قصيدة غريب على الخليج

تعدّ قصيدة غريب على الخليج إحدى الروائع التي نظمها الشاعر العراقي بدر شاكر السياب، الذي وُلد وترعرع في قرية "جيكور" في البصرة، وقد كانت حياته مليئة بالصراعات النفسية والمجتمعية؛ إذ توفيت والدته وهو في سن صغيرة، وفُصِلَ من عمله أكثر من مرة، فعاش حياة اليتيم الفقير، ثم انتقل إلى بيروت والتحق بالجامعة الأمريكية هناك، وفيما يتعلّق بأشعار بدر شاكر السياب يُلاحظ أنها مُشبعة بالإحساس التراجيدي المتأصل والكآبة المريرة.[١]


مناسبة قصيدة غريب على الخليج

تعدّ قصيدة غريب على الخليج من أشهر قصائد الشعر الحديث، وقد لجأ فيها الشاعر بدر شاكر السياب إلى الرمز والتراكيب غير المباشرة للتعبير عن تذمّره من أوضاع بلاده الاجتماعية والاقتصادية، إذ صوّر الحالة النفسية الاغترابية التي يُعاني منها إثر غربته عن بلاده.[٢][٣]


سيميائية عنوان قصيدة غريب على الخليج

يُلاحظ في عنوان القصيدة "غريب على الخليج" المسحة التشاؤمة السوداوية والحسّ الاغترابي؛ فالقارئ له يُدرك مدى الألم والمرارة، والغربة هنا غربتان؛ غربة الروح، وغربة الجسد، فهو يخبرنا عن أنّه بعيد عن وطنه ويدفعنا للتساؤل عن كيفية تشكّل هذه الغربة، وبذلك يُشكّل العنوان بداية قوية لكنها ممزوجة بالسكون في الوقت نفسه.[٣][٤]


تحليل قصيدة غريب على الخليج

يُسقط الشاعر بدر شاكر السياب حالته النفسية في هذه القصيدة على بعض مظاهر الطبيعة، وقد تم تقسيمها إلى عدّة مقطوعات فيما يأتي شرح وتحليل لبعضها:


شرح المقطوعة الأولى

يحاول الشاعر من بداية القصيدة التعبير عما يجول في صدره من حزن وكآبة وألم بهدف التخفيف من هذه المشاعر، فبدأ بذكر ما يدلّ على الدمار ووقت اشتداد الحرّ حتى يصل إلى الذروة باستخدام لفظ الريح والهجيرة، وأتبعه بما يدل على الخوف ومحاولة الهروب باستخدام الفعل يلهث، ليشبّه حالته بصورة المرض أو الكابوس، وسبب ذلك هو غربته عن وطنه؛ فقد أصبح الشاعر في وحدة قاتلة وحيرة عارمة، لا يملك سوى الشرود البصري والذهني في هذا الخليج الذي يفصل بينه وبين موطنه، وتتصاعد حالة التوتر لديه عن طريق الدموع التي صورها بالسحابة التي تشكل مدًا يقتلع كل ما يوجد أمامه، ومن أبيات القصيدة التي تمثل ذلك ما يأتي:[٣][٤]

الريح تلهث بالهجيرة كالجثام، على الأصيل

وعلى القلوع تظل تطوى أو تنشّر للرحيل

زحم الخليج بهنّ مكتدحون جوّابو بحار

من كل حاف نصف عارٍ

وعلى الرمال، على الخليج

جلس الغريب، يسرّح البصر المحيّر في الخليج

ويهدّ أعمدة الضياء بما يصعّد من نشيج

"أعلى من العبّاب يهدر رَغوهُ ومن الضجيج"

