المُتنبي

هو أبو الطيّب أحمد بن الحُسين الجعفيّ الكوفيّ، سُمّيَ بالمُتنبي؛ لأنّهُ ادّعى النّبوّة في بادية السماوة، اشتغل في فُنون الأدب، ولقي في رحلته كثيرًا من أئِمة العلم فأخذ منهم، كما أنَّهُ كانَ من المطّلعين على أوابد اللغة وشواردها[١]. يُعدّ المُتنبي واحِدًا من أهمّ شُعراء اللغةِ العربيّة، حيثُ تلقّى النّاس والجمهور شعره بحفاوةٍ، فكانَ شعره بمثابة مثالٍ رائع للحياة القوميّة في عصره، كَما بيّن لنا صورةً بارزةً للحياة الفكرية والأدبية فبيّن لنا من خلاله النّزاع بين المثل العليا، والحقائق الواقعيّة، والألم، والأمل، واليأس، والسّخط، والرضا، والحب، وغيرها.[٢]


حياة ونشأة المُتنبي

وُلِد المُتنبي في كِندة الّتي تقعُ في الكوفة، عام ثلاثٍ وثلاثمئةٍ للهجرة، ونشأ في بيئةٍ كان يصبغها الدمّ من حينٍ إلى آخر، وكانَ كثير التّردد على الباديّة، فاكتسبَ من الأولى الصّلابة والنّزعة البدويّة، وأما مِنَ الثّانية فاكتسب العلوم والثّقافة الأدبية، ثم ارتَحَل المُتنبي قاصِدًا بِلاد الشّام، كونه لم يكُن يشعر بالأمن في بغداد، وبَقي يجولُ في الأقطار إلى أن التقى بسيف الدولة الحمدانيّ، فلبثَ معه مدةً طويلةً، وكانَ قد قالَ في هذه الفترةِ أروعَ شعره، إلّا أنَّهُ انتقلَ إلى مصر نَظرًا لأقوال الحُسّاد والخصوم.[٣]


تعليم المتنبي وأساتذته

التحق المُتنبي بكُتّابٍ كانَ فيهِ أولاد أشراف العلويين، فتعلم الشّعر واللغة والإعراب، إضافةً إلى ذلك فقد كانَ يُلازمُ الورّاقينَ ليستفيد من كُتبهم فكانَ معظم علمه من كتبهم، كَما أنَّهُ عُرِف وتميّز منذ طفولته بالذكاء، وقوة الحفظ، وحبّه للعلم والأدب. وقد أقامَ المتنبي في الباديّة لمدّة عامين أو أكثر، وعاشر فيهما الأعراب فكان لذلك أثرٌ على شعره وأحاديثه، إضافةً إلى أنّ ثقافته لم تكن مما ما تلقاه من كتّاب الكوفة، ومصاحبته للأعرابِ في البادية، وما تعلمه في بغداد فحسب، بل زادت على إثر هجرته إلى العلماء ومصاحبته لهم، فدرس على يد السكري، ونفطويه وابن دستويه، وغيرهم، وقيل أيضًا أنّه "طلب الأدب وعلم اللغة العربية، ونظر في أيام الناس، وتعاطى قول الشّعر من حداثته حتى بلغ الغاية التي فاق فيها أهل عصره، وطاول شعراء وقته."[٤]


منهج المتنبي في شعره

كانَ شعر المتنبي متسعًا لمختلف الأغراض الشعريّة، فظهر فيه المدح، والفخر، والهجاء، والرثاء، فأكثر في المدح، وأجاد في الوصف، وتعالى في الفخر، وصدق في الرثاء، وقلّ هجاؤه، وكانَ قد ترجم تجاربه في حكمهِ، أمّا عن الغزل فلم يخصص له قصيدة بعينها بل صاغه في مقدماتِ قصائده.[٥]

وقد تأثّر المُتنبي بالأسلوب الجاهليّ القديم، فكان يبتدئ بالوقوف على الأطلال ثمّ وصف النّاقة قبل الوصول إلى المدح، وكان هذا الأسلوب يدعو إلى الوحدة في الوزن والقافية، لكنّه بعدَ ذلك بنى أسلوبه الخاصّ، فاستهلّ قصائده أحيانًا بذكر حكمةٍ مُعيّنة قبل المدح، وفي أحيانٍ أخرى كانَ يستهلّها بالمدح مباشرةً، وكانَ ذلك الأسلوب يُبرز شخصيّة المتنبي، فإذا مدح افتخر بنفسه، وقسّم القصيدة بينه وبين ممدوحه، أمّا عن بناء القصيدة فكان بناءً محكمًا منطقيّ التّسلسل، إلّا أنه يمزج بين الفنون في بعض القصائد.[٦]


مؤلفات المتنبي

ترك أبو الطّيب المتنبي ديوانًا كانَ قد جمعه ودونه بنفسه، وعرضه على ابن جنّي عند عودته من بلاد فارس، يتضمن الدّيوان ما يقارب ثلاثمئة قصيدة ومقطوعة، موزعةً على مختلف الأغراض الشعريّة، يأتي المدح في طليعتها، يليه الغزل، والطلل، ثم الفخر، والحماسة، فالرثاء، أما عن الوصف، والعتاب، والشكوى، والطرديات، فجاءت مبثوثةً في ثنايا أغراضه الشّعريّة. [٧]


