قصيدة غوطة دمشق
أنور العطار شاعرٌ سوري من أسرةٍ اشتهرت بما أنجبته من أعلامٍ كانوا فرسان الزمن في ميادين العلم والأدب، ولد في دمشق، ودرس في مدارسها، مارس التعليم في دمشق، وبغداد، والسعوديّة، فصُقِلًت موهبته، وكان وصّافًا مبدعًا، فغنّى الطبيعة أجمل القصائد وأعذبها، أحب العزلة، وفضل البعد عن السّياسة، فاقترب في نفسه من الشّعراء الرومانسيين، وله عدّة دواوين مطبوعة منها ديوان (ظلال الأيّام)، وديوان (ربيع بلا أحبّة)، وديوان (البواكير)، وديوان (أشواق)، وغيرها، وتوفي في دمشق سنة 1972م.[١]
مناسبة القصيدة
لطالما كانت الغوطة الدمشقية مصدر إلهامٍ للشعراء والأدباء، فهي تزخر بالخضرة والجمال، ومنها استمدّ الشعراء بديع قصائدهم، ونهلوا رحيقَ الجمال من ربيعها، وفي بساتينها استظلوا، وأبدعوا في نسج أجمل القصائد، وهذه القصيدة واحدة من أهم القصائد، وأعذبها، وجاءت على وصف هذه الغوطة الخضراء الّتي أحاطت بمدينة دمشق، وتظهر في هذه القصيدة عاطفة الشاعر الذاتيّة، وفيها يتلمّس الشّاعر أنور العطار الغوطةَ، ووصف طبيعتها، وسحرها مفتونًا بها مشيدًا بمحاسنها، وفي قلبه إعجاب، وحب لهذه الغوطة. والقصيدة عموديّة طويلة من ديوان (ظلال الأيام) جاء في مطلعها وصف لعالم الخضرة، والسحر والجمال، وما في الغوطة من فراشاتٍ، وأزهارٍ، ورياضٍ، ونسائم عليلة تنتشي النّفوس، وما فيها من أشجارٍ، وثمارٍ يانعة. يقول الشاعر:[٢]
عالمٌ من نضارةٍ واخضرار فاتنُ الوشيِ عبقريُ الإطار ضمّ دنيا من البشاشة والبش ـروما تشتهي منَ الأوطار من فراش على الخمائل حوّا مٍ وطيبٍ مع النّواسمِ سار وينابيع حُفَّل بالأغاريـ ـد تناجي بالسّاكب الهدّارِ وأقاصيص تُسكرُ القلبَ والرُّو حَ روتْها قيثارةُ الأطْيار وأغان مسلسلات رقاقٍ فاتنات سالت من الأوكار وأناشيد ردَّدتها السّواقي والتفاف الأنهَارِ بالأنهارِ وحقول بالزَهرِ مؤتلقات من أقاحٍ ونرجسٍ وبهار وتحاسين تأسرُ الطَّرف أسراً وتعاشيب حاليات النّثار ونسيمٍ يُنشي النّفوس نديٍّ أرج نافح الشذا معطار وثمار كأنَّها عبقُ الخلـ ـدِ عِذابٍ أحببْ بها من ثمار وصبايا من الغراس ندايًا قد نمتها عجائزُ الأشجار
الفكرة العامّة في القصيدة
التّغني بجمال الغوطة، وأثرها في نفس وذات الشّاعر.
الأفكار الرئيسية في القصيدة
- وصف جمال الغوطة.
- الغوطة مصدر إلهام، وسعادة الشاعر.
- وصف جمال الربيع.
- وصف جمال الطيور.
- وصف جمال ليل الغوطة.
