي له نسب شريف وعريق كنسبه هو، كما أنّ رجال قومه جبناء وضعفاء ويختبؤون خلف النساء في أوقات الشدة، أما قبيلة الفرزدق فيظهر عزها في الحروب؛ فيحملون أفضل السلاح ويرتدون أفضل الدروع، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:[٢]

  • الكحيل: القطران.
  • المشعل: المطلي بالقطران.
  • الأرعل: المسترخي.
  • خِرَق: الرايات والأعلام.
  • الخميس: الجيش العظيم.
  • الجحفل: كثير العدد والعدّة.
  • أسلاتنا: مفردها أسلة، ومعناها حدّ السيف.
  • العضب: القاطع من السيوف.


السمات الفنية في قصيدة الفرزدق في هجاء جرير

من الخصائص والسمات الفنية التي اتسمت بها هذه القصيدة المشروحة أعلاه ما يأتي ذكره:[٣]

  • بُعد الألفاظ المستخدمة في هذه القصيدة عن الوعورة والخشونة، بالرغم من أنّ الهجاء جاء قويًا ولاذعًا.
  • الارتباط القوي والواضح بين الهجاء والفخر في هذه القصيدة.
  • التأثر في بعض الأبيات بألفاظ القرآن الكريم ومعانيه، كما في البيت السابع من القصيدة.
  • الأسلوب المباشر في إيصال الغرض من القصيدة.
  • توظيف الصور الفنية والتشبيهات التي تلائم غرض الشاعر.
  • بروز الثنائيات الضدية، وهي ناتجة عن الجمع بين الفخر والهجاء في القصيدة ذاتها.


المراجع

  1. بثينة مسعي، منى بوخبلة، التجديد في شعر الفرزدق، صفحة 21. بتصرّف.
  2. ^ أ ب علي فاعور، ديوان الفرزدق، صفحة 489. بتصرّف.
  3. بثينة مسعي، منى بوخبلة، التجديد في شعر الفرزدق، صفحة 39. بتصرّف.