قصيدة يا قدس

تعود قصيدة يا قدس للشّاعر السّوري نزار قبّاني الّذي ولد في دمشق سنة 1923م لعائلة دمشقيّة عريقة، وتخرج من كليّة الحقوق، وعمل في السّلك الدّبلوماسي في كلٍّ من القاهرة، وتركيّا، ولندن، وبيروت، والصين وإسبانيا، ثمّ ترك العمل وتفرّغ للشّعر، وله من الشّعر الكثير من دواوينه ديوان (قالت لي السّمراء)، وديوان (أنتِ لي)، وديوان (قصائد متوحشة)، وغيرها، عُرف عنه بأنه شاعر المرأة والحب، توفي في لندن ودُفن في دمشق عن عمر يناهز 75 عامًا، قضى 50 عامًا منها بين الفنِّ، والحبِّ، والغضب.[١]


مناسبة القصيدة

كُتبت هذه القصيدة عام 1968، وكان نزار قباني حينها حزينًا مليئًا بالغضب بعد انتهاك مدينة القدس الحبيبة على قلبه، وبعد فقده لابنه، ومقتل زوجته بلقيس في تفجير السّفارة العراقيّة في بيروت، وهي قصيدة سياسيّة من الشّعر الحرّ الّذي يلتزم بالتفعيلة الواحدة ولا يلتزم بالقافية، وفيها يتحدّث عن القدس الشريف، تلك المدينة الطّاهرة، التي وقعت تحت أيدي الاحتلال.


الفكرة العامّة للقصيدة

تتغنى القصيدة بمدينة القدس "دار السّلام"، تلك المدينة التي خيّم عليها الاحتلال بظلّه وسواده، وفيها يأمل الشّاعر بتحريرها.


الأفكار العامّة وشرح أبيات القصيدة

  • تأثر وحزن الشّاعر على مدينة القدس المحتلّة:

فالشّاعر نزار قبّاني يعبر عن حزنه، وألمه الشديدين للدّمار الّذي ألمّ بمدينة القدس، هذه المدينة الطاهرة، حتّى أنّ دموعه قد انتهت من كثرة البكاء، وما زال يصلّي حتى ذابت الشّموع، ويستمر في ركوعه، وصلاته، ودعائه لأجل تحرير القدس واستعادتها [٢]. فيقول:[٣]

بكيتُ.. حتى انتهتِ الدّموعُ

صليتُ.. حتّى ذابتِ الشّموعُ

ركعتُ.. حتى ملني الرُكوعُ

  • القدس مدينة الأنبياء ودار السّلام ومهبط الوحي:

في هذه المدينة الطّاهرة يسأل الشاعر عن محمد، وعن يسوع عليهما السّلام، وفي ذلك كناية على أنّ مدينة القدس مدينة للمسلمين والمسيحيين على السواء، فهي مدينة الأنبياء، ونلحظ جمال الصّورة الفنية، وبلاغة القول بأنها مدينة تفوح أنبياء؛ لكثرة الأنبياء الذين زاروا أرضها الطّاهرة الزّكية، فهي مهدُ الدّيانات السّماويّة، وأقصرُ الدّروب إلى السّماء وفي ذلك إشارة إلى أنّ القدس مهبط الوحي، وإشارة إلى حادثة الإسراء والمعراج، وفي ذلك ما يدل على قداسة مدينة القدس، ومكانتها الدّينية، وعظمتها حتّى أصبحت منارةً للأديان، ومنبعًا للهدى والشّرائع السّماويّة، وهذه صورة فنيّة جميلة أبدع شاعرنا في نسجها، فيقول:[٣]

سألتُ عن محمد، فيك وعن يسوع

يا قدسُ، يا مدينةً تفوحُ أنبياء

يا أقصرَ الدروب بين الأرضِ والسّماء

يا قدسُ، يا منارة الشرائع

  • حزن وبؤس يلفّ مدينة القدس بسبب الاحتلال الصهيوني:

وشاعرنا يبدع في تصوير المدينة فيشبهها بطفلةٍ بريئةٍ في غاية الجمال لكنّ الاحتلال الغاشم قد أحرق أصابعها، فغدت عيناها حزينةً باكية، وهنا يكمن إبداع الشاعر في أنسنة وتشخيص المدينة فنراها طفلةً حزينةً وباكيةً، قد أحرقت أصابعها البريئة بظلم الاحتلال، فأصبحت هذه المدينة الطاهرة طهارة السّيدة مريم البتول حزينةً لما ألمّ بها من تدمير، ويخاطب الشّاعر القدس كأنها شخص شاخص أمامه فيناديها يا مدينة البتول، ويا واحةً ظليلة مرّ بها الرسّول، وفي ذلك كناية وإشارة على قدسية المكان وطهارته، لكن هذه المدينة حجارتها قد دمّرها الاحتلال فأصبحت حزينة لما حلّ بها من هدمٍ ودمار، وليس الحجارة وحسب، بل حتى المآذن قد دمّرت والمساجد دُنِّسَتْ، ومُنعَ النّاسُ من الصّلاة فيها فحزنت هذه المآذن لما ألمّ بها، وهنا أيضًا يصُبّ الشّاعر من فنّه، وإبداعه في تشخيص الحجارة والمآذن، فيجعلها حزينةً لما أصابها، ثمّ يشبهها بامرأةٍ جميلة قد لبست السّواد حدادًا، وحسرةً على نكبتها. فيقول:[٣]