صوت تفجّر في قرارة نفسي الثكلى: عراق

كالمدّ يصعد، كالسحابة، كالدموع إلى العيون

الريح تصرخ بي عراق

والموج يعول بي عراق، عراق، ليس سوى عراق ‍‍

البحر أوسع ما يكون وأنت أبعد ما يكون

والبحر دونك يا عراق


شرح المقطوعة الثانية

يبدأ الشاعر في هذه المقطوعة باستحضار صورة الطفولة التي تذكره بالوطن وتربطه به، فيحاول بذلك أن يحفز نفسه ويدفعها للخروج من سيطرة الغربة والألم، وقد ربط ذلك بالحنين إلى الأم الرؤوم، فحياته دون الوطن والأم ظلام دامس، والشوق لأحدهما يعني الشوق للآخر، فحنان أمه الصافي يتجسد في صفاء الرؤيا لا الأحلام، لكنه في الوقت نفسه كصورة النخيل -الذي يرمز للعراق في كثرته- فترة الغروب بما يحمله من لون قاتم، الأمر الذي يعكس السوادوية والانكسار في نفس الشاعر، كما يُشير إلى أنّ الغروب هو ما أدى إلى وجود الأشباح التي تخطف كل طفل عاش طفولة معذبة، ومن أبيات القصيدة التي تمثل ذلك ما يأتي:[٣][٤]

بالأمس حين مررت بالمقهى، سمعتك يا عراق

وكنت دورة أسطوانة

هي دورة الأفلاك من عمري، تكور لي زمانه

في لحظتين من الزمان، وإن تكن فقدت مكانه

هي وجه أمي في الظلام

وصوتها، يتزلقان مع الروي حتى أنام،

وهي النخيل أخاف منه إذا ادلهم مع الغروب

فاكتظ بالأشباح تخطف كل طفل لا يؤوب


شرح المقطوعة الثالثة

ينقل الشاعر في هذه المقطوعة بعض صور التراث الشعبي، إذ يُشير إلى صورة العجوز ووشوشاتها عن حزام العاشق وقصته مع محبوبته عفراء الجميلة، وقد أقحم الشاعر هذه القصة لأنه يعاني من أزمة عاطفية تتمثل بابتعاد محبوبته عنه وزواجها، فيحاول الهروب من الواقع المرير وتذكر الماضي واللحظات السعيدة فيه، إذ يُخاطب زهراء عن الماضي وذكرياته بنوره الوهاج، وحديث عمته الخفيض، وفقره القاسي، وسهر الرجال، وقد أراد إخفاء ما يشعر به من خلال تكرار الاستفهام "أتذكرين"، ومن أبيات القصيدة التي تمثل ذلك ما يأتي:[٣][٤]

وهي المفلية العجوز وما توشوش عن حزام

وكيف شق القبر عنه أمام عفراء الجميله

فاحتازها... إلا جديله.

زهراء، أنت أتذكرين

تنورنا الوهاج تزحمه أكف المصطلين؟

وحديث عمتي الخفيض عن الملوك الغابرين؟

ووراء باب كالقضاء

قد أوصدته على النساء

أيد تطاع بما تشاء لأنها أيدي رجال

كان الرجال يعربدون ويسمرون بلا كلال

أتذكرين؟ أتذكرين؟

سعداء كنا قانعين

بذلك القصص الحزين لأنه قصص النساء


شرح المقطوعة الرابعة

يفجر الشاعر في هذه المقطوعة ما تجمع في صدره من حُزن وألم من خلال طرح مجموعة من الأسئلة الاستنكارية، فيتعجب من الدورة التي سيرت حياته من مكان وزمان إلى مكان وزمان آخرين، وقد اختطلت المشاعر لديه في الحنين إلى الوطن وإلى المحبوبة، كما يرى أنّ المساء والليل قد أطبقا فلا توجد رؤية، لكنه في الوقت نفسه يرى في داخله عراق النور وعراق الروح، والأمر ذاته بالنسبة للمحبوبة، ومن أبيات القصيدة التي تمثل ذلك ما يأتي:[٣][٤]

