قصيدة وجه مدينتي هي للشاعر أحمد بنميمون؛ وهو شاعر مغربي، ولد عام 1949م في مدينة شفشاون شمالي المغرب، وتلقى دروسه فيها وتبع تعليمه الثانوي في مدينة العرائش، درس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في فاس، وتخرّج مجازًا في اللغة العربية وآدابها، عمل مدرسًا في الدار البيضاء، ونُشر شعره في الصحف والمجلّات المغربية، له مسرحيتان (نار تحت الجلد)، و(متى يستريح الأب).[١]


مناسبة وموضوع القصيدة

(وجه مدينتي) قصيدة من الشّعر الحر الذي لا يتقيّد بالقافية، والروي بل يعتمد على التفعلية الواحدة، وتتعلق القصيدة بشعر المدينة، وهو تعبير عن الحياة في المدينة ووصف هذه المدينة موطن الخير، والجمال كما هي موطن للغربة والحزن والضّياع، والقصيدة غنية بالصور الفنية، والرمزية التي توحي بنفسية الشاعر، ونرى فيه تجسيد الشّاعر للمدينة فيراها كامرأةٍ لها ملامح، وقسماتٍ، ووجه.


شرح معاني القصيدة وأفكارها الرئيسية

القصيدة مقسمة إلى أربعة مقاطع شعريّة رصد من خلالها الشّاعر التغيّرات التي طرأت على مدينته بين صورتها في الماضي وصورتها الحاضرة:

  • المقطع الشعري الأول: تجول الشّاعر في المدينة لينقل لنا أجواءً من الأسى، والحزن، والذبول بحلول الخريف، وقد خيّم على المدينة مظاهر البؤس، والحزن في وقتها الحاضر بعدما كانت تنبض بالحياة، فهو ينقل لنا صورة الحاضر الحزين والأمس الذي كان مُشرقًا من حيث طبيعتها. فالمدينة كانت تغني كغناء البشر، وغناء الطيور، وهنا صورة فنية جميلة، وكانت تفرح بهطول المطر، وتفيض غناء به، ونلحظ جمال وإبداع الصورة الفنية والاستعارة في قوله: الشّمس ترسلُ موّالها وكأنها تنشد موّالًا عذبًا، وكانت أصداء الشّعر تتردد في المنحدرات والتلال، وكانت المدينة خضراء الرؤى، جميلة المنظر، أما صورتها في الحاضر فقد تغيّرت فالشاعر يتجول صباحًا يبصر في وجه المدينة حزنًا، وهنا يشبهها بإمراءة لها ملامح كالوجه الحزين، كما أنّ لميدنته عينان رمادية النظرات للدلالة على الحزن والكآبة، تكره الخريف الحزين فهو يعرّي، ويجرّد الأشجار من أوراقها، ويقتل الورد، ويشبه الربيع بشخصٍ يغزو ويغتصب، ويقتل الورود، والبساتين، ومدينته لم تعد تغني، وأصبح يذبل صوت المدينة، وهنا يشبه الصوت بالنبات الذي يذبل ويموت، ولم تعد تتردد الأشعار، وقد مات اخضرار الرؤى في المدينة. والقصيدة تحفل بالاستعارات، والصور، والتشابيه التي أبدعها كاتبها واصفًا المدينة بين الماضي والحاضر حيث يقول:[٢]

