قصيدة في مدخل الحمراء

تعود قصيدة مدخل إلى الحمراء للشّاعر السّوري نزار قبّاني الّذي ولد في دمشق سنة 1923م، لعائلة دمشقيّة عريقة، وتخرج من كليّة الحقوق، وعمل في السّلك الدّبلوماسي في كلٍّ من القاهرة، وتركيّا، ولندن، وبيروت، والصّين، وإسبانيا، ثمّ ترك العمل وتفرّغ للشّعر، وله من الشّعر الكثير، ومن دواوينه: ديوان (قالت لي السّمراء)، وديوان (أنتِ لي)، وديوان (قصائد متوحشة)، وغيرها، عُرف عنه بأنه شاعر المرأة والحب، توفي في لندن، ودُفن في دمشق عن عمر يناهز 75 عامًا، قضى 50 عامًا منها بين الفنِّ، والحبِّ، والغضب.[١]


مناسبة قصيدة في مدخل الحمراء

كتب نزار قباني هذه القصيدة، وهو في إسبانيا لمّا التقى عند مدخل قصر الحمراء بفتاةٍ إسبانية تفخر بتراث أجدادها وحضارتهم، مما أثار لدى الشاعر مشاعر الحزن على ماضي العرب العريق في الأندلس، فاستحضر لنا الشّاعر أمجاد العرب في الأندلس الأصيل، بطابعٍ قصصيٍّ جميل.


الفكرة العامّة لقصيدة في مدخل الحمراء

تتغنى القصيدة بقصر الحمراء، وتتحدث عنه، وتصفه.


الأفكار الرّئيسية لقصيدة في مدخل الحمراء

  • البيتان من 1 إلى 2 اللقاء بين الشاعر، والفتاة في مدخل الحمراء، ووصف الفتاة.
  • الأبيّات من 3 إلى 6 استحضار لأمجاد العرب، والأمويين في الأندلس.
  • البيتان من 7 إلى 8 استحضار الشاعر نزار قباني لذكرياته الدّمشقية؛ حيث كان منزله في وطنه.
  • البيتان من 9 إلى 10 الحوار الذي دار بين الشّاعر، والفتاة الإسبانية.
  • البيتان من 11 إلى 12 الشاعر يصف شعر الفتاة، وقرطها، وجيدها.
  • البيتان من 13 إلى 14 افتخار الفتاة بأجدادها، وحضارتهم.
  • البيت 15 حزن الشّاعر، وحسرته على أمجاد العرب، وحضارتهم في الأندلس.
  • البيت 16 أمنية الشّاعر بأن تعلم الفتاة بأنّ لهما نفس الأجداد.
  • البيت 17 استحضار صورة القائد طارق بن زياد.


شرح قصيدة في مدخل الحمراء

استهل الشّاعر نزار قباني قصيدته حيث التقى الفتاة الإسبانية في مدخل قصر الحمراء في غرناطة في الأندلس، وهو يتعجّب من جمالِ هذا اللّقاء فما أطيبه من لقاء، وما أجمله من لقاء بالصّدفة، ومن غير موعدٍ، ثمّ يبدأ بوصف جمال الفتاة الإسبانية بعيونها السوداء السّاحرة الجميلة التي تحملك إلى مساحاتٍ، وأبعادٍ إلى الشرق والغرب، ويريد بذلك بأنّ جمال سواد عيون الفتاة حملت ملامح عربيّة، وأعادت عجلة التّاريخ أبعادًا وآفاقًا إلى أبعد ما يكون.


