قصيدة على قدر أهل العزم

هي قصيدة للشاعر المعروف أبي الطيب المتنبي، الذي وُلِد ونشأ في مدينة الكوفة التي تعدّ أحد مواطن الحضارة العباسية، وقد عُرف المتنبي منذ صغره بالنباهة والنظرة الجادة للحياة والقدرة على نظم الشعر، وكان حافظًا لفصيح اللغة وغريبها من أشعار الجاهلية، ويُذكر أنه تنقّل بين بلاد كثيرة حتى وصل إلى بلاد الشام واستقر عند سيف الدولة الحمداني، فصحبه في غزواته وحملاته على الروم، وقد ظهرت في شعر المتنبي نفثات روحية وصورة صادقة لأحواله المختلفة.[١]


مناسبة قصيدة على قدر أهل العزم

نظم أبو الطيب المتنبي قصيدة "على قدر أهل العزم" في مدح سيف الدولة الحمداني، ووصف فيها المعركة التي خاضها سيف الدولة ضد الروم في ثغر "الحدث" على حدود الدولة الإسلامية وانتصر فيها، وقد تردد فيها صدى القوة والحماس والانتصار الذي كان يؤمن به الشاعر، وصدى التردد والهروب الذي كان عليه الروم.[٢]


تحليل قصيدة على قدر أهل العزم

تقع قصيدة على قدر أهل العزم لأبي الطيب المتنبي في ستة وأربعين بيتًا، وفيما يأتي شرحها وتحليلها:


شرح المقطع الأول

يتمثل هذا المقطع بالبيتين الأول والثاني من القصيدة، يبثّ فيهما الشاعر حكمة مفادها أنّه من كان عالي الهمة شديد البأس تعظم عزيمته ويتحقق أمله، إذ إنّ الرجال قوالب الأحوال إذا صغروا صغرت وإذا كبروا كبرت، ومن كان دون ذلك فعزيمته على قدره، ومن أبيات القصيدة التي تمثل ذلك ما يأتي:[٣]


على قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ



شرح المقطع الثاني

بعد الحكمة التي استهل بها الشاعر قصيدته بدأ بالمديح صراحةً وانتقل من العموم إلى الخصوصية، مصورًا عزيمة سيف الدولة وهمّته في أوقات المعارك والحروب، فهمّته تعجز عن مجاراتها جيوش الأرض، ثم بدأ برسم صورة معركة الحدث مبينًا قوة سيف الدولة فيها وإحداث الخسائر في صفوف الأعداء إلى الحدّ الذي تستطيع صغار النسور وكبارها إيجاد ما يكفيها من الطعام إثر الهجوم على الأعداء، وحتى لو خُلِقَت هذه النسور بلا مخالب فبإمكانها العيش، وفي ذلك إشارة إلى كثرة القتلى في صفوف الأعداء.[٣][٤]


ويؤكد الشاعر على ما سبق من خلال قوله إنّ موضع المعركة غير قادر على التمييز بين الألوان أهي من الأمطار وغزارتها أم من تلك الجماجم واصفًا إياها بالحمراء، ثم يطرح بعد ذلك صورة من واقع الحياة آنذاك وهي تلك التمائم التي تُعلّق في رقبه من مسّه الجنون، وتمائم المعركة كانت هي جثث الأعداء والجنون كان أرض المعركة، وفي ذلك كله بيان لقوة سيف الدولة، ومن أبيات القصيدة التي تمثل ذلك ما يأتي:[٣][٤]


يُكَلِّفُ سَيفُ الدَولَةِ الجَيشَ هَمَّهُ وَقَد عَجَزَت عَنهُ الجُيوشُ الخَضارِمُ وَيَطلِبُ عِندَ الناسِ ما عِندَ نَفسِهِ وَذَلِكَ مالا تَدَّعيهِ الضَراغِمُ يُفَدّي أَتَمُّ الطَيرِ عُمراً سِلاحُهُ نُسورُ المَلا أَحداثُها وَالقَشاعِمُ وَما ضَرَّها خَلقٌ بِغَيرِ مَخالِبٍ وَقَد خُلِقَت أَسيافُهُ وَالقَوائِمُ هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لَونَها وَتَعلَمُ أَيُّ الساقِيَينِ الغَمائِمُ سَقَتها الغَمامُ الغُرُّ قَبلَ نُزولِهِ فَلَمّا دَنا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ بَناها فَأَعلى وَالقَنا تَقرَعُ القَنا وَمَوجُ المَنايا حَولَها مُتَلاطِمُ وَكانَ بِها مِثلُ الجُنونِ فَأَصبَحَت وَمِن جُثَثِ القَتلى عَلَيها تَمائِمُ طَريدَةُ دَهرٍ ساقَها فَرَدَدتَها عَلى الدينِ بِالخَطِّيِّ وَالدَهرُ راغِمُ تُفيتُ اللَيالي كُلَّ شَيءٍ أَخَذتَهُ وَهُنَّ لِما يَأخُذنَ مِنكَ غَوارِمُ إِذا كانَ ما تَنويهِ فِعلاً مُضارِعاً مَضى قَبلَ أَن تُلقى عَلَيهِ الجَوازِمُ وَكَيفَ تُرَجّي الرومُ وَالروسُ هَدمَها وَذا الطَعنُ أساسٌ لَها وَدَعائِمُ وَقَد حاكَموها وَالمَنايا حَواكِمٌ فَما ماتَ مَظلومٌ وَلا عاشَ ظالِمُ



