أبو فراس الحمدانيّ

هُو الحارث بن سعيد بن حمدان التغلُبيِّ الرّبيعيّ، المُكنّى بأبي فراس، وهو ابنُ عمّ سيف الدّولةَِ الحمدانيّ، كانَ أميرًا مِن بلادِ الشّام، وفارِسًا مِغوارًا؛ إذ قاتَل إلى جانبِ سيف الدّولةَِ في عِدّةِ وقائع ومعارك، إضافةً إلى أنَّهُ كانَ شاعِرًا بليغًا، فاتّسم شِعرُهُ بالحسن، والجّودةَِ، والجّزالةَِ، والفخامة، حيثُ أنَّهُ لَم تجتمع هذهِ الخِصال الشِّعريّة في قبلهُ إلّا في شعرِ عبدُ الله بن المُعتزّ، وظهرَ ذلِكَ واضِحًا في أشهرِ قصائدهِ، والّتي تقعُ تحتَ اسم "الرّوميَّاتِ"، الّتي امتازت بالرّقةِِ، والحنين إلى الوطن، والّتي كانَ قد نظمها، وهو في سجنِ القُسطنطينيّة.[١]


نشأة أبي فراس الحمدانيّ وحياته

وُلِدَ أبو فِراسِ الحمدانيِّ في تَغلُب عام 320 للهِجرة، وَتعودُ جُذورُه إلى الجُزء الشّماليّ مِن بلادِ العراق، نشأَ يتيمًا؛ إذ وُلِدَ قبلَ ثلاثِ سنواتٍ من مقتلِ والده سعيد، وانتَقلَ بعدها إلى حلب برفقةِ والِدته، وبعدَ بلوغهِ سنّ الشّباب، رافق ابن عمه سيف الدّولة الحمدانيّ في مُعظمِ حُروبِه، كَما أنَّهُ قادَ الجّيوشَُ مُدافِعًا عَن حُكمِ الحمدانيين، الّذي كانَ محطّ أنظار الجميع، ونتيجة لذلك فولّاهَُ سيف الدّولة مدينة "منبج"، فأقامَ فيها، وحقّق فيها نصرًا على الرّوم.[٢]


تَعليم أبي فراس الحمدانيّ وثقافته

تَعلّم أبو فراس الحمدانيّ الفُروسيَّة، وأساليبِ الحَربِ على أيدي قادة مهرة، كَما وفّر لهُ سيفُ الدّولةَِ المُثقّفين والمُتعلّمينَِ لِيحرصوا على تعليمه، وتثقيفِهِ بشتّى معارفِ عصره، إضافةً إلى ذلك فإنَّهُ لازمَ أكبر العُلماء، والأدباء، والمُفكّرين، والشُعراء، الّذين عاشوا في عصره، وكانَ ذلِك نتيجةً لوجوده بكثرة في بلاط سيف الدّولةَِ الحمدانيّ، وأُرسِلَ فيما بعد إلى البادية ليتلقّن فيها اللُّغةَ، والصّرف، وفنون الحرب، وكانَ أبو فراس الحمدانيّ يُذاكرُ الشُّعراء، ويُنافسُ الأُدباء، وقيلَ إنه كانَ يكشِفُ سرقات المُتنبي الشِّعريَّة؛ إذ لم يكُن يجرؤ المُتنبي على مُباراتِهِ ومُنافسته.[٣]


السّمات الشّعريَّة لأبي فراس الحمدانيّ

اتّسم شِعرُ أبي فراس الحمدانيّ بالسّهولةُِ، والوُضوح، والجّزالةَِ، كَما تنوّعت الأغراض الشِّعريّة في قصائده، فظهرَ فيها الغزل، والفخر، والرّثاء، والوصف، والحُكم، وغيرُها مِنَ الأغراضِ الشِّعريّة، وإضافةً إلى ذلك فتميّزت أشعاره بِقوَّةِ حبكتِها، وعواطفه الصّادقة، وبراعةِ إظهارِ الخلجات النّفسيّة فيها، وفاق بقُدرتِهِ الشِّعريّة العديدَ مِن شُعراءِ، وأُدباءِ عصره[٤]، وكانَ قد قيلَ في أبو فِراس الحمدانيّ تعبيرًا عن براعتهِ الشِّعريَّة: "بدأ الشِّعرُ بملك، وخُتِمَ بِمَلِك"، ويُقصدُ بذلك امرؤ القيسِ، وأبو فِراس.[١]


مؤلّفات أبي فراس الحمدانيّ

زوّد الشّاعر أبو فراس المكتبة العربيّة بأفضل القصائد المنظومة؛ إذ تركَ لنا ديوانًا مطبوعًا، تفرّق في مكتباتِ العالمِ الكُبرى تحديدًا في أوروبا وآسيا وأفريقيا، وصدر من ديوانِه عدّة طبعاتٍ ألا وهي:[٥]

