قصيدة غرفة الشّاعر للشّاعر المصريّ علي محمود طه المهندس، ولد في المنصورة سنة 1903م لأسرةٍ متوسطة على حظٍ من الثقافة، درس في الكتّاب، وتخرج من الهندسة التطبيقية، وخدم في الأعمال الحكوميّة إلى أن أصبح وكيلًا لدار الكتب المصريّة، له من الشّعر عدّة دواوين طُبع منها ديوان (الملّاح التائه)، وديوان (ليالي الملّاح التائه)، ديوان (أرواح شاردة)، وغيرها، وفي شعره كان يجمع بين التّقليد الشّعري العربي، وبين التيّارات المستحدثة والمستوحاة من أدب الغرب، توفي بالقاهرة سنة 1949م ودُفن في المنصورة.[١]


مناسبة القصيدة

هي قصيدة من ديوان (الملّاح التّائه) لعلي محمود طه، وهو أول ديوان صدر للشاعر عام 1934م[٢]، وتعتبر هذه القصيدة من أجمل قصائد الدّيوان، وهي قصيدة من الشّعر الذّاتي تُعبر عن ذات، وعاطفة ومشاعر ووجدان الشّاعر، وفيها يسلّط الشّاعر علي محمود طه الضوء على معاناته الدّاخلية في غرفته.


شرح القصيدة وأفكارها العامّة في القصيدة


المقطع الأول: التّعبير عن حالة الشّاعر الذّاتية، وتصوير معاناته النّفسيّة والجسديّة

فالشّاعر علي محمود طه يعبر عن خلجاته، كما يصف معاناته النفسية، ومشاعره في غرفته بما فيها من كآبةٍ، وحزنٍ، وشجن، ويصف حالته الجسديّة من ذبولٍ، وسهرٍ، وارتعاشٍ لليد من شدّة التّعب، وفمه قد جفّ بلهيبٍ من أنفاسه، الّذي طغى على صوت أنينه وإرهاقه. حيث يقول علي محمود طه في مطلع القصيدة:[٣]


أيها الشَّاعرُ الكئيبُ مضى الليـ ـلُ وما زلتَ غارقًا في شجونِكْ مُسْلِمًا رأسَكَ الحزينَ إلى الفكـ ـرِ، وللسهدِ ذابلاتِ جفونِكْ ويَدٌ تُمسكُ اليراعَ وأخرى في ارتعاشٍ تمرُّ فوقَ جبينِكْ وفمٌ ناضبٌ به حَرُّ أنفا سكَ يطغى على ضعيفِ أنينِكْ



المقطع الثاني: مشاركة الأشياء من حوله لحزن الشاعر وتأثرها بحالته النّفسيّة

فحالة وكآبة الشّاعر وحزنه لم تعد تشعره بصوت الرّعد، حتى أنه لم يدرك وميض البرق في ظلمة الليل، فقد تمشّى الصّمت في الغرفة، وساد السكون في الأعماق تأثرًا وحزنًا على حال الشّاعر، وهنا نلحظ جمال الصورة الفنية وبراعة التعبير في تشخيص الصمت وأنسنة السكون؛ فجعل الأول يتمشى، والثاني يدبّ على الأرض، عدا عن الجمال في تجسيد الصورة، والتعبير عن السراج الشاحب وكأنه شاركه حزنه وكآبته، وتأثر به فبات ضوءه شاحبًا كئيبًا مشفقًا على حالة الشّاعر، وكذلك كان التّجسيد والتّشخيص في التّعبير عن بقايا النّيران في الموقد الذّابل، وهنا إشارة على تأثّر الموقد بحال الشّاعر حتّى كأنّ ما تبقى من النيران إنسان يبكي الحياة. فيقول:[٣]


لستَ تُصغي لقاصف الرعدِ في الليـ ـلِ، ولا يزدهيكَ في الإبراق قد تمشَّى خِلالَ غرفتِكَ الصمـ ـتُ ودبَّ السكونُ في الأعماقِ غيرَ هذا السراجِ في ضوئِه الشَّا حبِ، يهفو عليكَ من إشفاقِ وبقايا النيرانِ، في الموقد الذَّا بل، تبكي الحياةَ في الأرماقِ



