قصيدة "هل غادر الشّعراء"
تعودُ معلَّقة "هل غادرَ الشُّعراء" والّتي تتألّف من 79 بيتًا شعريًّا، وتُعنى بشكلٍ أساسيّ بالوصف والحماسة. للشَّاعرِ الجاهليّ عنترة، وهو عنترة بن شدّاد بن معاوية بن قراد، أبوه من عبس، وأمّه حبشيّة. شاعرٌ وبطلٌ مشهورٌ في تاريخ الأدب، يمتاز بحسن الأخلاق، والبعد عن الرّذائل. صنّفه الأدباءُ بأنه شاعرٌ بارعٌ في الغزل والحماسة، فنال شعره مكانةً عظيمةً بين الباحثين والدّارسين. له ديوان شعريّ طُبع في القاهرة وبيروت، وكتاب "منية النّفس في أشعار عنترة العبسيّ" وغيرها من المؤلّفات.[١]
مناسبة قصيدة هل غادر الشّعراء
نظم عنترةُ معلّقته "هل غادر الشّعراء" ردًّا على رجلٍ من بني عبس، عندما قام بشتمه، وسبّ أمّه وأخوته، وعايره على لون بشرته، متهمًا إيّاه بعد القدرة على نظم الشّعر، ومن بين ما قاله الرّجل لعنترة:" إنّ النَّاس ليترافدوا بالعطيَّة، فما حضرت مرفد النَّاس أنت، ولا أبوك، ولا جدّك قط، وإنّ الناس ليدعون فيفزعون، فما رأيناك في خيل مغيرة في أوائل النّاس قط، وإنّ اللبس ليكون بيننا فما حضرت أنت ولا أحد من أهل بيتك بخطّة فصل قط، فلو كنت فقعًا نبتت بقرقرة، وكنت في مرزّك الذي أنت به الآن فما جدتك لمجدتك. فلو سألت أمك وأباك عن ذلك لأخبرك أن نصحَا لك"، فردَّ عنترة عليه بقوله:" إنّي لأحتضر البأس، وأوفى المغنم، وأعفّ عن المسألة، وأجود بما ملكت، وأفصل الخطَّة الصَّمعاء. قال له الرجل: أنا أشعر منك. قال: ستعلم ذلك!. فقال عنترة قصيدته هذه، وذكر فيها قتل معاوية بن نزّال، وغيره.[٢]
شرح أبيات القصيدة هل غادر الشّعراء
يقول عنترة:[٣]
هنا بدأ عنترة معلّقته باستفهام استنكاريّ، فيقول: هل تركت الشّعراء موضعًا مسترقعًا إلّا وقد رقعوه وأصلحوه، ثم خاطب عنترة محبوبته عبلة، وهو يسألها عن حال أهلها، ثمّ انتقل إلى تحيّتها والتّرحيب بها ويقول حبست ناقتي في دار حبيبتي، ويشبّه ناقته بالقصر لكبرها وضخم جرمها، فعبلة مستقرّة في هذا الموضع وأهلنا نازلون في هذه المواضع، ثم يقول: حيّيت من جملة الأطلال، أي خصّصت بالتّحيّة من بينها، ثمّ أخبر أنّه قدم عهده بأهله، وقد خلا عن السّكّان، بعد ارتحال حبيبته عنه، ثم يقول شُغفت بها وأحببتها فجأة، على الرّغم من الّذي بيننا من قتال، وأطمعُ في حبّها طمعًا صعبًا، لا يمكن تحقيقه بسبب ما بينهما من معاداة وقتال.[٣]
ثم يقول:[٣]
وَلَقَدْ نَزَلْتِ فَلا تَظُنِّـي غَيْرَهُ مِنِّي بِمَنْزِلَـةِ المُحَبِّ المُكْـرَمِ