  • الطّبعةُ الأولى في بيروت.
  • الطّبعة الثّانية في بيروت بالمطبعةِ الأدبيّة.
  • الطّبعة الفريدة الّتي جاءت خالية من شروح المفردات الصّعبة والأبيات الّتي يلتبس على القارئ فهمها المُنقّحة من قبل الدكتور سامي الدهان، وتوالت بعدها الطّبعات المُستندة إلى الطّبعة الأخيرة.
  • كَما نظمَ أبو فراس الحمدانيّ أشهر قصائده الّتي عُرفت بـ"الأسريّات"/ أو "الرّوميّات"، وهي بمثابة سيرة ذاتيّة تدور حول الفخر، والغزل، وكانت أكثرُ رقةً،0 وشكوى من قصائده الأُخرى.[٦]


نموذج من شعر أبي فراس الحمدانيّ

قالَ أبو فِراس الحمدانيّ في آخرِ شعرٍ له:[٧]

ما العُمرُ ما طالَت بِهِ الدُهورُ العُمرُ ما تَمَّ بِهِ السُرورُ

أَيّامُ عِزّي وَنَفاذِ أَمري هِيَ الَّتي أَحسِبُها مِن عُمري

ما أَجوَرَ الدَهرَ عَلى بَنيهِ وَأَغدَرَ الدَهرَ بِمَن يُصفيهِ

لَو شِئتُ مِمّا قَد قَلَلنَ جِدّاً عَدَدتُ أَيّامَ السُرورِ عَدًّا

أَنعَمتُ يَوماً مَرَّ لي بِالشامِ أَلَذَّ ما مَرَّ مِنَ الأَيّامِ

دَعَوتُ بِالعُقّارِ ذاتَ يَومِ عِندَ اِنتِباهي سَحَراً مِن نَومي

قُلتُ لَهُ اِختَر سَبعَةً كِبارا كُلٌّ نَجيبٌ يَرِدُ الغُبارا

يَكونُ لِلأَرنَبِ مِنها اِثنانِ وَخَمسَةٌ تُفرَدُ لِلغِزلانِ

وَاِجعَل كِلابَ الصَيدِ نَوبَتَينِ تُرسِلُ مِنها اِثنَينِ بَعدَ اِثنَينِ

وَلا تضيع أَكلُبَ العِراضِ فَهُنَّ حَتفٌ لِلظِباءِ قاضِ

ثُمَّ تَقَدَّمتُ إِلى الفَهّادِ وَالبازِيارينَ بِاستِعدادِ

وَقُلتُ إِنَّ خَمسَةً لَتُقنِعُ وَالزُرَّقاف الفَرخُ وَالمُلَمَّعُ

وَأَنتَ يا طَبّاخُ لا تَباطا عَجِّل لَنا اللَفات وَالأَوساطا

وَيا شَرابِيَّ المُصَفَّياتِ تَكونُ بِالراحِ مُيَسَّراتِ

بِاللَهِ لا تَستَصحِبوا ثَقيلاً وَاِجتَنِبوا الكَثرَةَ وَالفُضولا

رُدّوا فُلاناً وَخُذوا فُلانا وَضَمِّنوني صَيدَكُم ضَمانا

فَاِختَرتُ لَمّا وَقَفوا طَويلاً عِشرينَ أَو فَوَيقَها قَليلا

عِصابَةٌ أَكرِم بِها عِصابَه مَعروفَةٌ بِالفَضلِ وَالنَجابَه

ثُمَّ قَصَدنا صَيدَ عَينِ قاصِرِ مَظِنَّةَ الصَيدِ لِكُلِّ خابِرِ

جِئناهُ وَالشَمسُ قُبَيلَ المَغرِبِ تَختالُ في ثَوبِ الأَصيلِ المُذهَبِ


وفاة أبي فراس الحمدانيّ

قُتِلَ أبو فِراس الحمدانيّ، وهو في سنِّ الشّباب أي في مُقتبل العُمر، سنة 357 للهجرة، في بلدة تُسمّى "صدد"، الواقعة بالقُرب من حِمص، وفي روايات أُخرى قيلَ إنه قُتِلَ في تدمُر، وكان مقتلهُ ناتِجًا من معركةٍ حصلت بينَ جيش بقيادة "قرغويه"، وجيش الحمدانيين، وبوفاته سقطت الإمارة الحمدانيَّة في الشّام.[٨]

المراجع

  1. ^ أ ب سهاد جادري، الحرب في شعر أبي فراس الحمداني، صفحة 377. بتصرّف.
  2. نوال ويس ، أبو فراس الحمداني حياته وشعره، صفحة 10-11. بتصرّف.
  3. نوال ويس، أبو فراس الحمداني حياته وشعره، صفحة 10-11. بتصرّف.
  4. حنان السيد، النفسية الساخطة في روميات أبي فراس الحمداني: عرض وتحليل ونقد، صفحة 669-670. بتصرّف.
  5. نوال ويس، أبو فراس الحمداني حياته وشعره، صفحة 11-12. بتصرّف.
  6. حميد زاده، علي لائين، الوصف الوجداني في روميات أبي فراس الحمداني تجليّات ومرامي، صفحة 442. بتصرّف.
  7. أبو فراس الحمدانيّ، ديوان أبي فراس الحمداني، صفحة 150. بتصرّف.
  8. فالح الحجية، شعراء العصر العباسي المجلد الرابع، صفحة 480. بتصرّف.