المقطع الثّالث: منجاة الشّاعر لذاته

فنراه يخاطب نفسه، ويناجيها لمحاولة فهم ما يحصل له، متفننًا في الخيال والتّصوير الفني الجميل، فكأن قلبه نبات غضٌ طريٌ قد ذبلَ حزنًا وأسى، وهو يدعو ذاته للتخلص من حالة الأسى والكآبة، فقد زال الليل من سواده، وما زال هذا الشاعر ساردًا مُتتبعًا حزنه وكآبته في غرفته، ويعود إلى براعة التّشخيص والخيال فنراه تارة يأنسن سواد الليل فلا يحنو عليه ولا تأسى لحاله وحزنه ودموعه، ويناجي ذاته بسؤاله ما وارء الأرق، وقلة النوم في ليلك الأسود، ثمّ يدعو الشّاعر ذاته ليفرغ من أحزانه وكآبته. فيقول:[٣]


أنتَ أذبلت بالأسى قلبك الغضَّ وحطَّمتَ من رقيقِ كيانكْ آه يا شاعري، لقد نصلَ الليـ ـلُ وما زلتَ سادرًا في مكانِكْ ليس يحنو الدُّجى عليك ولا يأ سى لتِلك الدموعِ في أجفانِكْ ما وراءَ السُّهادِ في ليلك الدَّا جي، وهلَّا فرغتَ من أحزانِكْ؟



المقطع الرّابع: دعوة الشّاعر لتجاوز المحنة، واستنهاض ذاته لترك الكآبه والنّزوع إلى النّوم

فشاعرنا يدعو ذاته ويستنهضها لتقوم وتغتم النوم راحة وطربًا لها، وويدعو نفسه ليلتمس الفراش الدافئ ويخلد إلى النّوم وينسى شعور الأسى و قسوة المصيبة، ويدعو إلى ترك الحياة البائسة فهو لن يجزى بما في الحياة من تعب ومشقّة وشحوب، فهي حياة لهو ومجون وخداع ، ثمّ يختتم المقطع داعيًا إلى ترك الكآبة، ثمّ التّحلي بالإرادة والأمل والتّفاؤل بالشّاعر الموهوب الّذي في داخله.

يقول علي محمود طه:[٤]


فَقُم الآنَ من مكانِكَ واغنمْ في الكرى غَطَّة الخليِّ الطَّروبِ والتمسْ في الفراش دِفئًا يُنَسِّيـ ـكَ نهارَ الأسى وليلَ الخطوبِ لستَ تُجْزَى من الحياةِ بما حُمـ ـلتَ فيها من الضَّنى والشحوبِ إنها للمجونِ، والختلِ، والزَّيـ ـفِ، وليستْ للشَّاعر الموهوبِ!



بناء القصيدة

من خلال إسقاط الضوء على القصيدة نلحظُ أنّ القصيدة عمودية، اعتمدت على نظام الشّطرين، وتكونت من أربعة مقاطع شعريّة، اعتمد فيها الشاعر البحر الخفيف في إيقاعه، وتنوعت القوافي بين الكاف، والقاف، والباء، وفي هذا انزياح عن القصيدة الكلاسيكية العربية القديمة، مع الحفاظ على الملامح التّقليديّة.


سمات شعر علي محمود طه في القصيدة

يتسم شعر علي محمود طه في هذه القصيدة، وغيرها من شعره بما يأتي:[٥]

  • انسكاب جمالي للمعاني يترقرق تررق الحلم في النّفس.
  • انسيابٌ سيّال يتغلغل في أعماق الكيان الإنساني.
  • تلاحق الصّور الجميلة كأنّها خيّالة سينمائيّة حافلة بالابتكار.
  • موسيقى تتناغم ألفاظها، وتتجاوب أصداؤها ساحرةً باهرة.
  • تجسيم وتشخيص وبراعة في التصوير.
  • جزالة تحفظ للغة فصاحتها ورونقها.
  • التجديد من خلال تعدد المقاطع، وتنوّع القوافي في أصالةٍ ومقدرة.
  • جمع بين الكلاسيكيّة العربية التّقليدية، والرومنسيّة الحديثة المتطورة.
  • رقّة تذوب في النّفس.


ولقراءة تحليل المزيد من القصائد: قصيدة موطني، قصيدة شاعر الحرية.

المراجع

  1. حنا الفاخوري، الجامع في تاريخ الأدب العربي الحديث، صفحة 626-627. بتصرّف.
  2. حنا الفاخوري، الجامع في تاريخ الأدب العربي الحديث، صفحة 627. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت علي محمود طه، ديوان علي محمود طه، صفحة 31.
  4. علي محمود طه، ديوان علي محمود طه، صفحة 31-32.
  5. حنا الفاخوري، الجامع في تاريخ الأدب العربي الحديث، صفحة 629-630.