قصيدة يا دار فوز

تعدّ قصيدة "يا دار فوز" إحدى القصائد التي نظمها شاعر الغزل العباس بن الأحنف، والذي يعد من أبرز شعراء العصر العباسي فيما يُعرف بالغزل العفيف، وقد نشأ في بغداد عاصمة الخلافة العباسية، والتي شهدت تطورًا حضاريًا كبيرًا ترك أثره عند العديد من الشعراء، خاصة في فن الغزل، إلا أنّ العباس بن الأحنف نأى عنها وكان ملتزمًا بالأخلاق، فقام شعره على العفة والطهارة، ومن الجدير بالذكر أنّه سخر حياته وموهبته الفنية في القول في الغزل، فدخل في قلوب العشاق معبرًا من خلال شعره عن حالتهم.[١][٢]


شرح قصيدة يا دار فوز

تقع قصيدة "يا دار فوز" في (22) بيتًا، أفصح العباس بن الأحنف من خلالها عن مشاعر الحب والهوى المختلجة في صدره تجاه محبوبته فوز، وما يرافقها من حزن وألم، إذ يبدو أنّ الفراق قد طبّق أحكامه بينهما، وفي العموم تم تقسيم القصيدة إلى عدة مقاطع فيما يأتي شرح موجز لها:


شرح المقطع الأول


يا دارَ فَوزٍ لَقَد أَورَثتِني دَنَفا وَزادَني بُعدُ داري عَنكُمُ شَغَفا حَتّى مَتى أَنا مَكروبٌ بِذِكرِكُمُ أُمسي وَأُصبِحُ صَبّاً هائِماً دَنِفا لا أَستَريحُ وَلا أَنساكُمُ أَبَداً وَلا أَرى كَربَ هَذا الحُبِّ مُنكَشِفا ما ذُقتُ بَعدَكُمُ عَيشاً سُرِرت بِهِ وَلا رَأَيتُ لَكُم عِدلاً وَلا خَلَفا



يستهل الشاعر القصيدة بمناداة محبوبته فوز ليخبرها عن حاله بعد فراقها الذي لم يزده إلا حبًا وولعًا بها، فقد أصابه المرض وأصبح حزينًا ومهمومًا طيلة الوقت، ولم يعرف طعم الراحة والسعادة في حياته بعد أن خرجت منها فوز، وهي عصية على النسيان وذكرها حاضر دائمًا، كما أنّ الشاعر لم يستطع أن يجد في حياته مثيلًا لها أو شخصًا آخر يعوضه غيابها، من المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • دَنَفا: مرض شديد.
  • شغفا: حب قوي.
  • دَنِفا: مريض.
  • عِدلا: المثيل والنظير.
  • خلفا: العوض والبدل.


شرح المقطع الثاني


إِنّي لَأَعجَبُ مِن قَلبٍ يُحِبُّكُمُ وَما رَأى مِنكُمُ بِرّاً وَلا لَطَفا لَولا شَقاوَةُ جَدّي ما عَرَفتُكُمُ إِنَّ الشَقِيَّ الَّذي يَشقى بِمَن عَرَفا ما زِلتُ بَعدَكُمُ أَهذي بِذِكرِكُمُ كَأَنَّ ذِكرَكُمُ بِالقَلبِ قَد رُصِفا يا لَيتَ شِعري وَما في لَيتَ مِن فَرَجٍ هَل ما مَضى عائِدٌ مِنكُم وَما سَلَفا اصرِف فُؤادَكَ يا عَبّاسُ مُنصَرِفاً عَنها يَكُن عَنكَ كَربُ الحُبِّ مُنصَرِفاً لَو كانَ يَنساهُمُ قَلبي نَسيتُهُمُ لَكِنَّ قَلبي لَهُم وَاللَهِ قَد أَلِفا



في هذا المقطع من القصيدة يُشير الشاعر إلى أنّه وبالرغم من الحب الكبير الذي منحه لفوز، إلا أنها لم تُبادله المشاعر نفسها، فيعبّر في لحظة ما عن ندمه على تعلّقه بها، وقد أصبح كالمجنون دائم الذكر لها، وكأنّ ذكرها قطع تم ضمها وترتيبها في قلبه حتى أصبحت جزءًا منه، فيتمنى الشاعر أن تعود العلاقة بينهما لكنه متأكد أنّ ذلك لن يحصل، ثم يخاطب الشاعر نفسه طالبًا من قلبه محاولة نسيان فوز وحبها، إلا أنّه أمر صعب المنال، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • أهذي: أتكلم بكلام غير معقول.
  • رُصِفا: ضُمَ إلى بعضه بعضًا.