كَيْفَ المَزَارُ وَقَدْ تَرَبَّعَ أَهْلُهَـا بِعُنَيْـزَتَيْـنِ وَأَهْلُنَـا بِالغَيْلَـمِ
إِنْ كُنْتِ أزْمَعْتِ الفِرَاقَ فَإِنَّمَا زُمَّتْ رِكَابُكُم بِلَيْـلٍ مُظْلِـمِ
هنا يقول ولقد نزلْتِ من قلبي منزلة من يُحبّ ويُكرم فتيقّني هذا ولا تظنّي غيره، ثم يقول كيف يمكنني زيارتها وبين أهلي وأهلها مسافة بعيدة ومشقّة؟، وإن عزمْت على الفراق، فإنّي قد شعرْت به بزمّكم إبلكم ليلًا.[٣]
ثم يقول:[٣]
مَا رَاعَني إلاَّ حَمُولَـةُ أَهْلِهَـا وَسْطَ الدِّيَارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمْخِمِ
فِيهَا اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُـونَ حَلُوبَـةً سُودًا كَخَافِيَـةِ الغُرَابِ الأَسْحَمِ
إذْ تَسْتَبِيْكَ بِذِي غُرُوبٍ وَاضِحٍ عَذْبٍ مُقَبَّلُـهُ لَذِيـذِ المَطْعَـمِ
وَكَأَنَّمَا نَظَرَتْ بِعَيْنَيْ شَـادِنٍ رَشَـأٍ مِنَ الْغِزْلانِ لَيْسَ بِتَـوْأَمِ
يقول ما أنذرني بارتحالها انقضاء مدّة الانتجاع والكلأ، وفي حمولتها اثنتان وأربعون ناقة تحلبُ سودًا كخوافي الغراب الأسود، وهي تستبيك بذي أشرٍ يستعذب تقبيله، ويستلذّ طعم ريقه، ثم يقول كأنّني نظرت في عيني غزال لجمال عينيّ محبوبته.[٣]
ثم يقول:[٣]
أَوْ رَوْضَةً أُنُفًا تَضَمَّنَ نَبْتَهَـا غَيْثٌ قَلِيلُ الدِّمْنِ لَيْسَ بِمُعْلَـمِ
جَادَتْ عَلَيْـهِ كُلُّ بكرٍ حرةٍ فَتَرَكْنَ كُـلَّ قرارةٍ كَالدِّرْهَـمِ
يقول: طيب نكهتها كطيب ريح فارة المسك، أو كطيب ريح روضة ناضرة، لم ترعَ ولم يصبها سرجين ينقص طيب ريحها، ولا وطأتها الدّواب فينقص نضرتها وطيب ريحها، وقد أمطرت على هذه الرّوضة كلّ سحابةٍ سابقة المطر لا برد معها، أو كلّ مطر يدوم أيّامًا، حتّى تركت حفرة كالدّرهم لاستدارتها بالماء، وبياض مائها وصفائه.[٣]
يقول:[٣]
تُمْسِي وَتُصْبِحُ فَوْقَ ظَهْرِ حَشِيَّةٍ وَأَبِيتُ فَوْقَ سَرَاةِ أدْهَمَ مُلْجَـمِ
تَأْوِي لَـهُ قُلُصُ النَّعَامِ كَمَا أَوَتْ حِزَقٌ يَمَانِيَـةٌ لأَعْجَمَ طِمْطِـمِ
يَتْبَعْنَ قُلَّـةَ رَأْسِـهِ وَكَأَنَّـهُ حِدْجٌ عَلَى نَعْشٍ لَهُنَّ مُخَيَّـمِ
شَرِبَتْ بِمَاءِ الدُّحْرُضَيْنِ فَأَصْبَحَتْ زَوْرَاءَ تَنْفِرُ عَنْ حِيَاضِ الدَّيْلَـمِ
وَكَأَنَّمَا تَنْأَى بِجَانِبِ دَفِّهَا الـ وَحْشِيِّ مِنْ هَزِجِ العَشِيِّ مُـؤَوَّمِ
