فحول الشّعراء

يُعرفُ فحولُ الشُّعراءِ ضمن رؤية ابن سلَّام الجمحي بالشّعراء الأكثر شهرةً، والّذين يعرفهم جلُّ أهل الأدب، والّذين يقع الاحتجاج في أشعارهم في الغريب، وفي النّحو، وفي القرآن الكريم، وفي حديث النّبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- حيثُ صنّفهم ضمنَ طبقاتٍ، في كتاب "طبقات فحول الشّعراء"، والّذي يوحي العنوان فيه إلى منهج ابن سلّام في تصنيف الشّعراء، حيث يقول في مقدّمته: "ففصَّلنا الشّعراء من أهل الجاهليَّة والإسلام والمخضرمين الّذين كانوا في الجاهليّة، وأدركوا الإسلام، فنزلنا منازلهم، واحتججنا لكلّ شاعرٍ بما وجدنا له من حجَّةٍ، وما قال العلماء"، فمن هم فحول الشّعراء؟، وبمَ تميّز شعرهم؟.[١]


أبرز فحول الشّعراء

اقتصر ابن سلّام في تصنيفه للفحول على أربعين شاعرًا، حيث قال في كتابه: "فاقتصرنا من الفحول على أربعين شاعرًا، فألفنا من تشابه شعره منهم إلى نظرائه، فوجدناهم عشر طبقات، أربعة رهط في كلّ طبقة، متكافئين معتدلين"، ونذكر من بينهم:


أوّلًا: النَّابغة الذُّبيانيّ، من طليعة طبقات شعراء الجاهليّة:

وهو زياد بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن ذبيان، عُرف بالنّابغة الذّبيانيّ، نشأ في بلاطي ملوك المناذرة في الحيرة، والغساسنة في الشّام، وسمّي بالنّابغة لقوله الشّعرَ بعد الأربعين، واشتهر بقصيدته (المتجرّدة) الّتي قالها في زوجة النّعمان بن المنذر، حيث اعتبرت لوحة فنّيّة لما فيها من وصفٍ دقيق، وتصويرٍ حسّي لتلك المرأة، دون تهيّب من تجبّر الملك، حتّى وصلت القصيدة إلى مسامع الملك، فهرب النّابغة، وأرسل اعتذاره الّتي وصف فيها بالتذلّل الشّديد. ونورد من قصيدته المتجرّدة قوله:[٢]


نَظَرَت بِمُقلَةِ شادِنٍ مُتَرَبِّبٍ أَحوى أَحَمِّ المُقلَتَينِ مُقَلَّــــدِ وَالنَظمُ في سِلكٍ يُزَيَّنُ نَحرَها ذَهَبٌ تَوَقَّدُ كَالشِهابِ الموقَدِ صَفراءُ كَالسِيَراءِ أُكمِلَ خَلقُها كَالغُصنِ في غُلَوائِهِ المُتَأَوِّدِ وَالبَطنُ ذو عُكَنٍ لَطيفٌ طَيُّهُ وَالإِتبُ تَنفُجُهُ بِثَديٍ مُقعَـــــدِ مَحطوطَةُ المَتنَينِ غَيرُ مُفاضَةٍ رَيّا الرَوادِفِ بَضَّةُ المُتَجَرَّدِ



ثانيًا: جرير بن عطيَّة، من طليعة طبقات شعراء الإسلام:

وهو جرير بن عطيّة الخطفيّ، يقال إن سبب تسميته بهذا الاسم "جرير" يعود إلى رؤية أمّه منامًا وهي حاملٌ به، حيث رأت نفسها قد ولدتْ حبلًا من شعرٍ أسود، فلمّا سقط منها جعل ينزو فيقع في عنق هذا فيخنقه، حتّى فعل ذلك برجال كثيرة، فلمّا أوّلت المنام قيل لها: "تلدين غلامًا شاعرًا ذا شرّ وشدّة شكيمة وبلا على النّاس. فلمّا ولدته سمّته جريرًا باسم الحبل الّذي رأت أنّه خرج منها" [٣]، ونشأ جرير في بيئة فاسدة، وعُرف بشدّة عقوقه لأبيه، وترعرع في قرية "حجر" بين أهل فقراء يقولون الشّعر، ويهجون الشّعراء، ومن هنا تعلّم الكلام وتثقّف. أوّل قول له كان رجزًا في غسّان السّليطيّ من أبناء عمومته، سمعه يهجو قومه، والنّاس من حوله عنق واحد، فهاجت نفس جرير برجز فيه فحش شديد[٣]، وعُرف جرير بشعره الّذي فيه عبثٌ بالشّعراء، وتفريق الكلمة، ونشر العداوة والحقد، وقذف المحصنات، وكلّ ما تأنفه مكارم الأخلاق، وكان يقول: "إنّهم يبدؤونني.. ثمّ لا أعفو".[٣]


بعض ما يؤخذ عليه في الشّعر:

  • أوَّلًا: أخِذ على جرير أنّه كان يُصرف أحيانًا في قوافيه، في بعض المواضع، فتكون قافية مكسورة حينًا وأخرى مفتوحة، كقوله:[٣]


