تعود قصيدة قلت للشعر للشاعر التونسي أبي القاسم بن محمد بن أبي القاسم الشابي، الذي ولد في قرية الشابيّة في ضواحي توزر جنوبي تونس عام 1906م، وحفظ القرآن في طفولته، والتحق بجامعة الزيتونة، ودرس العربية، وعلوم الشريعة الإسلامية، ثمّ التحق بمدرسة الحقوق ونال إجازتها، وأولع بالأدب العربي، نظم الشعر صغيرًا وكان مجددًا مجيدًا، وذاع صيته بأنه أحد أهم المجددين في الشعر العربي شكلًا وموضوعًا، وقد مرض بداءٍ في صدره أثّر في نفسيته وفي شعره، ودعاه البعض (فولتير العرب)، صرعه المرض شابًا لم يتجاوز الثلاثين فتوفي سنة 1934م، ومن مؤلفات أبي القاسم الشابي: (ديوان شعره)، و(الخيال الشعري عند العرب)، و(دراسة وافية عن الأدب في جميع عصوره)، و(آثار الشابي)، و(مذكرات)[١]


مناسبة قصيدة قلت للشعر

قصيدة عمودية من البحر الخفيف كتبت عام 1928م، وتندرج تحت المجال الفني والثقافي، والشاعر من خلال قصيدته هذه يخاطب الشعر، ويكشف علاقته الوطيدة به، ويتدرج الخطاب في القصيدة من خطاب القلب، إلى العمر، إلى الوجود.


الأفكار الرئيسية في قصيدة قلت للشعر

  • الأبيات من 1 إلى 7 الشعر والقلب
  • الأبيات من 8 إلى 18 الشعر والعمر.
  • الأبيات من 19 إلى نهاية القصيدة الشعر والوجود


شرح قصيدة قلت للشعر

يستهل الشاعر قصيدته موجهًا حديثه إلى الشعر؛ فالشعر قطعة من قلب الشاعر يتغنى بها، ويطرب، ويسعد، والشعر قطعة وجزء لا يتجزأ من وجود الشاعر في هذا العالم، فالشاعر يجد الشعر يخفق في جوانحه، وفي صدره شوقًا، ومشاعر تفيض بالحنين الأبدي إلى سر الوجود فحبّه للشعر باقٍ في هذا الوجود، والشاعر يجد من خلال السعر تعبيرًا عن الخواطر، والمشاعر من عواطف مختلفة بكاءً كانت، أو نشيد الفرح، وبالشعر يعبر الشاعر عن مشاعره، وعواطفه بما فيها من وجومٍ، وهو الصّمت الذي يسوده الحزن والقلق، كما يعبر الشاعر عن سروره، وفرح عهيدٍ قديمٍ، وعتيقٍ.


ومن خلال الشعر يعبر الشاعر عن سواد عالمه السرمدي الدائم الظلام، وهو يريد أن يشير إلى سواد أيامه وأحزانه وآلامه، كم يعبر عن ولادة صباحٍ مشرقٍ بالأمل والسرور، وهي صورة فنية بأنّ شبه الشاعر الصباح بالوليد الحديث الولادة، كذلك يخاطب الشاعر الشعر بما فيه من تعبيرٍ عن عوالم الشاعر الضبابية، والسرابية المضطربة التي ترمز إلى عدم وضوح الرؤية، وبما فيه من يقظةٍ، ووضوحٍ للرؤية، وهجود المصلي في الليل، فالشاعر يريد أن يقول بأن الشعر يعبر عن خلجاته وإضراباته، كما يعبر بوضوحٍ عن رؤياه. فيقول الشاعر مخاطبًا الشعر من القلب:[٢]



أنتَ يا شِعْرُ فلذةٌ مِنْ فؤادي تَتَغَنَّى وقِطْعةٌ مِنْ وُجُودي فيكَ مَا في جوانحي مِنْ حنينٍ أبديٍّ إلى صميمِ الوُجُودِ فيكَ مَا في خواطري مِنْ بكاءٍ فيكَ مَا في عواطفي مِنْ نشيدِ فيكَ مَا في مَشَاعري مِنْ وُجُومٍ لا يُغَنِّي ومِنْ سُرورٍ عَهيدِ فيكَ مَا في عَوَالمي مِنْ ظلامٍ سَرْمديٍّ ومِنْ صباحٍ وَليدِ فيكَ مَا في عَوَالمي مِنْ ضبابٍ وسرابٍ ويقظةٍ وهُجُودِ



ثم ينتقل الشاعر إلى خطاب الشعر، والحديث عن العمر المنقضي، ففي الشعر يجد طفولته بما فيها من سلامٍ، وطمأنينةٍ، وسعادةٍ، وابتسامٍ، وغبطةٍ، وهي النعمة، وحسن الحال والمسرّة، وفي الشعر شيبةُ الشاعر بما فيها من شوقٍ، وحنينٍ، وشجنٍ، وحزنٍ، وبهجةٍ، وسرورٍ، أو حتى جمود للمشاعر، في الشعر يعانق الربيع قلب الشاعر، وتنحني السنابل، والورود حيث صور الشاعر من خلال شعره يستطيع أن يعانق الربيع قلبه، وفؤاده كأنه شخص يعانق القلب فتنحني السنابل الورود، حينها يغني الصباح أنشودة الحب على عمر الشباب الجميل السعيد، وكأنه من خلال الشعر يستطيع أنْ يجعل الصباح منشدًا يتغنى بالشباب، وبربيع العمر الجميل، وهي صورة فنية جميلة.