شرح المقطع الثالث

أراد الشاعر في هذا المقطع أن يقدم الدليل على الأفعال التي قام بها سيف الدولة الحمداني وشجاعته، من خلال تصوير جيش الأعداء والعدّة التي اعتدّ بها، فهو جيش جرار له من العدة والعدد ما يوحي للناظرين بأنّ الخيول المستخدمة فيه كأنها بلا قوائم، ولا يستطيع الرائي أن يميز بين أسلحة المقاتلين وثيابهم وخوذهم، لكنّ شجاعة سيف الدولة وتخطيطه للمعركة كان الأقوى والأنجح، فالنار كشفت عن زيف السلاح والرجال في جيش الروم ورباطة جأش الرجال في جيش سيف الدولة، ومن أبيات القصيدة التي تمثل ذلك ما يأتي:[٣][٤]


أَتوكَ يَجُرّونَ الحَديدَ كَأَنَّهُم سَرَوا بِجِيادٍ ما لَهُنَّ قَوائِمُ إِذا بَرَقوا لَم تُعرَفِ البيضُ مِنهُمُ ثِيابُهُمُ مِن مِثلِها وَالعَمائِمُ خَميسٌ بِشَرقِ الأَرضِ وَالغَربِ زَحفُهُ وَفي أُذُنِ الجَوزاءِ مِنهُ زَمازِمُ تَجَمَّعَ فيهِ كُلُّ لِسنٍ وَأُمَّةٍ فَما تُفهِمُ الحُدّاثَ إِلّا التَراجِمُ فَلِلَّهِ وَقتٌ ذَوَّبَ الغِشَّ نارُهُ فَلَم يَبقَ إِلّا صارِمٌ أَو ضُبارِمُ تَقَطَّعَ مالا يَقطَعُ الدِرعَ وَالقَنا وَفَرَّ مِنَ الأَبطالِ مَن لا يُصادِمُ



شرح المقطع الرابع

يعود الشاعر في هذا المقطع للحديث عن سيف الدولة وشجاعته، فقد تجاوز مقدار الشجاعة المعهود بين الناس وخرج إلى الحد الذي يكون إعجازًا، فقد كان وجهه وضاحًا أبيض اللون وسط المعركة، وفمه باسم عندما اشتدّت، وتبع ذلك كله رباطة الجأش وحُسن التصرف، حتى أصبحت جثث الروم متناثرة كالدراهم وجيش سيف الدولة يدوس عليها، أما الفارّين من جيش الروم فقد كانوا وكأنهم أفاعي تزحف على بطونها، ومن أبيات القصيدة التي تمثل ذلك ما يأتي:[٥]


وَقَفتَ وَما في المَوتِ شَكٌّ لِواقِفٍ كَأَنَّكَ في جَفنِ الرَدى وَهوَ نائِمُ تَمُرُّ بِكَ الأَبطالُ كَلمى هَزيمَةً وَوَجهُكَ وَضّاحٌ وَثَغرُكَ باسِمُ تَجاوَزتَ مِقدارَ الشَجاعَةِ وَالنُهى إِلى قَولِ قَومٍ أَنتَ بِالغَيبِ عالِمُ ضَمَمتَ جَناحَيهِم عَلى القَلبِ ضَمَّةً تَموتُ الخَوافي تَحتَها وَالقَوادِمُ بِضَربٍ أَتى الهاماتِ وَالنَصرُ غائِبُ وَصارَ إِلى اللَبّاتِ وَالنَصرُ قادِمُ حَقَرتَ الرُدَينِيّاتِ حَتّى طَرَحتَها وَحَتّى كَأَنَّ السَيفَ لِلرُمحِ شاتِمُ وَمَن طَلَبَ الفَتحَ الجَليلَ فَإِنَّما مَفاتيحُهُ البيضُ الخِفافُ الصَوارِمُ نَثَرتَهُمُ فَوقَ الأُحَيدِبِ كُلِّهِ كَما نُثِرَت فَوقَ العَروسِ الدَراهِمُ تَدوسُ بِكَ الخَيلُ الوُكورَ عَلى الذُرى وَقَد كَثُرَت حَولَ الوُكورِ المَطاعِمُ تَظُنُّ فِراخُ الفُتخِ أَنَّكَ زُرتَها بِأُمّاتِها وَهيَ العِتاقُ الصَلادِمُ إِذا زَلِفَت مَشَّيتَها بِبِطونِها كَما تَتَمَشّى في الصَعيدِ الأَراقِمُ