ثمّ يجيء بعد وصف السحر الشرقي للعيون سؤال الشاعر للفتاة بتعجبٍ، واستغرابٍ عن أصلها إذا كانت إسبانيّة، فأجابته بأنها إسبانية، وأكدت له بأنها ولدت في غرناطة، وذلك لتؤكد له على جذورها وأصلها، فتأخذه عيون الفتاة إلى الوراء دهرًا، كما أخذته مدينة غرناطة الأندلسية إلى الوراء سبعة قرون لتاريخ العرب في الأندلس، فصحت في ذاكرته ذكرياتٌ نائمة أيقظتها سحر عيون الفتاة الإسبانية، ذات الملامح العربيّة، وأيقظتها جمال مدينة غرناطة الأندلسية، وأخذت ذاكرة الشّاعر تستحضر أمجاد العرب في غرناطة والأندلس، لمّا كانت رايات بني أميّة ترفرف مرفوعةً في سماء المدن التي فُتحت في الأندلس، كما يستحضر أمجاد بني أمية، وخيولهم الأصيلة، وجيوشهم الجرارّة التي بجهودهم فتحت مدن الأندلس، وفي نفسه شيء من الحزن، والتّحسر على هذه الأمجاد والسنين التي مضت. فيقول الشاعر واصفًا ذلك:[٢]


في مدخلِ الحمراءِ كان لِقاؤنا ما أطـيبَ اللُّقـيا بلا ميعاد! عينانِ سوداوانِ في حَجْرَيْهِما تتوالـدُ الأبعادُ مـن أبعـادِ هلْ أنتِ إسبانية ؟ ساءَلْـتُها قالت: وفي غِـرناطة ميلادي غرناطةٌ؟ وصَحَتْ قرونٌ سبعةٌ في تَيْنِـكِ العينينِ بَعدَ رُقادِ وأُمـيَّةٌ راياتـُها مرفوعـةٌ وجيـادُها موصـولةٌ بجيـادِ



ثمّ يتعجب الشاّعرُ من السنوات التي مضت مستغربًا كيف أعاده التّاريخ لحفيدة سمراء من أحفاده، فرأى من خلال جمالها ملامح التاريخ العربي، وملامح من أجداده العرب، ثمّ يستحضر الشاعر بجمال الفتاة جمال منزله القديم في مدينة دمشق القديمة، وغرفته التي ينام فيها، وقد رتبتها له أمّه، ومدت له السرير ليرتاح، ثم يصف الياسمينة الدمشقية النّاصعة البياض التي ترصعت وتزينت بالنجوم، وهنا يشبه الشاعر نزار قباني أزهار الياسمين بالنّجوم فصور النّجوم بالجواهر، وصوّر الياسمينة ثوبًا مرصعًا بهذه النجوم، فنلحظ جمال التصوير وبديع النسج، ثم يرى ويستحضر في حسن الفتاة البركة الدمشقية الذهبية؛ فالماء ينساب فيها ذهبيًا، ويترقرق فيها بصوتٍ عذب، وكأنّ البركة تنشد أعذب الأناشيد والألحان.


وهنا تبدأ الفتاة الإسبانية بالسؤال عن دمشق أين تكون؟ فيجبها الشاعر بأن دمشق تتمثل في صورتها ذات الملامح العربية، والشعر الأسود المنساب كأنه نهر، في صورة وجهها ذي الملامح العربية، وفي صورة ثغرها، وفي فمها المشرق، الذي يختزن شموس موطنه العربي، حيث صور ثغرها كالمخزن الذي يختزن الشموس، وصور هذه الفتاة، وهي تسير، وتمشي معه في مدخل قصر الحمراء فهي فتاة جميلة بهية الطلّة، وخصال شعرها تنساب وتركض خلفها كالسنابل الممتلئة التي عصفت بها الريح دون حصاد، يريد الإشارة إلى جمال شعرها؛ طوله وغزارته، وكان القرط الطويل المتدلي على عنقها يلمع كما الشموع في ليلة الميلاد، يريد الإشارة إلى صفات الحسن عند المرأة ومنها العنق الطويل، وقد شبّه الشاعر القرط، ولمعانه وضياءه بلمعان الشموع في ليلة الميلاد، فكأنّ جمال الفتاة بقرطها اللامع أوحى للشّاعر بجمال، وسحر ليلة الميلاد. فيقول الشاعر:[٢]


