قصيدة قصر البديع

تعود قصيدة قصر البديع للشاعر عبد العزيز الفشتالي، وهو شخصيّة بارزة في تاريخ الأدب المغربي ويكنى بأبي فارس، ولد سنة بضعٍ وخمسين وتسعمئة هجرية في بلاد فشتالة، حفظ القرآن، وشدَا طرفًا من العلم في بلاده يمّم مدينة العلم (فاس) حيث لزم مجالسة علمائها، كما أخذ عن علماء مراكش، وبرع في علوم الأدب براعةً تامة، وامتاز بنبوغه في الكتابة والشّعر، واستطاع في سنٍ مبكرة أن يتبوأ مقعد وزارة القلم في بلاط المنصور، وتوفي الفشتالي عام 1032هـ، وخلّف وراءه مجموعة من المؤلفات من أهمها مناهل الصفا، ومقدمة في ترتيب ديوان المتنبي.[١]


لمحة عن قصيد قصر البديع

تعتبر قصيدة قصرالبديع من أجمل ما قالها الفشتالي، فقد أبدع الشاعر في نسجها، وفي موضوعها أيّما إبداع، فقام بأنسنة قصر البديع، وجعل الشعر يتدفّق على لسان قبته الخمسينية، وباقي أجزائه، ومكوناته العمرانية مانحًا إيّاه الحياة، والحركة في فضاءٍ شعري جميلٍ وعذب، وهي قصيدة عمودية ذات وحدةٍ موضوعية، وقافيةٍ، ورويٍّ واحد، وكان الغرض منها وصف عظمة، وجمال معلمٍ تاريخي، هو قصر البديع في مدينة مراكش الذي بناه المنصور السّعدي في فترة السلطة السعدية.


الفكرة العامّة في قصيد قصر البديع

وصف جمال، وعظمة، وروعة قصر البديع.


الأفكار الرّئيسية في قصيدة قصر البديع

  • وصف نقوش قصر البديع.
  • مقارنة قصر البديع بقصريّ خورنق، وسدير في الكوفة.
  • وصف بركتي ماء قصر البديع، وتماثيلها.
  • وصف أرضية القصر.
  • وصف جمال قصر البديع، وهو محاط بالحدائق، والرياض، والبساتين.
  • فخر الشاعر بالمنصور السعدي، وصفاته.


شرح قصيدة قصر البديع

يتباهى الشاعر في وصف جمال، وبهاء، وعظمة قصر البديع في مراكش؛ فالبهو وهو السّاحة الواسعة، هو بهو ليس له نظير، ولا شبيه في جماله، وهو مشرق كأنه البستان والروض، وقد رصفت، ونُظمت، واصطفت النقوش في هذا القصر كأنها قلائد، وعقود ضُمت، وقد التصقت في أعناق الحور الحسان، ويشبهها بسبائك الذهب، وقد تخللتها نقوش، وفضة، وشبه ترابها بالكافور الزكي الرائحة، ثم يصف أرضية القر كأنها ديباج، وحرير، وزاد جمالها بالأشجار الخضر، ويشبه الشاعر قرارة الأرض كأنها ديباجة من حرير، وهي مشجرة بالأشجار كأن الحرير مطرزٌ بالأشجار، وهنا يكمن جمال التصوير.فيقول الشاعر واصفًا ذلك:[٢]


لِلَّهِ بَهـــوٌ عَـــزَّ مِــنــهُ نَــظــيــرُ لَمّــا زَهـا كَـالرَوضِ وَهـوَ نَـضـيـرُ رُصِـفَـت نُـقـوشُ بُـنـاهُ رَصفَ قَلائِدٍ قَـد نَـضَّدَتـهـا في النُحورِ الحورُ فَـكَـأَنَّهـا وَالتِـبـرُ سـالَ خِلالَها وَشــيٌ وَفِــضَّةــُ تُــربِهــا كــافــورُ وَكَـــأَنَّ أَرضَ قَـــرارِهِ ديــبــاجَــةٌ قَـد زادَ حُـسـنَ طِـرازِهـا تَـشـجـيرُ وَإِذا تَــصَــعَّدَ قَــدُّهُ نَــوءاً فَـفـي أَنـــمـــاطِهِ نـــورٌ بِهِ مَـــمــطــورُ



