فَنُّ الهِجاءِ
الهِجاءُ فنٌّ مِن فُنونِ الشِّعرِ الغِنائِيِّ؛ إذْ يُعَبِّرُ بِهِ الشّاعِرُ عَن عاطفَةِ الغَضب، والاحتقار، أو الاستهزاءِ. وفي تَسمِيَةٍ أُخرى، فَهُوَ فنُّ الشَّتمِ، أي نقيضُ المَدحِ، ففي القَصيدَةِ الهِجائيّةَِ، نَجِدُ نقائِض الفضائلِ الّتي يتَغنّى بِها المَدح؛ فنَجِدُ الغَدرَ ضدّ الوفاءِ، والكَذبَ ضدَّ الصّدقِ، والجَّهلَ ضِّدَّ العِلمِ، وأبلَغُ أنواعِ الهِجاءِ هُوَ ما يَمسُّ الجوانِبَ النَّفسيَّةَ؛ إذ كانَ يُخاطِبُ الشّاعِرُ خَصمَهُ بِصفاتِ البُخلِ، والجُبنِ، والكَذِبِ، ومن الجديرِ بالذّكرِ إنّ الهِجاء لَيسَ فَقطّ فنّ الشَّتم، بَل إنّ قَصيدةَ الهِجاءِ، تَمُدُّنا بالدُّروسِ الأخلاقيَّةِ الّتي تُشجِّعنا على العملِ بِعكس هذه الصّفات.[١]
من هو أهجى شعراء العرب
هو جَريرُ بن عطيّة الخطفيَ، يرجعُ نسبُهُ إلى بني تميمَ، ويُكنّى بأبي حزرة، نشأ في اليَمامة في أسرةٍ لا تملُك الجاهَ والثّروةَ[٢]، وعاشَ جَريرُ في العصرِ الأمويّ، وتُوفيَّ سنة 100 هـ، تنوّعت أغراضُه الشّعريّة بين الغزل الرّقيق، والهجاء المقذع، كَما بَرعَ في الوصفِ، والمدح[٣]، ويُعتَبرُ جَريرُ أحد الشُّعراء الثّلاثة الّذين اشتُهِروا بفنِّ الهِجاء، وكانت قد اختَلفتِ الآراء حولَ منِ الأفضل في النَّظمِ على هذا الغرضِ؛ فَكانَ لِكلّ مِنهم حزبٌ يُفضّله، فالأخطل كانَ أمدحهم، وأوصفهم للخمر، والفرزدق أفخرهم، وأما جَرير فكانَ أهجاهم وأنسبهم، وأكثرهم إلمامًا بِفنون الشّعر، وقد التَحمَ الهِجاء بينَ جرير، والأخطل، والفرزدق أربعينَ سنةً، فكان هجاء الفرزدق وجَرير مملوءًا بالفحش، والتعيير، أمّا الأخطل فكانَ نزيه الهجاء، وعلى الرّغم من أن جريرًا كانَ فاحِشًا في هجائه إلّا أنَّهُ كان عفيفًا في غزله، كَما هُو في حياتِه.[٤]
أساليب الهِجاء
للهِجاءِ أربعةُ أساليبٍ، تُقسم على النّحو الآتي:[٥]
- الهجاء الواقعيّ: وهُو الهجاء الّذي يصوّر فيه الشّاعر الشّخص المَهجوّ على حقيقتِه دون زيادة.
- الأسلوب السّاخر الكاريكاتوريّ: وهو الهجاءُ الّذي يتفنّن فيه الشّاعر بإلصاق الصّفات الّتي تحمِل معاني السُّخرية بالشخص المهجوّ.
- الأسلوب الصّريح: وهو الأسلوب الّذي لا يمتَنِع بهِ الشّاعر عن ذكر اسم المهجو، والإشارة إليهِ بشكلٍ مُباشر.
- أسلوب الهجاء التّعريضيّ: وفيهِ يُشير الشّاعر إلى المهجوّ إشارةً خفيّة، ويترك النّاس يفهمون إلى من يوجّه هِجاءه.
أنواع الهجاء
يُقسَم الهجاء إلى أربعةِ أنواع وهي: [٦]
- الهجاء الفرديّ: الّذي يتوجّه فيه الشاعر إلى شخص مُعيّن.
- الهجاء الجماعيّ: الّذي يتوجّه في الشّاعر إلى جماعةٍ مُعيّنة.
- الهجاء الخُلقيّ الّذي يتناول فيه الشّاعر العيوب الأخلاقيّة للمهجوّ كالجبن، والكذب.
