قصيدة تغريبة المطر

تعود قصيدة تغريبة المطر للشّاعرة السّودانيّة روضة الحاج محمد عثمان، المولودة عام 1969م بمدينة كسلا شرق السودان، درست اللغة العربية وآدابها في جامعة النيلَين، تعمل في الإذاعة السودانيّة، والفضائية السّودانية، كما تعملُ محررة صحفيّة بالملف الثقافي لجريدة الأنباء السّودانية، وعضو مجلس رعاية الآداب والفنون، وبيت الثّقافة السودانية، من دواوينها الشّعرية ديوان (عش للقصيد) الذي صدر عام 2000م، وديوان (للحلم جناح واحد)، كما نشرت بعض إنتاجاها في الآداب البيروتية، والأوديسية، والخليج، والصدى، وغيرها، وحازت على لقب شاعرة سوق عكاظ لعام 2005م.[١][٢]


مناسبة قصيدة تغريبة المطر

القصيدة هي نموذج من الشّعرالإنساني الّذي يتغنّى بالطّبيعة، وطريقة استقبال المطر، كما يتلمّس هذا النموذج صُوَر العطاء في المطر، ومظاهر التّجدد الّذي يخلّفهُ المطر في النفوس والأرض، وتنتمي القصيدة إلى شعر التفعيلة الواحدة.


الفكرة العامّة لقصيدة تغريبة المطر

المطر رمز العطاء، والسلام، والحرية، وهو سر سعادة الإنسانية.


الأفكار الرّئيسية في قصيدة تغريبة المطر

  • حال الشاعرة عند استقبالها للمطر.
  • عودة ذكريات الماضي الحزين، ومواجع الشاعرة مع نزول المطر.
  • الشاعرة تطلب الحريّة الزرقاء للأقصى للتنتهي معاناة الشّعب.
  • السعادة تكون بنزول المطر.


شرح قصيدة تغريبة المطر

تستهل الشاعرة قصيدتها بقولها: إذا أمطرت فالسماء لمْ تمطرْ بعد، وروح الشاعرة حزينة متألمة تشعر بالضجر (ميّتة) بحاجة إلى أن تحيا بالمطر، شبهت الشاعرة الروح بالكائن أو النبات الميت الذي يحيا بنزول المطر، فإذا أمطرت قامت ونبتت نخلتان، وقد شبهت الشّاعرة النخلتين بالصديقتين تتقاسمان جرح الرّوح وأحزانه وقت الضّجر، فأحيت وروت نشيدًا في الرّوح، وهنا يبرز أثر المطر على النفوس، ثم تتابع وكاد هطول المطر من طول الانتظار أن ينكسر، وهنا تصوّر الشاعرة وقت الانتظار بالشيء القابل للكسر، وجمال الصورة يكمن في التشبيه مع المطر يحيى النشيد في قلب الشّاعرة، كما يحيى النبات والإنسان، وتنهض جميع معزوفاتها، وألحانها، وتقوم من حالة الحزن والضجر إلى حالة من البهجة بالغناء مع الشاعر بدر شاكر السّياب في قصيدته مطر، والشاعرة تعيش حالة من الاضطراب كارتطام واصطدام السحب بالسّحب، وحنين الأرض لنزول المطر، وهبوب الرّيح، وقد شبهت الشاعرة صوت الريح كأنها قيثارة تعزف الألحان، هذا الاشتياق والحنين كالعطر في رئة الأزهار، وفي ذلك تشخيص للأزهار فجعلت الشاعرة للزهرات رئةً تتنفس العطر والرحيق.وتقول الشاعرة واصفة ذلك:[٣]

إذ أمطَرَت

أرْوَت مواتَ الروح في قلبي

فقامت نخلتان

تتقاسمان الجرحَ ميمنةً وميسرةً

على حدِّ الضجر

وسقت نشيداً

كاد من طول انتظارٍ ينكسر

إذ أمطرت

نهضت جميع معازفي

غنَّت مع (السيَّاب) أغنية المطر

(مطرٌ.. مطر)

وأنا ارتطامُ السحب بالسحب

اشتياقُ الأرض...

عزفُ الريح

سرُّ العطر في رئة الزَّهَر!!


تستكمل الشّاعرة حديثها وهي في حالة من الحزن والأوجاع، وقد شبهت المواجع بإنسان ينادى وسر الجمال التشخيص، وقد كان الحزن يغمر قلب الشاعرة قبل هطول المطر؛ فإذا أمطرت السماء غسلت عن قلبها الأحزان والجراح كما يغسل الغيث الشجر، وتتمنى ذلك، وأن ينبت الميت من الأحلام والأماني كما النبات والشجر، وهي صورة فنية جميلة، فأحلام الشاعرة ميتة وحزينة ستحيا، وتنبت كأنها شجر ينمو وينبت بهطول المطر، وتتمنى لو يعود الأحباب والأصحاب الذين رحلوا، وذهبوا، وغادروا أوطانهم كما يعود المطر كل عامٍ ليسقي الشجر، وتعود الرّوح للشجر بالمطر، وينمو حب الأحبة في قلب الشاعرة كما ينمو الشجر، ثمّ تتمنى وتطلب لو تهطل السماء بالغيث والمطر على جميع الأرض ليعمّ السلام، وكأن المطر يحمل رمزيّة السلام، ورسالة الأمن والحياة، وحينها تغني الشاعرة أغنيتها التي كتبتها بماء المطر.تقول الشاعرة:[٣]

إذ أمطرت

ناديتُ مدَّ مواجعي

لو تغسلين جراحنا مثل الشجر

لو تُنبتين الميتَ من أحلامنا

مثل الشجر.

لو تُرجعين أحبةً رحلوا..