ثمّ يقارن الشاعر جمال قصر البديع فهو في منزلة قصري خورنق، وسدير في الكوفة، فإذا تجولت في نظرك في نواحيه، وجنباته، يرتد، ويعود وهو محبوس بجماله وحسنه، ثم

يأخذنا ليصوّر مشهد البركتين، والموج يتحرك فيهما حركات متموجة كأنها حركات سجف صافحته دبور، والسجف هو الخصر الدقيق للمرأة، ومياه البركتين صافية وعذبة كأنها الفضة، وعلى ضفتها تماثيل من الفضة ملأت النفوس بجمال فنّها وبديع صورتها، وكأن الماء الصّافي الزلال كخمرةٍ معتقةٍ تنسكبُ من البركتين فتتسرب إلى الأرواح السعادة والسرور، وهنا يشبه مياه البركتين، وجمال انسكابها، وسحر منظرها بالخمرة التي تشعر الإنسان بالنشوة والسعادة، ما بين تماثيل الأسود يهيج زئيرها؛ أي كأنّ صوت خرير الماء كما الزئير، والصّفير لهذه الأسود والأساود، ثم يصوّر لنا الشاعر منظر البركتين كيف امتد الماء بهما، كما الأنهار فبدت أرضية البركتين كزجاجةٍ نقية صافية كالزجاج، وقد ظللها فضاء مشع النور والضياء، وقد راق الماء وصفى، وهدأت حركة الموج فظهرت حجارتها الصغيرة في القاع، وبدت فقاعاتها على السطح؛ كأنها اللؤلؤ المنشر على الماء، فيا لجمال منظره، وحسنه وبهائه، وقد فاخر، وباهى بجماله النجوم في أفق السماء وهي منيرة، وسر الجمال في حسن التصوير.

يقول الشاعر:[٢]


شَـأوُ القُـصـورِ قُـصورُها عَن وَصفِهِ سِــيّــانِ فــيــهِ خَــوَرنَــقٌ وَسَـديـرُ فَـإِذا أَجَـلتَ اللَحـظَ فـي جَنَباتِهِ يَــرتَــدُّ وَهــوَ بِــحُــسـنِهِ مَـحـسـورُ وَكَــأَنَّ مَـوجَ البِـركَـتَـيـنِ أَمـامَهُ حَــرَكــاتُ سِــجـفٍ صـافَـحَـتـهُ دَبـورُ صُــفَّت بِــضِــفَّتـِهـا تَـمـاثِـلُ فِـضَّةٍ مَـلَكَ النُـفـوسَ بِـحُـسـنِهـا تَـصويرُ فَـتُـديـرُ مِـن صَفوِ الزُلالِ مُعَتَّقًا يَـسـري إِلى الأَرواحِ مِـنـهُ سُرورُ مـا بَـيـنَ آسـادٍ يَهـيـجُ زَئيـرُهـا وَأَســاوِدٍ يُــســلي لَهُــنَّ صَــفــيــرُ وَدَحَـت مِـنَ الأَنـهـارِ أَرضَ زُجاجَةٍ وَأَظَــلَّهــا فَــلَكٌ يُــضــيءُ مُـنـيـرُ راقَـت فَـمِـن حَـصـبـائِهـا وَفَـواقِعٍ يَـطـفـو عَـلَيها اللُّؤلُؤُ المَنثورُ يــا حُـسـنَهُ مِـن مَـصـنَـعٍ فَـبَهـاؤُهُ بـاهـى نُـجـومَ الأُفـقِ وَهـيَ تَنورُ