شرح أبيات القصيدة
وصف جمال الغوطة:
شاعرنا يصور الغوطة كلوحةٍ فنيةٍ وروضةٍ غنّاء بالخضرة والجمال، فيراها معبدًا للجمال قد أبدعه الخالق بقدرته وسحره، وهي دنيا فاتنة الجمال والسّحر، وهي سلوى للهائمين، ونجوى وأحاديث للمحبين، حيث ترتاح الأوراح والأبصار، ونرى جمال التصوير حين تتغنى الحقول فرحًا غامرًا بهطول المطر، وتنتشي بالغيث والنّدى. فيقول واصفًا ذلك:[٣]
الغوطة مصدر إلهام وسعادة الشّاعر
ثم يخاطب الشّاعر الغوطة بأداة الخطاب أنتِ، وفيها أنسنة وتشخيص للغوطة، بالإضافة إلى ياء المتكلم التي لحقت بندائه للغوطة حين قال أنتِ يا غوطتي، وذلك للدلالة على مكانتها العزيزة في قلب الشّاعر، فغوطة دمشق موضع تقدير واحترام الشّاعر، فهي مصدر سعادته ومرتع ذكرياته، لقد ارتوى شاعرنا من فيض جمالها السّخي السّمح، وتغذت روحه منها فكانت وحيًا، وإلهامًا للشّاعر في الفكر، والأدب، وكتابة الشّعر، وبوجود هذه الغوطة الغنّاء أصبحت الحياة أمنية، وحلمًا ساحرًا بهيًّا كما الربيع الجميل دائم الخضرة حاملًا البشرى يجود بالخير والعطاء، ويعود ليخاطب الحديقة بأداة النداء، وشاعرنا يتغنى، وينشد أجمل القصائد لهذه الحديقة؛ لأنها مصدر إلهامٍ لأشعاره، وألحانه، وفيها سيعزف موسيقاه على أوتار هذه الحديقة الخلّابة المنظر، ثمّ يناجي الشّاعر الغوطة كأنّه يشخصها أيّما تشخيصٍ مبدعٍ فيناجيها، ويخبرها عن أسراره، وتطلّعاته، وآماله البرّاقة المليئة بالابتسامات والأفراح المشرقة؛ كابتسامة الثغور، وإشراقة الزهور، وقد انتشرت وفاحت روائح الطّيب وعبير الأزهار، وارتفعت وماجت إلى السماوات، ويبدع في تصوير الغوطة في الرّبيع؛ فيشبهها بالرّيحانة التي اهتزت، وتحركت ففاحت طيبًا وعطرًا في جنّةٍ ونعيمٍ يسحر الأبصار.فيقول أنور العطار واصفًا ذلك:[٤]
وصف الطيور في الغوطة
ينتقل الشّاعر من وصف جمال الغوطة وإلهامها له، إلى وصف الطيور والبلابل المنتشرة في يمينٍ ويسار البستان، ويصور بإبداعه الغوطة كأنّها لوحة فنية بهيّة المنظر، فأمامه الأشجار العظيمة، وقد تداخلت أغصانها، وتعانقت الأشجار كتعانق العذاري. فيقول:[٥]
ثمّ يخاطب الشّاعر البلبل الشّادي الذي يتيهُ حبًّا بهذه الغوطة، وبأشجارها العظيمة الوارفة الظلال كثيفة الأغصان، ويبقى هذا البلبل خليل التلال، والغابات، والبوادي لا يفارقها، ويتابع الشّاعر نجواه مع البلبل الشّادي فهو مَن يلجأْ إليه مخاطبًا عندما يشتد عليه الحزن والهم، ويضطرب فيه الشّجن والألم، فصوت البلبل نغمة، وموسيقاه شعور، وأمنيات جميلة، وفيض أنهار. فيقول أنور العطار:[٦]
وصف جمال ليل الغوطة
ينتقل الشّاعر إلى وصف ليل الغوطة الحلو الجميل، فلا يكتمل جمالها إلا بليلها، فليلها مزدهر مزيّن باللآلئ، ويقصد بها النجوم، وهنا شبّه الشّاعر النّجوم باللآلئ، وهذه النجوم كاللآلئ تشعُ نورًا كإشراقة الصّباح، ونرى جمال الصورة الفنية بقوله سافر الوجه فجعل لليل وجهًا جليًّا مشرقًا بالنجوم كإشراقة الصّبح، وهذا الليل قد ملأه الحبّ والحنين، وهو زاخر ٌ بالشوق، ولهيب الحب هو الأشد إضرامًا في القلب، فهذا الليل السّاحر قد أشعل مشاعر الحب والشوق التي لا تخمد نارها أبدًا، وقد تبدّى البدر بحسنه، ونوره، وتدلّى على الحقل فانتشرت مسرةً، وبشاشةً بهذه الأنوار البهيّة، فيا له من ليلٍ ساحر ظهرَ كشاعرٍ مبدعٍ غامضٍ خفي الأسرار، وسحيق الأعماق.فيقول:[٧]
ولقراءة شرح المزيد من القصائد: قصيدة زهور، قصيدة عروبة شاعر.
المراجع
- ↑ إميل يعقوب (2004)، معجم الشعراء منذ بدء عصر النهضة المجلد الأول، بيروت:صادر، صفحة 206، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ أنور العطار، ظلال الأيام، صفحة 14.
- ↑ أنور العطار، ظلال الأيام، صفحة 15.
- ↑ أنور العطار، ظلال الأيام، صفحة 15-16.
- ↑ أنور العطار، ظلال الأيام، صفحة 16.
- ↑ أنور العطار، ظلال الأيام، صفحة 16-17.
- ↑ أنور العطار، ظلال الأيام، صفحة 17.