حشد من الحيوات والأزمان، كنا عنفوانه

كنا مداريه اللذين ينام بينهما كيانه

أفليس ذاك سوى هباء؟

حلم ودورة أسطوانه؟

إن كان هذا كلّ ما يبقى فأين هو العزاء؟

أحببت فيك عراق روحي أو حببتك أنت فيه

يا أنتما -مصباح روحي أنتما- وأتى المساء

والليل أطبق، فلتشعّا في دجاه فلا أتيه


شرح المقطوعة الخامسة

يبدأ الشاعر مقطوعته هذه بالتمني الذي ينمّ عن نفسية قلقة ومضطربة، فلقاؤه العراق لن يكتمل إلا بالذهاب إليه، ولا يملك في الغربة سوى ذكرى العراق والشوق إليه، وهو في حالة اختناق يتمنى لو أنه يخرج منها كخروج الغريق إلى الهواء وخروج الجنين إلى النور، فهو يرى نفسه غريبًا على أرض الغربة، وفي نهاية هذه المقطوعة يثور الشاعر من جديد من خلال السؤال عمّن يخون وطنه بهدف التخلص من تمنّيه الذي لا يُجدي نفعًا في الرجوع إلى الوطن، ومن أبيات القصيدة التي تمثل ذلك ما يأتي:[٣][٤]

لو جئت في البلد الغريب إلى ما كمل اللقاء

الملتقى بك والعراق على يديّ هو اللقاء

شوق يخضّ دمي إليه، كأن كل دمي اشتهاء

جوع إليه كجوع كلّ دم الغريق إلى الهواء

شوق الجنين إذا اشرأبّ من الظلام إلى الولاده

إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون

أيخون إنسان بلاده؟

إن خان معنى أن يكون، فكيف يمكن أن يكون؟


شرح المقطوعة السادسة

يستمر الشاعر بشحن نفسه بالماضي وبذكريات الوطن، فالشمس في وطنه جميلة وفي أرض الغربة قبيحة، كما أنّ الوسادة في غير وطنه كأنها حجر يسبّب لرأسه التحجر، أما في وطنه فإنها تعكس شعورًا بالرضا؛ لأنه يشعر بأن الوطن قريب منه يتوسّده، وهذا كله مرتبط بالحالة النفسية للشاعر داخل وطنه وخارجه، ومن أبيات القصيدة التي تمثل ذلك ما يأتي:[٣][٤]

الشمس أجمل في بلادي من سواها، والظلام

حتى الظلام هناك أجمل، فهو يحتضن العراق

واحسرتاه، متى أنام

فأحسّ أن على الوساده

من ليلك الصيفي طلاّ فيه عطرك يا عراق؟


السمات الفنية في قصيدة غريب على الخليج

اتسمت قصيدة غريب على الخليج التي تنتمي إلى شعر التفعيلة بمجموعة من الخصائص والسمات الفنية، يُذكر منها ما يأتي:[٥]

  • غزارة الصور الإيحائية في القصيدة.
  • رقة الإيقاع الذي قامت عليه القصيدة.
  • تضمين القصيدة الكثير من العواطف والمشاعر.
  • الاعتماد على أسلوب التقديم والتأخير.
  • اختيار ألفاظ سهلة تعبّر عن وجدان الشاعر.
  • التنويع بين الأساليب الإنشائية والأساليب الخبرية.


المراجع

  1. راضية قاسمي، مينا، الظواهر الأسلوبية في قصيدة غريب على الخليج، صفحة 2. بتصرّف.
  2. راضية قاسمي، مينا، الظواهر الأسلوبية في قصيدة غريب على الخليج، صفحة 3. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج ح خ د علاء شدوح، غريب على الخليج قراءة نفسية، صفحة 13-19. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح خ عمر صبحي، غريب على الخليج بين الذات والمكان، صفحة 221-223. بتصرّف.
  5. راضية قاسمي، مينا، الظواهر السلوبية في قصيدة غريب على الخليج، صفحة 9-16. بتصرّف.