ثم إنه من خلال الشعر يستطيع شاعرنا الشابّي أنْ يجني من صيف أحلامه ألذ ثمار الخلود الباقية، وهي صورة فنية جميلة فالشاعر يشبه الأحلام بثمار الصيف التي يستطيع قطفها من خلال الشعر، وفي الشعر يبدو خريف أيام الشاعر مملًا باهتًا لا لون فيه عاري الغصن لا ورق فيه يبدو غصنًا ناعمًا أملسًا وكأن الأيام حللته، وأخذت منه رونقه، وألبسته حزنًا داميًا، والشاعر يصوّر الحزن كالجرحِ الدامي الذي ينزف دماءً، وقد غطته الغيوم السود، وكأنَ هذه الغيوم تغطي بالسواد ذلك الجرح النازف.


وفي الشعر يمشي شتاء الشاعر الباكي الحزين وهي صورة فنية لما جعل الشتاء باكيًا حزينًا، وفي الشعر ترغي أصوات الصواعق، والرعود بكلامٍ غير مفهوم، كما تجف الزهور في قلب الشاعر الساهر في سواد الليالي، وتهوي لتسقط إلى عمقٍ سحيقٍ، والشاعر يسقط من مشاعر عمره المنقضي من الطفولة وحتى الشباب على عناصر الطبيعة من صيفٍ، وربيعٍ، وخريفٍ، وشتاءٍ، يقول الشاعر في الشعر والعمر:[٢]



فيكَ مَا في طفولتي مِنْ سلامٍ وابتسامٍ وغبطةٍ وسُعودِ فيكَ مَا في شبيبتي مِنْ حنينٍ وشجونٍ وبَهْجةٍ وجُمودِ فيكَ إن عانقَ الرَّبيعُ فؤادي تتثنَّى سَنَابِلي وَوُرُودي ويغنِّي الصَّباحُ أُنشودَةَ الحبِّ على مَسْمَعِ الشَّبابِ السَّعيدِ ثُمَّ أَجْني في صيفِ أَحلاميَ السَّاحِرِ مَا لَذَّ من ثمارِ الخُلودِ فيكَ يبدو خريفُ نَفْسي مَلُولاً شاحِبَ اللَّوْنِ عاريَ الأُمْلودِ حَلَّلته الحَيَاةُ بالحَزَنِ الدَّا مي وغَشَّتْهُ بالغيومِ السُّودِ فيكَ يمشي شتاءُ أَيَّاميَ البا كي وتُرغي صَوَاعقي ورُعُودي وتَجِفُّ الزُّهورُ في قلبيَ الدَّا جي وتهوي إلى قرارٍ بعيدِ



ويتابع الشاعر خطابه الموجّه إلى الشعر الذي فيه يعّبر عن قصة حياته، وسرّ وجوده فالشعر يعكس صورة وجود الشاعر، وتفاصيل حياته وأيّامه، ويعبّر الشابّي عن نفسه فهو لولا وجود الشعر في حياته لما تحمّل مشقة الحياة، وصعوبة العيش، ولما تحمّل الابتعاد، والفراق عن الصباح السعيد، والشاعر يرمز للصباح بالأيام السعيدة المشرقة، فشعره هو ما أخذه الشاعر، وحصل عليه في كهوف الليالي(صورة فنية؛ حيث جعل لليالي كهوفًا ومغاور)، ويقصد بكهوف الليالي هي الأيام السوداء، وأيام المعاناة والألم.


ومن الشعر تصفح كتاب الخلود، وسر الحياة الكامنة وراء الشعر، ففي الشعر ما في الوجود من سواد الليالي الحالكة المظلمة، كما في الشعر نور وضياء بعيد المدى، وفي الشعر وجد حلو النغم، والموسيقى العذبة، كما فيه من ضجيجٍ، وأصواتٍ مضطربة شديدة. فيقول الشاعر مخاطبًا الشعر سر الوجود:[٢]



أَنْتَ يا شِعْرُ قصَّةٌ عن حياتي أَنْتَ يا شِعْرُ صورةٌ مِنْ وُجودي أنا لولاكَ لم أُطقْ عنتَ الدّهر ولا فرُقَة الصّباحِ السعيدِ أَنْتَ مَا نلتُ من كهوفِ اللَّيالي وتصفَّحتُ مِنْ كتابِ الخلودِ فيكَ مَا في الوُجُودِ مِنْ حَلَكٍ دا جٍ وما فيه مِنْ ضياءٍ بعيدِ فيكَ مَا في الوُجُودِ مِنْ نَغَمٍ حُلْوٍ وما فيه من ضجيجٍ شَديدِ



ولقراءة شرح وتحليل المزيد من قصائد الشاعر أبي القاسم الشابي: قصيدة أحلام شاعر.


المراجع

  1. إميل يعقوب (2004)، معجم الشعراء منذ عصر النهضة المجلد الأول (الطبعة 1)، بيروت:صادر، صفحة 53-54، جزء 1.
  2. ^ أ ب ت أبو القاسم الشابي (1997)، ديوان أبي القاسم الشابي، بيروت:العودة، صفحة 214-218.