نموذج من شعر المتنبي

قالَ المُتنبي في قصيدته "الخيل والليل والبيداء تعرفني": [٨]

واحَرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ

مالي أُكَتِّمُ حُبّاً قَد بَرى جَسَدي وَتَدَّعي حُبَّ سَيفِ الدَولَةِ الأُمَمُ

إِن كانَ يَجمَعُنا حُبٌّ لِغُرَّتِهِ فَلَيتَ أَنّا بِقَدرِ الحُبِّ نَقتَسِمُ

قَد زُرتُهُ وَسُيوفُ الهِندِ مُغمَدَةٌ وَقَد نَظَرتُ إِلَيهِ وَالسُيوفُ دَمُ

فَكانَ أَحسَنَ خَلقِ اللَهِ كُلِّهِمِ وَكانَ أَحسَنَ مافي الأَحسَنِ الشِيَمُ

فَوتُ العَدُوِّ الَّذي يَمَّمتَهُ ظَفَرٌ في طَيِّهِ أَسَفٌ في طَيِّهِ نِعَمُ

قَد نابَ عَنكَ شَديدُ الخَوفِ وَاِصطَنَعَت لَكَ المَهابَةُ مالا تَصنَعُ البُهَمُ

أَلزَمتَ نَفسَكَ شَيئاً لَيسَ يَلزَمُها أَن لا يُوارِيَهُم أَرضٌ وَلا عَلَمُ

أَكُلَّما رُمتَ جَيشاً فَاِنثَنى هَرَباً تَصَرَّفَت بِكَ في آثارِهِ الهِمَمُ

عَلَيكَ هَزمُهُمُ في كُلِّ مُعتَرَكٍ وَما عَلَيكَ بِهِم عارٌ إِذا اِنهَزَموا

أَما تَرى ظَفَراً حُلواً سِوى ظَفَرٍ تَصافَحَت فيهِ بيضُ الهِندِ وَاللِمَمُ

يا أَعدَلَ الناسِ إِلّا في مُعامَلَتي فيكَ الخِصامُ وَأَنتَ الخَصمُ وَالحَكَمُ

أُعيذُها نَظَراتٍ مِنكَ صادِقَةً أَن تَحسَبَ الشَحمَ فيمَن شَحمُهُ وَرَمُ

وَما اِنتِفاعُ أَخي الدُنيا بِناظِرِهِ إِذا اِستَوَت عِندَهُ الأَنوارُ وَالظُلَمُ

سيعلُم الجمعُ ممن ضمَّ مجلسُنا بأنني خيرُ من تسعى به قَدَمُ

أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمى إِلى أَدَبي وَأَسمَعَت كَلِماتي مَن بِهِ صَمَمُ

أَنامُ مِلءَ جُفوني عَن شَوارِدِها وَيَسهَرُ الخَلقُ جَرّاها وَيَختَصِمُ


وفاة المُتنبي

تُوفيَ المُتنبي وهو في عزّ عطائه، إذ كانَ يبلغ من العمر خمسين عامًا، وكانَ قد قُتِل على يد فاتك الأسدي خال ضبّة الأسديّ، الّذي هجاه المتنبي في إحدى قصائده، وكانَ قد حدث ذلك وهو عائدٌ من شيراز إلى بغداد؛ إذ اعترض الأسديّ طريقه في منطقة النّعمانية الواقعة غرب بغداد، فتقاتل الجمعان، وقُتل مُحسد بن المتنبي، وهمّ المتنبي حينها في الهروب، إلّا أنّ غلامه كان قد استوقفه قائلًا: "ألست من قال الخيلُ واللّيل والبيداء تعرفني؟" فردّ عليه المُتنبي "قتلتني، قتلك الله" ورجع كارًّا فقتل زعيم الجماعة، وقاتل حتى قُتل.[٩]


ولقراءة معلومات عن غيره من شعراء العصر العباسي: بشار بن برد، أبو العلاء المعري.

المراجع

  1. أحمد المتنبي، ديوان المتنبي، صفحة 5. بتصرّف.
  2. رولا غانم ، الآخر في شعر المتنبي، صفحة 1. بتصرّف.
  3. رولا غانم، الآخر في شعر المتنبي، صفحة 4-5. بتصرّف.
  4. عبدالرحمن برقوقي، شرح ديوان المتنبي، صفحة 23-24. بتصرّف.
  5. هدى معروف، هدى.pdf ديوان المتنبي:دراسة جمالية، صفحة 6. بتصرّف.
  6. إبراهيم صامب، الخصائص الفنيّة والمعنوية في مدائح المتنبي، صفحة 85-86. بتصرّف.
  7. مصطفى مفتاح، التشكيل الشعري ودلالته عند أبي الطيب المتنبي، صفحة 7-8. بتصرّف.
  8. أحمد المتنبي، ديوان المتنبي، صفحة 331.
  9. علي كنانة، المنفى الشعري العراقي، صفحة 19. بتصرّف.