قصيدة قارئة الفنجان

تعدّ قصيدة قارئة الفنجان إحدى القصائد التي نظمها الشاعر السوري المعروف نزار قباني، الذي وُلِد عام 1923م في دمشق، درس فيها والتحق بالجامعة السورية وتخرج من كلية الحقوق عام 1944م، بعد ذلك عمل في وزارة الخارجية السورية وشغل عدة مناصب دبلوماسية في العديد من المناطق، مثل: بيروت، ولندن، وأنقرة، وغيرها، ليتفرّغ بعدها لهمّه الأول وهو الشعر؛ إذ أسّس دارًا للنشر في بيروت، وكانت حصيلة مسيرته الأدبية إحدى وأربعين مجموعة شعرية ونثرية ظلّ صداها يتردد في الأدب العربي.[١]


مناسبة قصيدة قارئة الفنجان

يُشار إلى أنّ قصيدة قارئة الفنجان للشاعر نزار قباني من القصائد التي تحمل بُعدًا رمزيًا، يطرح فيها قضية الأمم والشعوب العربية، تحديدًا قضية الشعب الفلسطيني، مُستخدمًا عدة رموز وإيحاءات دلالية.[٢]


تحليل قصيدة قارئة الفنجان

نظم نزار قباني قصيدته قارئة الفنجان على بحر المتدارك، وهو بحر يُعطي إيقاعًا جميلًا قريبًا من النّفس يتغلغل إلى أعماق القلب، وقد تم تقسيم القصيدة إلى عدّة مقاطع فيما يأتي شرحها وتحليلها:[٣]


شرح المقطع الأول

يبدأ الشاعر قصيدته بمشهد يقصّه الرواي يصف فيه قارئة الفنجان التي ترصد متصوراتها عن الولد الذي رمز فيه الشاعر إلى الأمة العربية أو الشعب الفلسطيني، فكانت قارئة الفنجان هذه تُخبره بما تراه عن حاضره ومستقبله، لكنها خائفة تتوجّسها الحيرة والقلق، وتقرأ فنجانًا مقلوبًا لم تتضح لها معالمه بعد، ثم تخبره أنّ فنجانه عنوان "الحبّ"، والذي يرمز به الشاعر إلى صدق الانتماء للوطن، فالشهيد هو من يموت في سبيل الوطن، ومن أبيات القصيدة التي تمثل ذلك ما يأتي:

جلست والخوف بعينيها

تتأمل فنجاني المقلوب

قالت: يا ولدي لا تحزن

فالحب عليك هو المكتوب

يا ولدي، قد مات شهيداً

من مات على دين المحبوب


شرح المقطع الثاني

يستهلّ الشاعر المقطع الثاني بمشهد مُخيف، واصفًا الدنيا على لسان قارئة الفنجان بأنها مُرعبة ليس فيها سوى الحروب والشتات، لكن ذلك لم يمنع الولد من أن يحبّ وطنه ويحمل همّ قضيته، فسيموت على ذلك الحب هو وكل مخلص وفيّ مثله، ويلاحظ هنا أنّ الحبّ أصبح معادلًا للموت، وفي نهاية هذا المقطع تُخبر قارئة الفنجان الولد بأنه سيزور كل الأوطان ويقع في حبّها، إلا أنّه سيعود إلى وطنه ملكًا مقهورًا لم يستطع حمايته كما يجب، ومن أبيات القصيدة التي تمثل ذلك ما يأتي:

فنجانك دنيا مرعبةٌ

وحياتك أسفارٌ وحروب

ستحب كثيراً يا ولدي

وتموت كثيراً يا ولدي

وستعشق كل نساء الأرض

وترجع كالملك المغلوب


شرح المقطع الثالث

يبدأ الشاعر في هذا المقطع بوصف المرأة التي وقع في حبها هذا الولد، ويرمز بها إلى الوطن؛ فعيناها جميلتان وفمها يتدلى كعنقود العنب، وضحكتها تصدر منها الموسيقى الجميلة وأزهار تسحر النظر، لكن ومع ذلك الطريق إلى هذه المحبوبة مُغلَق، فهي نائمة في قصر كبير عليه حراسة شديدة، وكلّ من يُحاول لمسها أو الاقتراب منها أو من سور حديقتها أو التماس طيفها سيكون مفقودًا قطعًا، وفي ذلك إشارة إلى من يحاولون الاستيلاء على الوطن الجميل، ومن أبيات القصيدة التي تمثل ذلك ما يأتي:

بحياتك يا ولدي امرأةٌ

عيناها سبحان المعبود

فمها مرسومٌ كالعنقود

ضحكتها موسيقى وورود

لكن سماءك ممطرةٌ

وطريقك مسدودٌ مسدود

فحبيبة قلبك يا ولدي

نائمةٌ في قصرٍ مرصود

والقصر كبيرٌ يا ولدي

وكلابٌ تحرسه وجنود

وأميرة قلبك نائمةٌ

من يدخل حجرتها مفقود

من يطلب يدها من يدنو

من سور حديقتها مفقود

من حاول فك ضفائرها

يا ولدي مفقودٌ مفقود


شرح المقطع الرابع

تُظهر قارئة الفنجان في هذا المقطع تعاطفها مع الولد؛ فقد قرأت فناجين كثيرة لكنّها لم تكن أبدًا كفنجانه، ولم تعرف أحدًا حزينًا كحزنه، فتُخبره أنّه قد كُتِب عليه أن يسير طوال حياته على حدّ الخنجر يعاني من الجروح والآلام، وسيظلّ وحيدًا كالصدفة التي قذفتها الأمواج على الشاطئ، ويمضي في حياته حزينًا، وسيسير بلا قلوع توجّه بوصلته حتى يغرق في بحر الحبّ، وفي النهاية سيعود كالملك الذي يُحبّ بإخلاص ووفاء لكن قُدّر عليه ألا يبقى في مكانه، ومن أبيات القصيدة التي تمثل ذلك ما يأتي:

بصّرت ونجمت كثيراً

لكني لم أقرأ أبداً

فنجاناً يشبه فنجانك

لم أعرف أبداً يا ولدي

أحزاناً تشبه أحزانك

مقدورك أن تمشي أبداً

في الحب على حد الخنجر

وتظل وحيداً كالأصداف

وتظل حزيناً كالصفصاف

مقدورك أن تمضي أبداً

في بحر الحب بغير قلوع

وتحب ملايين المرات

وترجع كالملك المخلوع


السمات الفنية في قصيدة قارئة الفنجان

تتسم قصيدة قارئة الفنجان بمجموعة من الخصائص والسمات الفنية، منها ما يأتي ذكره:[٤][٥]

  • الاعتماد على تقنية الاسترجاع في هذه القصيدة؛ إذ افتتحت القصيدة بسرد عن حدث ماضٍ قطعه ارتفاع صوت الغناء المقترن بالنداء وحديث عن الحاضر، وهكذا تراوحت مقاطع القصيدة بين الماضي والحاضر.
  • استخدام الكثير من الألفاظ التي تحمل إيحاءات ودلالات عدّة، مثل: الحب، المرأة، الفنجان، وغيرها من الألفاظ.
  • استخدام أفعال تدلّ على الحركية والاستمرار، أعطى للقصيدة شكلًا يمتد خلال عدة أزمان، ومن هذه الأفعال (تمشي، تظلّ، تعشق، تموت، وغيرها).
  • تكرار بعض الألفاظ والعبارات التي تؤكد الرمزيّة التي أشار إليها الشاعر، مثل: مفقود، ولدي، وغيرهما.


ولقراءة شرح وتحليل المزيد من قصائد الشاعر نزار قباني: قصيدة علمني حبك.


المراجع

  1. هشام شريف، نزار قباني شاعر المرأة والوطن، صفحة 9. بتصرّف.
  2. عبد الله عزايزة، تركيز مواد الأدب، صفحة 68. بتصرّف.
  3. عبد الله عزايزة، تركيز مواد الأدب، صفحة 66-68. بتصرّف.
  4. بشرى صالح، خيوط الحس الشعرية قراءة أسلوبية في شعر نزار قباني، صفحة 7. بتصرّف.
  5. عبد الله عزايزة، تركيز مواد الأدب، صفحة 66. بتصرّف.