يا طفلةً جميلةً محروقة الأصابع

حزينةٌ عيناك، يا مدينة البتول

يا واحةً ظليلةً مر بها الرّسول

حزينةٌ حجارة الشوارع

حزينةٌ مآذن الجوامع

يا قدسُ، يا جميلةً تلتف بالسواد

  • طلب النّصرة واستنهاض همم العرب والمسلمين لاستعادة القدس:

نرى الشاعر يستنجد بمن يقرع أجراس كنيسة القيامة ليشحذ الهمم من خلال سؤاله، ويستنهض العرب والمسلمين والمسيحيين ليغيثوا القدس، ويعيدوا حرّيتها، وتُقرع أجراس الكنيسة ويحتفل الأولاد في الأعياد، وهو يتحسّر عليها كيف أصبحت مدينةً للأحزان بعد أن توقفت أجراس الكنائس بسبب الاحتلال، فباتت مدينةً للأحزان والدموع، ويشبهها بالدّمعة الغالية، وفي ذلك دلالة على تحسره وحزنه الشديد على القدس من ناحية، وعلى أنّها مدينة عزيزة قريبة لها مكانة غالية عنده من ناحية أخرى، ثمّ نراه يتساءل من جديد ليستنهض العرب لوقف العدوان عن هذه المدينة، فهي لؤلؤة الأديان وهنا نرى التشبيه الجميل للمدينة باللؤلؤة النّفيسة للدلالة على قيمتها الغالية والثّمينة بين الأديان، ثمّ يعود الشاعر إلى أسلوب الاستفهام لشحذ الهمم لتحرير القدس، وغسل دماء الضّحايا عن الجدران والحجارة، واستفهام لإنقاذ الإسلام ورمز له بالقرآن، والمسيحية وقد رمز لها بالإنجيل، والمسيح، وفي ذلك إشارة إلى أنّ القضّية واحدة والهدف واحد، وكله أمل بأن يجد مَن يعيد إليه حرّيتها، وينقذ شعبها من ظلم العدوان الصّهيوني المجرم.[٤]

من يقرعُ الأجراسَ في كنيسة القيامة؟. فيقول:[٣]

صبيحة الآحاد..

من يحمل الألعاب للأولاد؟

في ليلة الميلاد..

يا قدس، يا مدينة الأحزان

يا دمعةً كبيرةً تجول في الأجفان

من يوقف العدوان؟

عليك، يا لؤلؤة الأديان

من يغسل الدماء عن حجارة الجدران؟

من ينقذ الإنجيل؟

من ينقذ القرآن؟

من ينقذ المسيح ممن قتلوا المسيح؟

من ينقذ الإنسان؟

  • أمل وأمنياتٌ بعودة القدس وتحريرها وزوال الاحتلال الغاشم

في هذا المقطع يخاطب الشّاعر مدينة القدس ويناديها بالحبيبة لعلوِّ مكانتها في قلبه، وفي ذلك أنسنة لمدينة القدس وجمال التصوير لدى الشّاعر، ثمّ نراه يأمل قريبًا بتحرير القدس، وزوال العدوان عنها ورمز بذلك في قوله سيزهر الليمون، ويعود إلى الأنسنة والتّشخيص، وجمال الصّورة والتشبيه في قوله تفرح السّنابل الخضراء والزّيتون، ذلك بأنّ السنابل رمزٌ للعطاء، واللون الأخضر رمز للنّضارة والنّماء، والزيتون رمز للجذور الأصيلة الباقية، فنراه تارةً يأنسن السنابل، وتارةً الزيتون، وتارةً العيون فيشبهها بإنسان يفرح ويضحك بتحريرِ القدس، وعودةِ الحمائم المهاجرة، وفي ذلك رمز للسّلام فالحمام يدل على السّلام والطمأنينة، وعودة الأطفال حين يلتقي الآباء مع الأبناء في موطنهم، ويناديها يا بلدي وذلك لشدّة تعلّقه بها ومعزتها في قلبه، وكلّه أمل وتفاؤل بحق العودة إلى أرض السّلام والزيتون. فيقول:[٣]

يا قدس.. يا مدينتي

يا قدس.. يا حبيبتي

غداً.. غداً.. سيزهر الليمون

وتفرح السنابل الخضراء والزيتون

وتضحك العيون..

وترجع الحمائم المهاجرة..

إلى السقوف الطاهرة

ويرجع الأطفال يلعبون

ويلتقي الآباء والبنون

على رباك الزاهرة..

يا بلدي..

يا بلد السلام والزيتون


العاطفة في القصيدة

تنجلي القصيدة عن عاطفة الشّاعر الصّادقة بما فيها من ألمٍ، وحزنٍ، وحسرةٍ على مدينة القدس أرض الأنبياء، ومهد الدّيانات، وما أصابها من تدميرٍ، وتهجيرٍ بسبب الاحتلال، وعاطفة أمل، وتفاؤل لتحرير القدس من أيدي الاحتلال الغاشم.


ولقراءة تحضير المزيد من القصائد: قصيدة يافا، مرثية بيت المقدس.

المراجع

  1. حنا الفاخوري، الجامع في تاريخ الأدب العربي الحديث، صفحة 686. بتصرّف.
  2. رزكا يوليا ساري، Rizka Yuliasari... (1112060000067).pdf جمالية قصيدة القدس نزار قباني دراسة تحليلية، صفحة 30.
  3. ^ أ ب ت ث ج رزكا يوليا ساري، Rizka Yuliasari... (1112060000067).pdf جمالية قصيدة القدس لنزار قباني دراسة تحليلة، صفحة 31.
  4. رحمت ماهبنجي حمز (2020)، Mahbengi Hamzah, 150502042, FAH, BSA, 082277095550.pdf صور بيانية في قصيدة القدس لنزار قباني دراسة بلاغية، صفحة 27.