هي تتنعّم فوق فراشٍ وطيء، وأنا أقاسي شدائد الأسفار والحروب فوق ظهر فرسٍ ملجم أدهم، وقد تأوي إلى هذا الظّليم صغائر النّعام كما تأوي الإبل اليمانيّة إلى راع أعجم (حبشيّ) عييّ. وقد شبّه الظّليم في سواده بهذا الرّاعي الحبشيّ، ثم يقول: تتبع النّعام أعلى رأس الظّليم، لا تنحرف عنه، ثمّ شبّه خلقه بمركبٍ من مراكب النّساء، وقد جُعل كالخيمة فوق مكان مرتفع. ويقول: شربت هذه النّاقة من مياه هذا الموضع، فأصبحت ماؤه نافرة عن مياه الأعداء، وهذه النّاقة تبعد الجانب الأيمن من خوف الضّرب بالسّوط، ويصف النّاقة بالنّشيطة في سيرها.[٣]
ثم يقول:[٣]
ثم يقول:[٣]
يفتخر هنا الشّاعر بنفسه في هذه الأبيات، ويقول في نفسه مخاطبًا عبلة أثني عليّ أيتها الحبيبة، بما علمت من مناقبي الحميدة، ثم يتابع بالافتخار بنفسه، وحسن مناقبه، ويقول: فإنّي سهل المخالطة، لا يهضم حقّي، ولم يبخس حظّي، ومن ظلمني عاقبته عقابًا بالغًا يكرهه ككره العلقم المرّ. ثم يفتخر الشّاعر بجوده، ويربط جوده بشرب الخمر، كما كانت العرب تربط الخمر بالجود، ويقول: شربت الخمر بزجاجةٍ صفراء عليها خطوط، قرنتها بإبريقٍ أبيض مسدود الرّأس بالفدام لأصبّ الخمر في الزّجاجة من الإبريق.[٣]
ويقول:[٣]
يقول: ولقد حفظْتُ وصيّة عمّي لي بملازمة الحرب على اشتدادها، ومنازلتي الأبطال، حتّى لو تقلّصت الشّفاه عن الأسنان، من شدّة كلوح الأبطال، والكمأة فرقًا من القتل. ثم يواصل قوله لقد حفظت وصيّة عمّي لي في حومة الحرب الّتي لا تشكوها الأبطال إلّا بجلبة وصياح. ويقول قد جعلوني أصحابي حاجزًا بينهم، وبين أسنّة الأعداء، ولم أجبن ولم أتأخّر، ولكن قد تضايق موضع إقدامي، فتعذّر التّقدّم فتأخّر لذلك.[٣]
ثم يقول:[٣]
يقول: وقد شفى غليلي اعتماد الفوارس عليّ، والتجاؤهم بي في الحرب، واتّقاء من العدوّ، ثم يقول والخيلُ تسيرُ وتجري في الأرض اللّيّنة، الّتي تسوخ فيها قوائمها بشدّةٍ وصعوبة، وقد عبست وجوهها لمّا نالها من الإعياء، وكلّها طويلة. وتذلّ إبلي لي، حيث وجهتها من البلاد، ويعاونني على أفعالي عقلي، وأمضي ما يقتضيه عقلي بأمرٍ محكمٍ. ثم يقول: أخاف أن أموت ولم تدر الحرب على ابني ضمضم بما يكرهانه، وهنا حصين وهرم ابنا ضمضم، ثم يقول إن اللّذَين يشتمان عرضي يتوعّدانه حال غيبته، ولا يتجاسران عليه في حال حضوره. وإن يشتماني لم أستغرب منهما، ذلك فإنّي قتلتُ أباهما، وصيّرته جزر السّباع، وكلّ نسرٍ مسّن.[٣]
ولقراءة تحليل المزيد من القصائد: قصيدة عفت ذات الأصابع، قصيدة اعتذار للنابغة.