قصيدة صن النفس

تعود قصيدة صُن النفس لأمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشيّ، المولود في مكّة، والذي تربى في حجر النبي صلى الله عليه وسلّم ولم يفارقه، وهو أول مَن آمن بعد خديجةٍ رضي الله عنها، وابن عمي النبي صلّى الله عليه وسلّم، وصهره، وزوج فاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، وأبو الحسن والحسين، ورابع الخلفاء الراشدين، وهو أحد المبشرين في الجنّة، ومن أكابر الخطباء والعلماء بالقضاء، وقد كان فصيح اللسان، بليغ الكلام، وله خطب مشهورة جُمعت في نهج البلاغة.[١]


لمحة عن قصيدة صُن النَّفس

هي قصيدة عمودية من نظام الشطرين، تتحدّث عن القيم الإسلامية، وهي ذات بُعدٍ توجيهي، وتندرج تحت غرض النصائح والحكم، وفيها يدعو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى مجموعةٍ من النصائح والحكم المتعلقة بحياة الفرد، والمجتمع، وصيانة النّفس عن الرذائل، وتزيينها بالفضائل.


الفكرة العامّة لقصيدة صُن النفس

توجيه مجموعة من النّصائح والحكم والمواعظ، والدّعوة إلى حفظ، وصيانة النفس، وتجنب الرذيلة والوقوع في الخطأ، وتزيين النفس بالفضائل، والأخلاق النبيلة الّتي دعا إليها الإسلام.


الأفكار الرّئيسية في قصيدة صُن النفس

  • الأبيات من 1-4 الدعوة إلى صيانة النّفس، وتعويد النّفس على الأخلاق الفاضلة، والصّبر على الآفات، وضيق الرّزق.
  • الأبيات من 5-7 تحذير من الصّديق المنافق الذي يتخلى عنك في وقت الحاجة والضيق، فعزة النفس من أهم أسس الصحبة والصداقة.
  • الأبيات من 8-9 ذم آفات البخل، وتجنب الوعود الكاذبة.
  • الأبيات من 10-12 الدعوة، والحث على العلم، والرّزانة، وأهمية العلم للإنسان.


شرح قصيدة صُن النفسَ

يستهل الشاعر قصيدته بالدعوة إلى صون، وحفظ النفس الإنسانية عن الرذيلة، والدّعوة إلى تزيينها بالفضائل، والتحلي بمكارم الأخلاق الحميدة النبيلة؛ لأجل أن يعيش الإنسان سالمًا انطلاقًا من القيم الإسلامية، حتى يُقال فيه قولًا جميلًا، وبذلك يذكر الإنسان بحسن خلقه وفعله، ويدعونا الشاعر إلى الصبر، والتّجمّل به إذا ضاقت الحياة، ونبا الدهر، ولم يستوي العيش فيه، وابتعد وجفا الصديق صديقه، ويدعونا للجوء إلى الصبر إذا ضاق الرزق فعسى بالصبر أن تزول المصائب والصّعاب، وهنا يصور ضيق الحياة بالثوب الذي يضيق، وكذلك يشبه الرزق بالثوب إذا ضاق على الإنسان.


فقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه واصفًا ذلك:[٢]


صُنِ النَفسَ وَاِحمِلها عَلى ما يزيِنُها تَعِش سالِماً وَالقَولُ فيكَ جَميلُ وَلا تُرِينَّ الناسَ إِلّا تَجَمُّلاً نَبا بِكَ دَهرٌ أَو جَفاكَ خَليلُ وَإِن ضاقَ رِزقُ اليَومِ فَاِصبِر إِلى غَدٍ عَسى نَكَباتِ الدَهرِ عَنكَ تَزولُ



