قصيدة تصبحون على وطن

تعدّ قصيدة "تصبحون على وطن" التي تحمل في الأساس عنوان "الشهيد" إحدى قصائد الشاعر المعروف محمود درويش، وهو شاعر فلسطيني وُلد في إحدى قُرى عكا عام 1941م، عُرِف عنه منذ صغره حبّه للقراءة وحب الاطلاع، الأمر الذي ساهم في صقل شخصيته الأدبية والثقافية، ويُذكر أنّه في سن السابعة اضطر إلى ترك قريته واللجوء إلى لبنان إثر الأحداث التي شهدتها هذه القرية ثم عاد إلى فلسطين مرة أخرى وسكن في قرية أخرى، وتعرض للاعتقال مرات عديدة، وكان لرحلة اللجوء هذه دور في إشعال شرارة نضاله الوطني، وقد عُدّ في مرحلة من المراحل من أبرز شعراء المقاومة الفلسطينية.[١]

شرح قصيدة تصبحون على وطن

يمكن تقسيم هذه القصيدة النثرية القصيرة لمحمود درويش والتي يُخاطب فيها الشهداء إلى مقطعين اثنين فقط، فيما يأتي شرح موجز لهما:[٢][٣]


شرح المقطع الأول

عِنْدمَا يَذْهَبُ الشُّهَدَاءُ إِلَى النَّوْمِ أَصْحُو، وَأَحْرُسُهُمُ مِنْ هُوَاةِ الرِّثَاءْ

أَقُولُ لَهُم: تُصْبحُونَ عَلَى وَطَنٍ، مِنْ سَحَابٍ وَمِنْ شَجَرٍ، مِنْ سَرَابٍ وَمَاءْ


يفتتح محمود درويش قصيدته بتمجيد الفعل البطولي الذي يقوم به الشهداء، لذلك فهو حريص على أن يحرس نومهم وأحلامهم ويخشى عليها من أي شيء حتى من الذين يرثونهم، إيمانًا منه أنّ الشهداء أكبر قدرًا من ذلك، وقد يكون في ذلك إشارة إلى أنّ الشعراء الذين يقولون رثاء في الشهداء هم يستغلّون ذلك للشهرة وللافتخار بأنفسهم أمام النّاس، فقد شبههم بالهواة.


ويشير الشاعر إلى أنه حريص أيضًا على أن يوفّر لأرواح الشهداء مختلف وسائل الراحة، فهم الآن في وطن فيه المطر والأشجار الخضراء وفيه الحياة الحقيقية بكل مقوماتها، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح في هذا المقطع ما يأتي:

  • هواة: جمع هاوٍ، وهو من يفعل أمرًا عن رغبة منه من غير احتراف وتمكّن.
  • الرثاء: هو تعداد الخصال الحميدة للميت وبكائه.
  • سراب: ما يُرى من بعيد في النهار ويخيل للرائي أنه ماء.


شرح المقطع الثاني

أُهَنِّئُهُم بِالسَّلامَةِ مِنْ حَادِثِ المُسْتَحِيلِ، وَمِنْ قِيمَةِ الَمَذْبَحِ الفَائِضَهْ

وَأَسْرِقُ وَقْتَاً لِكَيْ يسْرِقُوني مِنَ الوَقْتِ. هَلْ كُلُنَا شُهَدَاءْ؟

وَأهْمسُ: يَا أَصْدِقَائِي اتْرُكُوا حَائِطاَ وَاحداً، لحِبَالِ الغَسِيلِ، اتْرُكُوا لَيْلَةَ

لِلْغِنَاءْ

يتحدث الشاعر مع الشهداء ويبارك لهم وصولهم إلى وطنهم الجديد بخير وسلام، ونجاتهم من المذابح والمجازر الأخيرة التي قام بها الأعداء وكان أبناء الوطن ضحاياها، فهم الآن في مكان لا خوف عليهم فيه، ثم يُدخل الشاعر نفسه في عالم الشهداء وفردوسهم الجديد وهناك لا يكون الوقت معروفًا ولا يشعرون بمروره.