وأحباباً مضوا

مثل الشجر

لو تهطلين على جميع الأرض يوماً بالسلام

لكتبتُ أغنيتي بأمْوَاهِ المطر!!.


وحينما تمطر ستغني الشاعرة أغنية لأجل الحرية الزرقاء؛ أي التي ترمز إلى السماء حيث يكون وينبع المطر، ويهطل المطر في كل مكانٍ، فتهطلُ معه الحريّة وتعبر الفضاء من غير قيدٍ كما يعبر المطر في السحاب كل الأمكنة في الفضاء الواسع دون أن يهمها غرابة الأرض أو لونها، وهنا ترمز الشاعرة إلى العنصرية والأعراق والحدود السياسية بين الدول.


وقد شبهت الشاعرة هذه الحريّة الزرقاء العابرة للفضاء كأنها قافلة، وتريد أن ترمز إلى المعابر الحدودية التي فرضها الاحتلال الصهيوني على الشعب الفلسطيني بما فيها من قوافل وطوابير انتظار لقبول الأوراق للوصول إلى الأقصى المبارك الشريف، وهذه الحرية الزرقاء العابرة ستغسل عن الأقصى أدران وأوساخ الحياة.تقول الشاعرة:[٣]

إذ أمطرت

غنّيتُ للحريّة الزّرقاء تأتي إذ تشاءُ

تختار أمكنة الهطول بغير إملاءٍ

وتعبُرُ كيفما كان الفضاء

ما همّها من هذه الأرض الغريبة لونها

لا أوقف الحراسُ قافلةً لها

لا فتَّشوا أوراقها

لا جاءت الطابور..

تطلبُ ختمَ أن تمضي إلى الأقصى

فتغسل عنه أدران الحياة


ثم ينزل المطر فتبتهج روح الشاعرة بهطوله فتقول بفرحٍ، وعتابٍ يا للمطر! وكأنها توجه خطابها لعزيزٍ بعد طول الغياب، وتخبره هل من العدل أن يرحل في بلاد النبيل، وتناديه بياء النداء يا نبيل، وذلك أنسنة وتشخيص للمطر بأنه شخص عادل وشريف ويحوم في كل البلاد، ثمّ أوفى المطر بوعده وبعطائه بعد انتظارٍ طويل، وتعبٍ مضنٍ على عكس الجميع الذين يخلفون بوعهدهم، والناسُ الذين انتظروك أيها المطر بالتعب الجميل بسطاءٌ إلى أبعد حدود السماء وتعقدها.


وتصف الشاعرة انتظار المطر بالتعب الجميل، وهو انتظار المطر بلهفةٍ وشوق، ليأتي المطر ويمنح الحياة لمن انتظره، وتكون السعادة والبهجة بمجيء المطر، فيمضي المطر حيث يشاء وكيفما يشاء، فأنت أيها المطر مُخيرٌ تسير بحريةٍ، وستعود أيها المطر إلى شارع (الرشيد).


وقد شبهت الشاعرة شارع الرشيد بإنسانٍ ذي مهابةٍ، ومخافةٍ، وإجلالٍ وواثقٍ بوعد المطر الذي سيعود إليه، ومهما عبر المطر في الصحاري البعيدة والبلاد المقفرة، والفجاج والطرق الواسعة، انطلق أيها المطر حرًا، وسرّ في بلاد الله وفضائه واهطل كما تشاء، فأنت أيها المطر سيد وأمير نفسك، وتخاطب الشاعرة المطر بسيدي؛ تشبيهًا للمطر بالأمير صاحب الفضاء، وصاحب الفضل والعطاء، وله الخراج وهي الضريبة على ما تنتجه الأرض..فتقول الشاعرة في المقطع الأخير:[٣]

يا للمطر!!.

عدْل رحيلك في بلاد الله يا هذا النبيل

أوفيتَ إذ وعد الجميع وأخلفوا

إلاك تأتي وقتما انتظروك بالتعب الجميل

بسطاء حد تعقد الأسماء

هل تعني السعادة غير أن يأتي المطر؟!

تمضي إلى حيث اختيارك

(والرشيد) مهابةً وثقتْ بأنك عائدٌ أبدًا إليه

مهما عبرتَ من المَهَامِهِ والفجاج

سِرْ في فضاء الله واهطل حيثما قررت أنت

لك أن تكون أمير نفسك سيدي

وله الخراج!!


العاطفة في قصيدة تغريبة المطر

نرى في هذه القصيدة عاطفة إنسانية صادقة، تخللها مشاعر الحزن والضجر لعدم نزول المطر، والشوق للمطر، ومشاعر صادقة اتجاه معاناة الشعب الفلسطيني، وفرض الاحتلال سيطرته على المعابر بين المدن الفلسطينية، ومشاعر أمل، وفرح، وبهجة بتحقيق السلام، ونزول المطر فالشاعرة كانت ترمز بالمطر بالحرية الزرقاء.


وللاطلاع على تحضير المزيد من القصائد: قصيدة لمن نغني، قصيدة قطرة ماء.

المراجع

  1. مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري (2008)، "روضة الحاج"، مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية.
  2. أحمد الخطيب وعاطف أبو حمادة وأشرف أبو صاع وحسان نزال وصالح معالي ونائل طحيمر (2020)، اللغة العربية الصف التاسع دولة فلسطين (الطبعة 2)، دولة فلسطين:وزارة التربية والتعليم مركز المناهج، صفحة 52، جزء 1. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث أحمد الخطيب وعاطف أبو حمادة وأشرف أبو صاع وحسان نزال وصالح معالي ونائل طحيمر (2020)، اللغة العربية الصف التاسع دولة فلسطين (الطبعة 2)، دولة فلسطين:وزارة التربية والتعليم مركز المناهج، صفحة 52-53-54، جزء 1.