- الهجاء الخَلقي الّذي يتناول فيه الشّاعر عيوب الجسد من أنفٍ طويل، أو قامةٍ قصيرة.
خصائصُ شعر الهجاء
يُعتبر الهجاء صورةً للحياة، وتعبيرًا عن أفكار الشّاعر، ويمثّل الهجاءُ جزءًا حقيقيّا من حياة الشّاعر، ومن الجدير بالذّكر أنّ لشعر الهجاء خصائص تميّزه عن بقيّة الأغراض الشّعريّة، ومنها:[٧]
- أولا: العاطفة في شعر الهجاء صادقة، تعبّر عن حالة صراع نفسيّ، وألم ذاتيّ يمرّ بها الشّاعر.
- ثانيا: يعتبر الهجاء من ألصق الفنون بحياتنا اليوميّة، بما يكشفه من حقيقة الأمور التي يحرص الكثيرون على إخفائها، بستر عيوبهم، ومخادعة النّفس بإبراز الوجه الحسن.
- ثالثا: يعيننا على تصوّر الحياة عند الأفراد، والمجتمع.
- رابعا: يعتبر أداةً للحكم على الحقائق التّاريخية المتّصلة بالمجتمع، والأخلاق، والمذاهب.
- خامسا: يُعدُّ أداةً للكشف عن النّفاق الدّيني، والرّياء لمن يتّخذ من دينه، أو مذهبه ستارًا لتحقيق مآربه.
- سادسًا: يصوّر مظاهر القبح والنّقص في الأشخاص من عيوبٍ، وخفايا، وما يتّصلُ بالأخلاقِ الظّاهرِ منها، والباطنِ.
السِّمات الأسلوبيّة لشعر جَرير
تَميَّزَ جَرير بِعدّةِ أساليبٍ ميَّزت شِعره، وهيَ:[٤]
- كانَ جَرير يَستهلّ قصائده المدحيّة، والهجائيّة بالغزل التقليديّ، وأجمل غزله وأكثره عاطفةً، وأصدقه شعورًا؛ حيثُ أنّه استهلّ قصيدته الهجائيّة النّونيّة، الّتي نظمها في الفرزدق بمقدّمةٍ رثائيّة، بكى فيها زوجته، ثمّ انتقل إلى ذمّ، وهجاء الفرزدق بأبشع الصّفات، وأشدّ الشّتائم.
- يَعتَمِد أسلوب الشّتائم والألفاظ البذيئة، والهجاء المقذع، فقد عرف عنه أنّه كان أنوفًا، لا ينام على ضيمٍ، يتتبّع مساوئ خصمه، فيعيّره بها، ويهجوهُ به بأسوأ الألفاظ، وإذا لم يجد ما يهجو به خصمه، كان يخترع القصص، ويلصقها بظهر المهجوّ.
- يُكرِّرُ أحيانًا ذاتَ الألفاظ، والتّعابير في قصائده السّابقة، إلّا أنّه عُرف رغم هذا بعذوبة كلمه، وحلاوة نغمه، وجزالة لفظه.
- يُكرّر المعاني، وعناصر التّعبير، وموادّ الفخر في كلّ قصائده، الّتي يلاحظ أنها كانت تُظهرُ نفسهُ اللينة الرّقيقة، تلذّ الأذن بجمال جرسها، وحلوِ لفظها.
- اعتمد في هجائه على الأسلوبِ السّاخر العاطفيّ.
نَماذج من شِعر جَرير
قالَ جَرير في قصيدته يَهجو التّيم:[٨]
وقالَ في قَصيدَتِهِ يَهجو الأخطل: [٨]
المراجع
- ↑ سراج الدين محمد ، الهجاء في الشعر العربي، صفحة 9-10. بتصرّف.
- ↑ جرير الخطفيّ، ديوان جرير، صفحة 5. بتصرّف.
- ↑ عبد عون الروضان، موسوعة شعراء صدر الإسلام والعصر الأموي، صفحة 99. بتصرّف.
- ^ أ ب جرير الخطفيّ، ديوان جرير، صفحة 6-7. بتصرّف.
- ↑ سراج الدين محمد ، الهجاء في الشعر العربي، صفحة 6. بتصرّف.
- ↑ سراج الدين محمد، الهجاء في الشعر العربيّ، صفحة 7. بتصرّف.
- ↑ عبدالمنعم الحاج محمد، الهجاء في العصر العباسي الثّاني، صفحة 8-9. بتصرّف.
- ^ أ ب جرير الخطفي ، ديوان جرير، صفحة 24.