قصيدة مواساة ضرير

تعود قصيدة مواساة ضرير للشاعر أحمد بن محمد بن لحسن الدباغ، وهو شاعر مغربي، من مواليد مراكش، ولد سنة 1936م، ويعود لعائلةٍ اشتهرت كثيرًا بالعلم، وقد اشتغل بالتّعليم، وله قصائد شعريّة منشورة ببعض الصّحف المغربية، وبعضها لازال مخطوطًا، وقد اهتم في شعره بالقضايا الاجتماعية.[١]


مناسبة القصيدة

تدعو قصيدة مواساة ضرير إلى الاهتمام بهذه الفئة في المجتمع، وتوفير كل ما يساعدها على الشعور بالطمأنية والسّعادة، والشاعر هنا من خلال هذه القصيدة يواسي إنسانًا محرومًا من نعمة البصر، وهو محاولًا أن يخفف عنه مصابه، متأثرًا لحال الضرير الذي يشكو من حرمانه للبصر، وداعيًّا الضريرَ إلى النّظر، والتّأمل من خلال بصيرته، وبقية حواسه الباطنيّة. والنّص عبارة عن قصيدةٍ عمودية البناء، موحدة الرّوي من الشّعر الحرّ ذات طابعٍ اجتماعي.


الأفكار الرئيسية في القصيدة

الأبيات 1 و 2 خطاب موجهة من شخصٍ ضرير فاقدٍ للبصر إلى الأشخاص المبصرين.

الأبيات من 3 إلى 5 تعبير الشخص الضرير عن شعوره، ومعاناته بفقدان بصره.

الأبيات من 6 إلى 8 مواساة الشّاعر للضرير، ومحاولته التّخفيف من حزنه.

الأبيات من 9 إلى 14 دعوة الشّاعر للضرير إلى النّظر بقلبه، وتأمّل جوهر الأشياء ككرم الأخلاق، والصدق، وصوت طائر الهزار.


شرح أبيات القصيدة

خطاب موجه من ضرير إلى المبصرين، وهنا الضرير يسأل المبصرين بأن يخبروه عن النجمة في السّماء، وعن بريق نورها وضيائها، وعن لون البحر الأزرق، وبياض الثلج في قمةٍ عاليةٍ وشامخة، هذا الجمال الذي حُرم من رؤيته، فهو يتساءل في قرارة نفسه كيف يرى المبصرون هذا الكون من حوله، وبما فيه من مناظر وألوان، وهو فقط يُخبرُ به دون أن يراه، وهنا يظهر الشاعر معاناة الشخص الضرير بما يعانيه من حرمان التمتع بجمال الكون، يقول:[٢]


خبروني عن نجمة في السماء خبروني عن وهج ذاك الضياء خبروني عن زرقة فــــي بحار وبـيـاض فــي قمــة شـمّـــــاء



ثم يتحدث عن تعبير الضرير عن ألمه وشعوره الحزين بفقدان البصر، وتصوير معاناته من قضائه العمر في ظلامٍ دامسٍ، فهل شعر به أحد من الناس المبصرين، وهل عرفوا معاناته الدائمة، ومصيبته التي لا تفارقه، وهو يتساءل من يفهم حياته التي يعيشها في ظلمةٍ، وسواد، ويتضح هذا في قوله:[٢]


أيها القوم هل شــــعـرتم بحالي هل وعيتـــم تساؤلــي وندائـي أصرفُ العمر في الظلام فأمست عيشتي ظلمةً وهذا عنائي من يعاني الـذي أعــانيه دومــا من يعــي لوعتي وسرَّ بلائــي



ثم يتحدث الشاعر عن مواساته للضرير، ومحاولته التّخفيف من حزنه، وبلواه، ودعوته إلى أن لا يثور، ولا يضجر من حاله، وأن يصبر على مصابه ففي الصّبر الدواء من هذا الألم والحزن، وهنا تظهر جمال الصورة الفنية حين شبه الصبر بجرعة الدواء التي تُسكّن ألم المريض فالضرير يشكو فقدان بصره وماله إلاّ أن يصبر على حاله؛ فالصبر فيه الاطمئنان، والسكينة لكل الآلام والأوجاع، ونراه قد دعاه (يا أخي)، ويريد بذلك أن يجعله قريبًا منه، وفي منزلة الأخ الذي يقدم لأخوته كل العطف والدّعم والمواساة، فكم من مبصرٍ كان أعمى لم يدرك حقيقة الحياة، وسر البقاء، وكم من ضريرٍ أدرك حقيقة الأمور فبدتْ له الحياة جليةً، واضحةً، وكشف بقلبه، وبصيرته عما خفي من أسرارها. وبذلك ينبئه، ويخبره بالمعنى الحقيقي للعمى، حيثُ بيّن له بأن الإنسان الأعمى هو أعمى البصيرة، والقلب، وأن الإنسان يبصر بقلبه وبصيرته لا ببصره وعينيه؛ إذ قال الشّاعر أحمد بن محمد بن لحسن الدّباغ:[٢]


