تعود قصيدة من أجل الطفولة للشاعر محمد سليمان أحمد، الذي اشتهر بلقب بدوي الجبل، ولد في اللاذقية بسوريا سنة 1903م وفيها تلقى علومه الابتدائية والثانوية، وقد شُغف بدوي الجبل مبكرًا بحفظ الشعر وروايته، وتقرّب من الشّعراء المعروفين في زمنه أمثال الزهاوي، وأديب مظهر، وبشارة الخوري، وغيرهم، وقد سُمي بشاعر العروبة لأنّه كان يتغنّى بها، وبالدعوة إلى الوحدة العربية، وقد كان نائبًا في المجلس السوري، وعيّن وزيرًا للاقتصاد، ثمّ وزيرًا للمعارف، ثمّ وزير دولة، توفي سنة 1981م.[١]


مناسبة قصيدة من أجل الطفولة

كتب بدوي الجبل قصيدته هذه وهو في الاغتراب، وهي قصيدة كلاسيكية مطوّلةٌ من البحر الطويل نسجها بدوي الجبل بعنوان البلبل الغريب، وقد اشتهرت، وتُعد من أجمل وأروع القصائد الإنسانية التي تعبّر عن أثر الغربة في وجدان الشّاعر، فقد أحبّ الشّاعر الطفولة، وعبّر عن ذلك بشعره العذب الجميل، ونرى في شعره عاطفةً جليّةً تجاه الأطفال، ويفيض بشعوره حبًا للطفولة والأطفال، وقد عبّر من خلال قصيدته عن شوقه وحبّه لحفيده الصغير وتعلُّقه به.[٢]


الفكرة العامّة لقصيدة من أجل الطفولة

تتغنى القصيدة بالطفولة وبالطفل.


الأفكار الرّئيسية في القصيدة

  • الأبيات من 1 إلى 4 حب الشّاعر للطفل، وشوقه له، وحنانه عليه.
  • الأبيّات من 5 إلى 10 الطفل محببٌ مهما أساء وأغضب.
  • الأبيّات من 11 إلى 14 الدّعاء بأن يعمّ الخيرُ، والسّعادة، والأمان كرامةً لأجل الطّفل والطّفولة.


شرح قصيدة من أجل الطفولة

  • يستهل الشّاعر قصيدته بالشّوق إلى الغوطة الخضراء وبساتينها الغنّاء، حيث كان مقيمًا في غربته، ويشتاقُ لحفيدَه ويحتاجُ أن يراه، فيتساءل الشاعر مشبّهًا الغوطتان بإنسانٍ يُشتاق إليه، وقلبه مُعَلّقَ فيه ويحتاج إليه فيقول: هل دلّلتْ له الغوطتان حاجته الأحبّ على قلبه، ألا وهي رؤية حفيده العزيز، وأخذ يذكر الأيام التي عاشها معه، وحنينه، وشوقه لحفيده الوسيم بديع الوجه الذي إن رأى وجهه الطفولي البريء، فلا يخشى على نفسه أن يشيبَ شعره، ويكبرعمرُه، وهو بعيد في بلاد الاغتراب، فالشّاعر هنا في حالة اغترابٍ، وشوقٍ للديّار حيث يقطن ذلك الحفيد الغالي.
  • ثم يصوّر الشّاعر النجوم، وكأنّها تتمنى، وفي ذلك أنسنة، وتشخيص لهذه النجوم اللامعة فهي لشدة تأثرها ببراءة الأطفال تريد أن تتحول لدمىً، وألعابٍ مترفات، ثمينات، برّاقة، لامعة ليلعب بها الأطفال ويختاروا منها ما يشاؤون.فيقول الشّاعر بدوي الجبل واصفًا ذلك:[٣]


وهل دلّلت لي الغوطتان لبانة أحب من النعمى وأحلى وأعذبا وسيما من الأطفال لولاه لم أخف -على الشيب-أن أنأى وأن أتغربا تود النجوم الزُّهر لو أنها دُمى ليختار منها المترفات ويلعبا