ما أغربَ التَّاريخَ كيفَ أعادني لحفيـدةٍ سـمراءَ مِن أحفادي! ورأيتُ منـزِلَنا القديمَ وحُجْرَةً كانـتْ بها أُمِّي تَمُدُّ وِسـادي واليـاسمينةَ رُصِّعَـتْ بنجومها والبِرْكـَةَ الذَّهبيَّـةَ الإنشـادِ ودمشق أين تكونُ؟ قلتُ ترَيْنَها في شعـرِكِ المُنْساب نهرَ سَوادِ في وَجْهِكِ العربيِّ في الثَّغر الَّذي ما زال مُخْتَـزِنًا شُمـوسَ بلادي سارَتْ معي والشَّعرُ يَلْهَثُ خَلْفَها كسنابـلٍ تُرِكَـتْ بِغَيْـرِ حصادِ يتألَّـقُ القُـرطُ الطَّـويلُ بجيدِها مثـلَ الشُّموعِ بليلـةِ الميـلادِ



ثمّ ينتقل من وصف جمال الفتاة، إلى وصف الحمراء، فزخارفها، ونقوشها التي كادت أن تنبض بالحياة لسحرها، وجمال صُنعها، حتى أنّ الزركشات المرسومة، والموجودة على سقوف الحمراء كانت تنادي، وتستصرخ أمجاد، وتاريخ مَن بناها من الأجداد العرب، وهنا يلجأ الشاعر إلى التشخيص، والأنسة فيجعل للنقوش نبضًا وحسًا، ويجعل للزركشات صوتًا ينادي، وجمال التصوير يكمنُ في تشخيص الصورة للقارئ، ثم تقول الفتاة مُعرفةً عن قصر الحمراء بأنه فخر أمجاد أجدادها، وأنّ جدران الحمراء بناها أجدادها، وهي تنسبُ البناء، والأمجاد إلى أجدادها الإسبان، وهنا يستغرب الشاعر من الفتاة كيف نَسبت هذا المجد لأجدادها الإسبان، ويحبس قباني دمعةً شجيةً في عينيه؛لأنها أنكرت أنها أمجاد عربية، ويمسح عن جرح الأندلس السليب، وخروج العرب من الأندلس، وجرحهم الذي ما زال إلى يومنا ينزف، ويسأل نفسه كيف تكون أمجادها، وهي أمجاد العرب والمسلمين، ويا ليت هذه الجميلة تركت لي المجال لعرفت، وأدركت أنّ ما تتحدثُ عنه هي أمجاد المسلمين العرب، وليست أمجاد أجدادها، ثمّ يودع الشاعر قصر الحمراء، وتلك الفتاة فكأنما عانق طارق بن زياد، ذلك الرجل البطل الذي فتح الأندلس، وبنى حضارتها. فيقول الشاعر:[٢]


الزُّخـرُفاتُ أكادُ أسمعُ نبَـْضَها والزَّرْكشاتُ على السُّقوفِ تُنادي قالتْ: هنا الحمراءُ زَهْوُ جدودنا فاقـرأْ على جُـْدرانِها أمجـادي أمجادُها! ومَسحْتُ جُرْحًا نـازِفًا ومَسحْتُ جُرْحًا ثانيـًا بفُـؤادي يا ليت وارثتي الجمـيلة أدركـتْ أنَّ الَّـذين عَـنَتْـُهمُ أجـدادي عانـقت فيهـا عنـدما ودَّعْتُها رجلًا يُسمـى "طـارق بن زياد"



العاطفة في قصيدة في مدخل الحمراء

ظهرت العواطف الآتية في القصيدة، وهي:

  • عاطفة إعجاب الشاعر، وافتخاره بأمجاد العرب والمسلمين.
  • عاطفة حزن، وتحسّر على زوال، وخروج العرب، والأجداد من الأندلس.
  • عاطفة غضب، وحزن، وحسرة؛ بسبب إنكار الغرب للحضارة العربية الإسلامية في الأندلس.


وللاطلاع على تحضير المزيد من القصائد: قصيدة غرناطة، قصيدة فلسطين روحي.

المراجع

  1. حنا الفاخوري (1986)، الجامغ في تاريخ الأدب العربي الحديث (الطبعة 1)، بيروت:الجيل، صفحة 686.
  2. ^ أ ب ت هيام العبسات وليلى دردس و أحمد هزايمة (2017)، اللغة العربية الصف الثامن الجزء الثاني المملكة الأردنية الهاشمية (الطبعة 2)، عمان/الأردن:وزارة التربية والتعليم، صفحة 43، جزء 2.