شرح المقطع الخامس

يختتم الشاعر قصيدته بالحديث عن نتيجة المعركة، وقد صور الهزيمة النكراء التي مُني بها جيش الروم أمام جيش سيف الدولة، حتى جاء كبير قومهم معتذرًا وراح القفا منه يلوم الوجه، وذلك كناية عن شدة الخجل مما حلّ بهم، ويطرح الشاعر مقابلها صورة سيف الدولة القائد الفذّ الذي تتجه صوبه الأنظار وعليه وعلى شجاعته تنعقد الآمال؛ فيهنئ الشاعر ممدوحه على النصر المدوّي والمجد الراسخ والذكر الحسن وسلامته من كلّ مكروه، ومن أبيات القصيدة التي تمثل ذلك ما يأتي:[٥]


أَفي كُلِّ يَومٍ ذا الدُمُستُقُ مُقدِمٌ قَفاهُ عَلى الإِقدامِ لِلوَجهِ لائِمُ أَيُنكِرُ ريحَ اللَيثَ حَتّى يَذوقَهُ وَقَد عَرَفَت ريحَ اللُيوثِ البَهائِمُ وَقَد فَجَعَتهُ بِاِبنِهِ وَاِبنِ صِهرِهِ وَبِالصِهرِ حَملاتُ الأَميرِ الغَواشِمُ مَضى يَشكُرُ الأَصحابَ في فَوتِهِ الظُبى بِما شَغَلَتها هامُهُم وَالمَعاصِمُ وَيَفهَمُ صَوتَ المَشرَفِيَّةِ فيهِمِ عَلى أَنَّ أَصواتَ السُيوفِ أَعاجِمُ يُسَرُّ بِما أَعطاكَ لا عَن جَهالَةٍ وَلَكِنَّ مَغنوماً نَجا مِنكَ غانِمُ وَلَستَ مَليكاً هازِماً لِنَظيرِهِ وَلَكِنَّكَ التَوحيدُ لِلشِركِ هازِمُ تَشَرَّفُ عَدنانٌ بِهِ لا رَبيعَةٌ وَتَفتَخِرُ الدُنيا بِهِ لا العَواصِمُ لَكَ الحَمدُ في الدُرِّ الَّذي لِيَ لَفظُهُ فَإِنَّكَ مُعطيهِ وَإِنِّيَ ناظِمُ وَإِنّي لَتَعدو بي عَطاياكَ في الوَغى فَلا أَنا مَذمومٌ وَلا أَنتَ نادِمُ عَلى كُلِّ طَيّارٍ إِلَيها بِرِجلِهِ إِذا وَقَعَت في مِسمَعَيهِ الغَماغِمُ



أَلا أَيُّها السَيفُ الَّذي لَيسَ مُغمَداً وَلا فيهِ مُرتابٌ وَلا مِنهُ عاصِمُ هَنيئاً لِضَربِ الهامِ وَالمَجدِ وَالعُلى وَراجيكَ وَالإِسلامِ أَنَّكَ سالِمُ وَلِم لا يَقي الرَحمَنُ حَدَّيكَ ما وَقى وَتَفليقُهُ هامَ العِدا بِكَ دائِمُ



السمات الفنية في قصيدة على قدر أهل العزم

تتسم قصيدة على قدر أهل العزم بمجموعة من الخصائص والسمات الفنية، منها ما يأتي ذكره:[٦]

  • نَظْم القصيدة وفق تسلسل منطقي.
  • كانت القصيدة زاخرة بالألفاظ والتراكيب التي تجسّد القوة وتناسب المناسبة التي قيلت فيها.
  • تضمين القصيدة بعض الصور الخيالية.
  • الدخول المباشر إلى الغرض الرئيس من القصيدة.


ولقراءة تحليل المزيد من قصائد المتنبي: قصيدة صحب الناس قبلنا، قصيدة عبرات شاعر.

المراجع

  1. إسماعيل حمادي، قصيدة المتنبي نقد وتحليل، صفحة 4. بتصرّف.
  2. حسام الدين عبد الله، الترابط النصي في قصيدة على قدر أهل العزم، صفحة 4. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث عبد الباقي علي، تحديد المعنى الأم وأثره في ميمية المتنبي، صفحة 19-46. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت إسماعيل حمادي، قصيدة المتنبي على قدر أهل العزم نقد وتحليل، صفحة 7. بتصرّف.
  5. ^ أ ب عبد الباقي علي، تحديد المعنى الأم وأثره في تذوق ميمية المتنبي، صفحة 54-61. بتصرّف.
  6. إسماعيل حمادي، قصيدة المتنبي على قدر أهل العزم نقد وتحليل، صفحة 9-12. بتصرّف.