  • ثمّ يعبّر الشّاعر عن عاطفته الكبيرة اتجاه الأحفاد والأطفال، ويصوّر ما لديه من صفات الحنان، والرّحمة، والعطف، وقد شبه الحنان والرّحمة بالكنوز التي يمتلكها الإنسان، وفي هذا تجسيد للمعاني التي ذكرها بالمادّيات، والمحسوسات، وهي الكنوز الثّمية، ويرى بأنّ العطف، والحنان بمثابة نعيمه في الحياة، وأمنيته أن يرى الأطفال ما لديه من حبٍ، وعطفٍ، وحنان، ويعجبوا به ويغترفوا من هذا الحبّ، ومن هذه الكنوز(الصفات) حتى لو كان خلسة، ونهبًا؛ أي سرقةً.
  • ثمّ يصوّر لنا الشّاعر لحظات ولقطات لهذا الطفل (الحفيد) حين يظلم، وحين يغضب، وحينما يكون مسرورًا، ورغم حالاته هذه فكلّ صفاته محبّبة إلى القلوب، فالأطفال يغضبون أحيانًا، ويرضون بسرعٍ، وتصفى نفوسهم العذبة البريئة، ويكفي أن يرضى هؤلاء الأطفال الأنقياء فغضبهم مؤقت، سريع الزوال فهم لا يعرفون الحقد، ولا الغلّ.
  • فإذا أصيب الطفل بمرضٍ، وسقمٍ فالشّاعر يتمنى أن يكون فداءً له يفديه بروحه، وشاعرنا يتألم لحال حفيده إذا أصابه مكروه، وكأنّه هو المريضُ المُعذّب، وهنا يصور لنا الشّاعر مشاعر الشّفقة، والحزن، والرّحمة اتجاه الطفل المريض، ورغبته في تحمل الألم عن المريض.
  • ثمّ يصورّ لنا مراحل من حياة حفيدة الطّفل، وهو يخطو خطواته الأولى، ونشهد على مشاعر الفرح الغامرة لدى الشّاعر، وكأنها أعياد تحتفل بالطّفل في خطواته الأولى، كما تسعد الدّنيا عند حبوه وزحفه ومحاولته للمشي، وتمتلئ الحياة بهجة وفرحًا عندما يناغي هذا الطفلُ ويبدأ بكلام محبب غير المفهوم، وكل هذه المراحل تسرنا وتفرحنا وتبعث في قلب الإنسان السرور.
  • ثمّ يشبه الشّاعر الطفل البرئ وكأنّه القطا وهو طائر الحمام الصغير الذي لم ينبت ريشه، وإذا عطش هذا الطائر الناعم (الطفل) لسقاه الشّاعر عينيه، وقلبه وذلك محبةً له، ولمكانته الغالية كما هي العينين للإنسان، ولشدة تعلقه بهذا الطفل فإنه يصب له القلب ليشرب، وهنا نرى براعة الشّاعر في التصوير، فشبه العين والقلب بالماء الذي يسكب للعطشان ليشرب.
  • ثمّ يصور لنا بدوي الجبل شدّة حبّه، وتعلقه بحفيده، الذي ينام في قلب جدّه المفروش بالحرير اليماني من اليمن؛ وذلك الحرير اليماني مذهب؛ أي مشغول بخيوطٍ من ذهب، وهو يريد أنْ يصوّر لنا المكانة الغالية والثمينة التي يتمتع بها الحفيد في قلب جدّه، حتى أنه يجعل قلبه فراشٍّا لينام الطفل فيه، ثم يجعلُ الأجفان غطاءً منسدلًا يغلق عليه، ويظلّله ويحميه، ويتمنى أنْ تُشعر الطفل بالحنان، والعطف، والسّكينة، والاطمئنان، وهنا يشبه الشّاعر الأجفان بالغطاء الذي يحتضن الطفل، ويشبه الطّفل بالعين، وهو يريد الإشارة إلى شدة المحبّة لهذا الحفيد، ومكانته الغالية الثمينة كمكانة العين للإنسان.
  • وتنهال مشاعر بدوي الجبل حبًا لحفيده، وللطفل فيخفق قلبه حبًا كخفقان قلوبٍ عديدة تشعبت طرقها، وحملت مشاعر الحبّ، والعطف، والحنان لهذه القلوب البرئية الصغيرة، واحتوتها، فيقول بدوي الجبل:[٣]