شرح المقطع الثالث


أَشكو إِلَيكِ الَّذي بي يا مُعَذِبَتي وَما أُقاسي وَما أَسطيعُ أَن أَصِفا يا هَمَّ نَفسي وَيا سَمعي وَيا بَصَري حَتّى مَتى حُبُّكُم بِالقَلبِ قَد كَلِفا ما كُنتُ أَعلَمُ ما هَمٌّ وَما جَزَعٌ حَتّى شَرِبتُ بِكَأسِ الحُبِّ مُغتَرِفا ثارَت حَرارَتُها في الصَدرِ فَاِشتَعَلَت كَأَنَّما هِيَ نارٌ أُطعِمَت سَعَفا طافَ الهَوى بِعِبادِ اللَهِ كُلِّهِمُ حَتّى إِذا مَرَّ بي مِن بَينِهِم وَقَفا إِذا جَحَدتُ الهَوى يَوماً لِأَدفِنَهُ في الصَدرِ نَمَّ عَلَيَّ الدَمعُ مُعتَرِفا لَم أَلقَ ذا صِفَةٍ لِلحُبِّ يَنعَتُهُ إِلّا وَجَدتُ الَّذي بي فَوقَ ما وَصَفا يُضَحّي فُؤادي بِهَذا الحُبِّ مُلتَحِماً وَقفاً وَيُمسي عَلَيَّ الحُبُّ مُلتَحِفا



يحاول الشاعر في هذا المقطع استمالة محبوبته علّها تشفق عليه مما هو فيه، مصورًا الحالة التي وصل إليها من بعد أن شرب من كأس الحب فاشتعل في صدره ثم سرى في جسده كله، كالنار التي تشتعل وتنتشر عند تغذيتها بسعف النخيل، ومهما حاول أن يخفي حبّه ويُنكره فالدمع يكشف سرّه ويفضحه، فما وصل إليه من الهوى والعشق يفوق الوصف، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • كَلِفا: عاشق وولهان.
  • جحدتُ الهوى: لم أعترف به.
  • نمّ: كَشَفَ.


شرح المقطع الرابع


ما ظَنُّكُم بِفَتىً طالَت بَلِيَّتُهُ مُرَوَّعٍ في الهَوى لا يَأمَنُ التَلَفا يا فَوزُ كَيفَ بِكُم وَالدارُ قَد شُحَطَت بي عَنكُمُ وَخروجُ النَفسِ قَد أَزَفا قَد قُلتُ لَمّا رَأَيتُ المَوتَ يَقصِدُني وَكادَ يَهتِفُ بي داعيهِ أَو هَتَفا أَموتُ شَوقاً وَلا أَلقاكُمُ أَبَداً يا حَسرَتا ثُمَّ يا شَوقا وَيا أَسَفا



يختتم الشاعر قصيدته بالرد على من يستنكر عليه ما هو فيه بأنّ شدة الحبّ والهوى فعلت به الكثير وقرّبته من الهلاك، فها هو الآن والموت يقترب منه يهيم بمحبوبته فوز ويعبّر عن شدة اشتياقه لها واستحالة اللقاء بينهما، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح ما يأتي:

  • التلفا: الهلاك.
  • شحطت: بَعُدَت.
  • أزفا: تقترب.


الخصائص الفنية في قصيدة يا دار فوز

تمتاز قصيدة يا دار فوز للعباس بن الأحنف بعدد من الخصائص الفنية، من ضمنها الآتي ذكره:

  • عذوبة اللغة المستخدمة في القصيدة ورقتها.
  • بروز مجموعة من العواطف المؤثرة في هذه القصيدة وقوتها، وهي تجمع ما بين الحب والاشتياق، والألم والعتاب.
  • توظيف العديد من المحسنات البديعية، والتي تتلاءم مع الغرض العام من القصيدة.
  • استخدام الصور الفنية والتشبيهات بطريقة فنية إبداعية، قادرة على تصوير ما يعيشه الشاعر من هوى وحزن.

المراجع

  1. محمد عمر أبو ضيف، عاطفة العباس بن الأحنف وأثرها في صور شعره الغزلي، صفحة 6. بتصرّف.
  2. إبراهيم الذوادي، الأساليب الإنشائية في ديوان العباس بن الأحنف، صفحة 16. بتصرّف.