بعد ذلك يخاطب الشاعر الشهداء ويطلب منهم أن يتركوا له شيئًا من ذكريات الوطن القديم، فكلما أراد تذكُّره كانوا هم أول من يستذكرهم، وهو يريد أن يستحضر ذكريات الطفولة التي تخلو من الأعداء والدماء والمعاناة، وقد عبّر الشاعر عن الرجوع بالذاكرة إلى الوطن القديم بحبال الغسيل المعلقة على الحائط وبليلة الغناء أي ليلة من الليالي التي يئنّ فيها أبناء الوطن من الألم والمعاناة، ومن المفردات التي تحتاج إلى توضيح في هذا المقطع ما يأتي:

  • حادث المستحيل: كناية عن اعتداء الأعداء على الوطن.
  • المذبح: مكان الذبح، وقيمة المذبح الفائضة كناية عن المجزرة التي ارتكبها الأعداء.


شرح المقطع الثالث

اُعَلِّقُ أسْمَاءَكُمْ أيْنَ شِئْتُمْ فَنَامُوا قلِيلاً، وَنَامُوا عَلَى سُلَّم الكَرْمَة الحَامضَهْ

لأحْرُسَ أَحْلاَمَكُمْ مِنْ خَنَاجِرِ حُرَّاسِكُم وانْقِلاَب الكِتَابِ عَلَى الأَنْبِيَاءْ

وَكُونُوا نَشِيدَ الذِي لاَ نَشيدَ لهُ عِنْدمَا تَذْهَبُونَ إِلَى النَّومِ هَذَا المَسَاءْ


يخاطب الشاعر في هذا المقطع الشهداء ويُخبرهم أنه سيكتب أسماءهم وينشرها ليعرفها الجميع، فليناموا هانئين مطمئنين في وطنهم الجديد وليتمتعوا بما فيه من خيرات، فهو سيحرسهم جيدًا ويحميهم من غدر الأقرباء الذين خانوا الوطن وخانوا الشهداء وادعوا أنهم يحمونكم لكنهم كانوا سببًا في حدوث المجازر التي كنتم ضحيتها، ثم يطلب الشاعر من الشهداء أن يكونوا نشيد المعذبين في الأرض، فهم يتمنون أن ينالوا الشهادة كما نالوها هم، ومن المفردات والعبارات التي تحتاج إلى توضيح في هذا المقطع ما يأتي:

  • الكرمة: شجرة العنب.
  • انقلاب الكتاب على الأنبياء: كناية عن خيانة الوطن.


شرح المقطع الرابع

أَقُولُ لَكُم: تُصْبِحُونَ عَلَى وَطَنٍ حَمّلُوهُ عَلَى فَرَسٍ راكِضَهْ

وَأَهْمِسُ: يَا أَصْدِقَائيَ لَنْ تُصْبِحُوا مِثْلَنَا... حَبْلَ مِشْنَقةٍ غَامِضَهْ!


يُنهي الشاعر قصيدته بتوديع الشهداء متمنيًا لهم الاستمتاع في وطنهم الجديد الهادئ الذي لا خوف فيه ولا قلق، وليس كوطنهم القديم، فالشاعر وأبناء وطنه يعيشون في مكان كله خوف واضطرابات، وهم في خوف دائم من مصيرهم المجهول وحبل المشنقة الذي يُمكن أن يُلف على رقبتهم في أي لحظة، لكنّ الشهداء نجوا من ذلك كلّه، ومن المفردات والعبارات التي تحتاج إلى توضيح في هذا المقطع ما يأتي:

  • فرس راكضة: كناية عن الوطن الذي استولى عليه الأعداء وأصبح أبناؤه نازحين ولاجئين كالفرس التي تركض هربًا من مفترسها.
  • مشنقة: مكان الإعدام بالحبل.


الأفكار الرئيسية في قصيدة تصبحون على وطن

تقوم قصيدة تصبحون على وطن لمحمود درويش على عدة أفكار رئيسية، وهي كالآتي:

  • الإعلاء من قدر الشهداء وقيمتهم وذكر المنزلة الرفيعة التي وصلوها بشهادتهم.
  • وصف الوطن الجديد والجميل الذي اتخذه الشهداء مستقرًا لهم.
  • مخاطبة الشاعر للشهداء والحديث معهم عن ذكريات الوطن القديم والمسلوب والمعاناة التي تعرضوا لها.


ولقراءة شرح وتحليل المزيد من قصائد الشاعر محمود درويش: قصيدة لا شيء يعجبني.


المراجع

  1. علي مولا، محمود درويش الأعمال الكاملة، صفحة 4. بتصرّف.
  2. "عندما يذهب الشهداء إلى النوم"، الديوان. بتصرّف.
  3. إكرام تكتك، صورة الشهيد من منظور الشريعة والشعر، صفحة 19. بتصرّف.