لا تثر يــا اخــي ولا تــتــبــــرم إنّ في الصّبر جرعةٌ من دواء كم بصير في ذي الحياة ضرير لا يرى في الحياةِ سرّ البـقـاء وضــريـــر يــرى حقــيــقـة امـر قــد اماطــت عن سرها بجلاء



ثم يدعو الشّاعر الضرير إلى النّظر، وتأمّل الأشياء من حوله بعمق النّفس، وبواسطة بصيرته، ونقاء إحساسه، وكرم أخلاقه، وصدق الخاطر، فإذا ما النجوم اختفت وتوارت عن نظرك أيها الضرير، فستبصر نور البريق، والوهج الساطع بقلبك النّير المشرق، وستراه ظاهرًا دون خفاء بلونٍ بهيٍّ بإرادتك إن أنت آمنت ببصيرة قلبك، ثمّ يؤكد الشّاعر على فكرته، بأنه سيشعر، وسيرى الجمال ساكنًا متجسدًا في حسن الأخلاق، وفي جوهر النفوس، لا في صورها وألوانها الخارجية، وهنا نشهدُ جمال التصوير في قوله مجسدًا في السجايا، وشبه الجمال بشيءٍ مجسّد، فإذا ما غاب عنه شكل طائر الهزار فإنه سيبصره في غنائه، وفي صوته الحسن الجميل، ويستكمل الشّاعر بفنّه الرائق المنساب بعذوبةٍ، ورقةٍ في مواساة الضرير، وإخباره عن حقيقة البصيرة التي تكمن بالتأمل والبصيرة، ولا تكون بالبصر والعينين، فيخبره إذا جهل نقاء النهر، ولم يدركه فإنه سيعرف النّقاء في الصّدق دون رياء، ثم يختتم قصيدته وهو يدعو الضرير إلى أن يتحدى مصيبته، ويكون عظيمًا لكون العظمة تكمن في تحدي الصّعاب، وتجاوز المحن؛ إذ يقول الشّاعر:[٢]



فإذا مــا الـنـجـوم عـنـك توارات فـبعـمق النفوس وهــج الســناء وإذا مـا جهـلـت لـونــا جـمـيـلًا سـتـراه ان شـئـت دون خفــــاء ســتراه مجــسدا فـــــي السّــجايا فـي كريم الاخلاق لون البهـــاء وإذا غـاب عـنـك شـكــل هـزار سترى الشّكل ماثلا في الغنـــاء أو جهلت الصفاء في عـمـق نهر ســتــراهُ فــي الصّدق دون رِياء والعظـيم العظيم مـَن يتـحـدَّى كلَّ رِزء طغى علــــى الارزاء



أسلوب الشاعر في القصيدة

من خلال قراءة نص القصيدة فالقصيدة تبعث في داخل القارئ العطفَ، والحنان اتجاه هذا الضّرير الذي فقد بصره، وعاش حياةً مظلمةً ظلمةً مادية، فلم يرَ جمال الكون من حوله، وفيها دعوة ليشعرَ هذا الضريرُ بالتأمُّل الرّوحي للأشياء من حوله، والإحساس بها بقلبه لا بعينيه، والعيش حياة ملؤها الصّفاء الروحي والصدق، وحبّ الحياة، وكل ذلك بفضل بصيرة قلبه، حتى يبصر حقائق الوجود بصفاء وصدق المشاعر، وقد قدّم الكاتب قصيدته بلغةٍ سهلة، وألفاظٍ مأنوسة تلائم غرضه الاجتماعي، وبإيقاعٍ جميلٍ، وسلس، وقد جعل الشّاعر الحديث على لسان الضّرير، لينتقل في ما بعد إلى مواساةٍ على لسان الشّاعر، وهنا يكمن تنوع الأسلوب، وجماله.


وللاطلاع على تحضير المزيد من القصائد: قصيدة نكبة الأندلس، قصيدة تغريبة المطر.

المراجع

  1. شادو20 (2009)، "قصيدة مواساة ضرير"، منتديات ستار تايمز.
  2. ^ أ ب ت ث "قصائد شعرية جميلة"، فيس بوك، 2019.