أتجولُ أبصرُ وجه مدينتي هذا الصّباح وكان حزينًا وكانتْ

رماديةَ النّظرات تعاني ذبولًا وتكره غزو الخريف

يُعرّي شُجيرات ساحاتها يقتلُ الوردَ ورد

بساتينها، يذبل الصّوتُُ صوت مدينتي هذا الصّباح

فليست تُغني وكانت تفيضُ غناءً مع مطر الفجر

والشّمس ترسل موَّالها وبين شعابِ الجبالِ

وعند انحدار الرّوابي يردد أصداءه الشّعر

هذا الصَّباح وقد مات فيها اخضرار الرُّؤى

  • المقطع الشّعري الثاني: وصف وذكر لتفاصيل المدينة من ساحاتٍ، وممراتٍ، وتصوير ما أصابها من تغيُّرٍ قد شوّه صورتها، فكأنها مهبطًا للموت، تجلّت أوجاعه في الممرات، والشّاعر يغدق علينا من الاستعارات، والكنايات، والتشابيه، وهذه من أبرز سمات الشعر الحر فتارةً يجعل للفجيعة لونًا، وحينًا يجسد المدينة بامرأةٍ قد استبيح وجهها، وظهر فيه الذبول والإعياء، وتارةً يُشخّص الغضب من خلال النداء حين قال: يا غضب الرفض، ونراه يبدع في تصويره في قوله روّ قناديلها، حيث يريد أن يشبه القناديل بالشيء الذي يروى بالنور، ويشبه النور بالماء الذي يروي القناديل المعتمة، ليستعيد الشعراء إلهامهم، وتعود النغمات العذبة إلى المدينة فهي الآن ماتت طيورها داخل الأشجار. فيقول:[٢]

مهبطُ الموت هذا وأوجاعه

قد تجلّت بكل الممرات، إنّي أسيرُ وأشهدُ

لونَ الفجيعةِ في وجهها المستباح، ملامحها

قد تجسّدَ فيها الذّبول، فيا غضب الرّفضِ مُرَّ بها

وروِّ قناديلها المعتمة

لكي تستضيء وكي تستعيدَ لأصحابها الشّعر والنغمات العِذاب

ففي الشّجر الآن أطيارها ميتة

  • المقطع الشّعري الثالث: يعقد فيه مقارنةً بين ساحات اليوم، وساحات الأمس التي كانت منبًعا للحب، ومصدرًا للإلهام الشّعري؛ فباتت تجسِّدُ الحزن، وترمزُ لموت الحب والإلهام الشّعري. ويقول واصفًا ذلك:[٢]

هذي السّاحاتُ، حدائقنا أعطت للحبِّ اللغةَ المفقودةَ

فتحت للشعرِ الآفاق الموصودة

أعطت للموتى الوردَ وللأحياء..

  • المقطع الشّعري الرّابع: وصف المدينة، وقد باتت موطنًا للأحزان، وتحولت إلى مدينةٍ ميتةٍ كشخصٍ ميتٍ وأصبحت مجرّدةً من الحياة، فبات يُسمعُ فيها آهات الطيور، وأضحت في الوقت الحاضر كما القلب الميت، فليس للمدينة قلب ولا يمكن للأيام أن تحفر، ولا تبخل المدينة بالأزهار، بل كلّها صور فنيّة، ويريد الشّاعر من خلالها إضفاء بعدًا جماليًا على القصيدة من خلال هذه اللغة الرّمزية المجازيّة. فيقول:[٢]

آهات الأطيار

لكن مدينتنا في هذا الزمن الفاجع أضحت..

قلبًا ميتًا حفرته الأيام..

وتجسّد فيه الحزنُ،

فحدائِقُها أضحت تبخلُ بالأزهار

هذي السّاحات حدائقنا الميتةُ الآن

أعطت للحب اللغةَ المفقودة

فتحت للشعر الآفاق الموصودة.


لغة القصيدة

من خلال القصيدة تظهر لنا اللغة مباشرةً، وقريبةً من لغة الحياة اليومية على المستوى الظاهر، لكنها في الحقيقة غنيّة بالدلالات الرّمزية.


العاطفة

العاطفة كانت وجدانية فيها تأثرًا باعتبار المدينة مرآةً عكست لنا نفسية الشّاعر الحزينة، وتُفصح لنا عن حالة الشّاعر، ومشاعره البائسة.


وللاطلاع على تحضير المزيد من القصائد: قصيدة سلام على مكة، قصيدة غرناطة.

المراجع

  1. إميل يعقوب (2004)، معجم الشعراء منذ بدء عصر النهضة الجزء الأول، بيروت:صادر، صفحة 70، جزء 1. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث "وجه مدينتي تحضير النص الشعري"، مول لعربية.