وعندِي كنوزٌ من حَنانٍ ورحمةٍ نَعيمِي أنْ يغرَى بهنَّ وينهَبا



يجورُ وبعضُ الجَور حلوٌ محبَّبٌ ولمْ أرَ قبلَ الطفل ظلمًا محبَّبا ويغضبُ أحيانًا ويرضى وحسبُنا من الصَّفوِ أن يرضَى علينَا ويغضَبا وإنْ نالَه سقمٌ تمنَّيتُ أنَّني فداءٌ لهُ كنتُ السقيم المعذَّبا يزفُّ لنا الأعيادَ عيدًا إذا خطَا وعيدًا إذا ناغَى وعيدًا إذا حبَا كزغبِ القطا لو أنَّه راحَ صاديًا سكبتُ له عيني وقلبي ليشرَبا ينامُ على أشواقِ قلبِي بمهدِه حريرًا من الوَشي اليماني مذهَّبا وأُسدلُ أجفانِي غطاءً يظلُّه ويا لَيتها كانَت أحنَّ وأحدبَا وتخفقُ في قلبي قلوبٌ عديدةٌ لقد كان شعبًا واحدًا فتشعَّبا

  • ثمّ يختتم الشّاعر قصيدته داعيًا الله سبحانه وتعالى أنْ يعمّ الكون شرقًا وغربًا بالخير والبركة، والسّعادة والسّرور، والسّلم والأمان، من أجل أن يحيا الأطفال بسلامٍ وأمان، ثمّ يدعو الله سبحانه وتعالى بأنْ يحفظَ ضحكات الأطفال البريئة ويصونها، ويشبه الشاعر ضحكات الأطفال بتغريدات الطيور التي إن غرّدت حوّلت الرّمل الموحش القاحل إلى أرضٍ مخضرة معشبة بابتساماتهم، وكأنّ ضحكات الأطفال وابتساماتهم هي الحياة لهذه الأرض حين يقول:[٣]


ويا ربّ من أجلِ الطفولةِ وحدَها أفِض بركاتِ السِّلم شرقًا ومَغربا وصُنْ ضحكةَ الأطفالِ يا ربّ إنَّها إذا غرَّدت في مُوحشِ الرَّمل أعشَبا



العاطفة

نرى في شعره عاطفةً جليّةً اتجاه الأطفال، والشّاعر يفيض بشعوره حبًا للطفولة والأطفال، وقد عبّر من خلال قصيدته عن شوقه، وحبّه لحفيده الصغير، وتعلُّقه ببراءة الأطفال.


وللاطلاع على تحضير المزيد من القصائد: قصيدة ورثنا المجد، قصيدة قلت للشاعر.

المراجع

  1. بدوي الجبل، ديوان بدوي الجبل، صفحة 2. بتصرّف.
  2. هيام العبيسات و ليلى دردس و أحمد هزايمة (2018)، اللغة العربية الصف الثامن الجزء الأول، عمان الأردن:وزارة التربية والتعليم إدارة الكتب والمناهج، صفحة 28، جزء 1.
  3. ^ أ ب ت هيام العبيسات وليلى دردس و أحمد هزايمة (2017)، اللغة العربية الصف الثامن الجزء الأول، عمان الأردن:وزارة التربية والتعليم دائرة الكتب والمناهج، صفحة 27، جزء 1.