ثم ينقل لنا مشهدًا ساحرًا للرياض، والبساتين الغنّاء المحيطة بالقصر، فأينما نقّلت ناظريك، وتلّفّتَ حولك ترى كواكب وبدور، حيث شبه الأزهار، والرياض بالكوكب والبدور لجمالها، وروعة صورتها البديعة المنظر، ثم يدخل الشاعر إلى موضوع الفخر بالإمام المنصور السعدي، الذي تصدّر مجلس القصر فخرًا بين الناس، حفيد من نسل النبي صلى الله عليه وسلم، من سلالته الشريفة، ويذكر صفاته فقد حقن الدماء، وهي كناية عن الأمن والأمان الذي ساد في حكمه، وهو عفيف قدير المنزلة، ثمّ يشبهه بالبحر الندي المتموّج، وقد سل سيفه على الظلمة والأعداء، وينهال الشاعر في مدحه، وفخره للمنصور فيجعله طودًا، وهو الجبل العظيم الوقور الحليم؛ فالممدوح كأنه جبل عظيم، ويصف هذا الجبل بأنه وقور وحليم، ثم يشبه جيش المنصور يوم المعركة والنزال بجبلٍ عظيم، وهو جبل ثبير الواقع بين مكة وعرفة، ويدعو الشاعر للإمام بالبقاء، وطول العمر، ودوام المجد ليكون مجد المنصور عاليًا كأنه طوق مُحكَمٌ، مزرورٌ على أعناق العلى، وهنا يكمن جمال الصورة الفنية بأن جعل المجد كالطوق، وكذلك يصف لنا الفتوحات، والبشائر، والانتصارات، التي قدّمها المنصور فظلّ لواؤه عاليًا مرفرفًا، وجرت الاحتفالات بالنصر. فيقول:[٢]


وَكَــأَنَّمـا زَهـرُ الرِيـاضِ بِـجَـنـبِهِ حَــيــثُ اِلتَــفَــتَّ كَــواكِـبٌ وَبُـدورُ وَلِدَســتِهِ الأَســمـى تَـخَـيَّرَ رَصـفَهُ فَـخـرُ الوَرى وَإِمـامُهـا المَنصورُ مَـلكٌ أَنـافَ عَـلى الفَـراقِدِ رُتبَةً وَأَقَــلَّهُ فَــوقَ السِــمــاكِ سَــريــرُ قُـطـبُ الخِـلافَـةِ تاجُ مَفرِقِ دَولَةٍ رُمِـيَـت بِـجَـحفَلِها اللُهامِ الكورُ وَجَرى إِلى أَقصى العِراقِ لِرُعبِها جَـيـشٌ عَـلى جِـسـرِ الفُـراتِ عَـبـورُ نَجلُ النَبِيِّ اِبنُ الوَصِيِّ سَليلُ مَن حَــقَـنَ الدِمـاءَ وَعَـفَّ وَهـوَ قَـديـرُ بَــحــرُ النَــدى لَكِــنَّهُ مُــتَـمَـوِّجٌ سَــيــفُ العُــلى لَكِــنَّهُ مَــطــرورُ طَـــودٌ يَـــخِـــفُّ لِحِـــلمِهِ وَوَقــارِهِ وَلِجَــيــشِهِ يَــومَ النِـزالِ ثَـبـيـرُ دامَــت مَــعــاليــهِ وَدامَ وَمَـجـدُهُ طَــوقٌ عَــلى جـيـدِ العُـلى مَـزرورُ وَتَـعـاهَـدَتـهُ مِـنَ الفُـتوحِ بَشائِرٌ يَـغـدو عَـلَيـهِ بِها المَسا وَبُكورُ مــا دامَ مَـنـزِلُ سَـعـدِهِ يَـرتـادُهُ نَــصــرٌ يَــرِفُّ لِواؤُهُ المَــنــشــورُ وَجَــرَت بِهِ مَــرَحــًا جِـيـادُ مَـسَـرَّةٍ وَأَدارَ كَـأسَ الأُنـسِ فـيـهِ سَـمـيرُ



وللاطلاع على تحضير المزيد من القصائد: تحضير قصيدة في مدخل الحمراء، تحضير قصيدة ليل وصباح.

المراجع

  1. عبد الله كنون (2010)، ذكريات مشاهير رجال المغرب في العلم والأدب والسياسة (الطبعة 1)، صفحة 1224-1235، جزء 1. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت عبد العزيز الفشتالي، ديوان عبد العزيز الفشتالي، صفحة 40-41.