ثم يخبرنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن عزيز النفس فهو الغني وإن قلّ وشح ماله، في حين نرى أنّ ذليل النفس فقير وإن كثر ماله، وكان غنيًا بماله فلن يزيده المال إلا ذلًا، ولا خير في محبةٍ، وودٍ لإنسانٍ منافق متلونٍ يميل حيث تكون مصلحته، والشاعر يصف الإنسان المنافق بالمتلون؛ لأنه يغيّر من ألوانه، ويدعو إلى الابتعاد عن المنافق، والبخيل فهو كريم معك طالما ابتعدت عن ماله، ولكنه يتخلى عنك وقت الحاجة وعندما تلجأ إليه، فالأصدقاء والإخوان كثر في عددهم، ولكن وقت المصائب وحين النائبات والحاجة إليهم فهم قليل، وعند المصائب لا تجدهم.


يقول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه:[٢]


يَعِزُّ غَنِيُّ النَفسِ إِن قَلَّ مالُهُ ويَغنى غَنِيُّ المالِ وَهوَ ذَليلُ وَلا خَيرَ في وِدِّ اِمرِئٍ مُتَلَّونٍ إِذا الريحُ مالَت مالَ حَيثُ تَميلُ جَوادٌ إِذا اِستَغنَيتَ عَن أَخذِ مالِهِ وَعِندَ اِحتِمالِ الفَقرِ عَنكَ بَخيلُ فَما أَكثَرَ الإِخوان حينَ تَعدّهُم وَلَكِنَهُم في النائِباتِ قَليلُ



ثم يأتي على ذكر شر الآفات، وهي البخل، والمطل؛ والمقصود بالمطل المماطلة بالوفاء بالمواعيد، فلا خير في الوعد الكاذب الذي يجيء تكلفًا دون وفاء، وكذلك لا خير في قولٍ من غير فعلٍ، ثم يدعو إلى طلب العلم وأن يكون الإنسان ذا عقلٍ راجح مع علمه وإلا فذلك كمثل النعل لا فائدة منه دون رِجل تلبسه، وكذلك العلم لا فائدة منه من غير عقلٍ راجحٍ حسن التفكير، وكذلك إن كان الإنسان ذا عقلٍ، ولكن بلا علمٍ فهو كمثل الرجل بلا حذاء، وهو يشبه العلم بالحذاء الذي يرتديه الإنسان، والعقل بالرجل التي ترتدي هذا الحذاء، فالإنسان غمد لعقله، وعقله هو السيف، ولا خير للإنسان من غير عقلٍ وعلمٍ يعمل به؛ كمثل الغمد لا فائدة منه من غير نصل أو سيف، وسر الصورة وجمالها في التشبيه.


فيقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في ذلك:[٢]


إِذا اِجتَمَعَ الآفاتُ فَالبُخلُ شَرّها وَشَرٌّ مِنَ البُخلِ المَواعيدِ وَالمَطلُ وَلا خَيرَ في وَعدٍ إِذا كانَ كاذِباً وَلا خَيرَ في قَولٍ إِذا لَم يَكُن فِعلُ إِذا كُنتَ ذا عِلمٍ وَلَم تَكُ عاقِلاً فَأَنتَ كَذي نَعلٍ وَلَيسَ لَهُ رِجلُ وَإِن كُنتَ ذا عَقلٍ وَلَم تَكُ عالِماً فَأَنتَ كَذي رِجلٍ وَلَيسَ لَهُ نَعلُ ألا إِنَّما الإِنسانُ غِمدٌ لِعَقلِهِ وَلا خَيرَ في غِمدٍ إِذا لَم يَكُن نَصلُ



وللاطلاع على تحضير المزيد من القصائد: قصيدة فضل العلم، قصيدة مواساة ضرير.

المراجع

  1. د.علي محمد الصلابي (2005)، تاريخ الخلفاء الراشدين 4 سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضيس الله عنه شخصيته وعصره (الطبعة 1)، القاهرة:إقرأ، صفحة 21-23.
  2. ^ أ ب ت جمع وترتيب عبد العزيز الكرم (1988)، ديوان أمير المؤمنين علي بن أبيرضي الله عنه (الطبعة 1)، صفحة 157-158.