عرين من عرينة ليس منّا برئتُ من عرينة إلى عرينِ عرفنا جعفرًا وبني عبيــد وأنكرْنا زعــانــفَ آخـريـنَ

  • ثانيًا: أخذ عليه في بعض شعره فساد الأقسام، أي يقسّم الكلام، ثمّ يذكر البعض ويُلغي البعض، ممّا لا يجب إلغاؤه، كقوله في بني حنيفة:[٣]


صارتْ حنيفة أثلاثًا: فثلثهم من العبيد وثلثٌ من موالينا

  • ثالثًا: وقع في لحنٍ، حيثُ نصب "الكلاب" في غير موضع النّصب بقوله:[٣]


ولو ولدت لعنزة جرو كلبٍ لسُبّ بذلك الجرو الكلابا

  • رابعًا: تُستهجن له بعض الألفاظ الّتي تعارض الذّوق الحضريّ.[٣]


ثالثًا: الخنساء، من طبقة شعراء المراثي:

وهي تماضر بنت عمرو بن الحارث، من مضر، من قبيلة سُليم، شاعرة من شعراء العرب المخضرمين، والّتي عرفت برثائها لأخويها "صخر ومعاوية". لُقّبت بالخنساء لجمال عينيها اللّتين تشبهان عينيّ البقرة الوحشيّة، ويقال: إنّ الخنساء لقب لها وهي صبيّة، ولدت في مرتفعات حجاز، سنة 575 م، وقد فُجعت بفقد أخويها صخر ومعاوية، فحزنتْ عليهما حزنًا شديدًا، فأصبحت تكثر من نظم الشّعر، على الرّغم من كونها قبل وفاتهما مقلّة في ذلك، وقد استمرّت تبكي أخاها صخرًا الأحبّ على قلبها حتّى ابيضّت عيناها، وكانت تقول بعدما أسلمت: "كنتُ أبكي له من الثّأر وأنا أبكي له اليوم من النّار".[٤]


مميّزات شعر الخنساء

تميّز شعر الخنساء بعدّة ميّزاتٍ، منها:[٤]

  • أوّلًا: سيطرة حزن الخنساء، وألمها العميق لفقد أخويها على أفكار القصائد والأبيات الّتي نظمتها.
  • ثانيًا: كثرة التّحدّث عن أسرتها، وقوّة بأسها، وحسن شمائلها من اتّصافٍ بالجود، وخاصّة أخاها صخرًا.
  • ثالثًا: العاطفة الصّادقة الجيّاشة، وأثر ذلك واضح في تكرار بعض ألفاظها.
  • رابعًا: قلّة الصّور الخياليّة في شعرها.
  • خامسًا: وضوح أثر البيئة في تراكيب نصّها وألفاظها، كقولها: "علمٌ في رأسه نار"، "إذا جاعوا لعقار".


قالت في أخيها صخرًا

من قصيدة:[٥]


أَعَينَيَّ جودا وَلا تَجمُدا أَلا تَبكِيـــانِ لِصَخـرِ النَدى أَلا تَبكِيانِ الجَريءَ الجَميلَ أَلا تَبكِيـانِ الفَتــى السَيِّــــدا طَويلَ النِجادِ رَفيعَ العِمادِ ســـادَ عَشيـرَتَـــهُ أَمـــــرَدا إِذا القَومُ مَدّوا بِأَيديهِمِ إِلى المَجدِ مَـــدَّ إِلَيـــهِ يَـــدا فَنالَ الَّذي فَوقَ أَيديهِمِ مِنَ المَجدِ ثُمَّ مَضى مُصعِدا يُكَلِّفُهُ القَومُ ما عالُهُم وَإِن كانَ أَصغَرَهُم مَولِــــدا تَرى المَجدَ يَهوي إِلى بَيتِهِ يَرى أَفضَلَ الكَسبِ أَن يُحمَدا وَإِن ذُكِرَ المَجدُ أَلفَيتَهُ تَـأَزَّرَ بِالمَجــدِ ثُــمَّ اِرتَـــــدى



رابعًا: السّموأل بن عادياء، من طبقة شعراء اليهود:

وهو السّموأل بن غريض بن عادياء الأزديّ، ويقال (صموئيل).، كان يُكنّى (بأبي شريح)، ديانته اليهوديَّة.، عُرف بوفائه، وحسن شيمه العربيّة، المتمثّلة بحفظ الذّمم، ورفض الابتزاز، حيث ساومه الحارث الغسّانيّ بابنه، حينما طلب منه أن يسلّمه الدّروع الّتي استودعها عنده امرؤ القيس، إلّا أنّه رفض حفظًا للأمانة، فما كان من الحارث إلا أن قتل ابنه أمامه. وقد قال في ذلك:[٦]


وفيْتُ بأدرع الكنديّ إنّـــي إذا ما ذمّ أقـــوامٌ وفيــــْتُ


ويُعتقد أنّ معظمَ شعره منحولٌ، ففيه موضوعات دينيّة، وأساليب بلاغيّة، تعود إلى عهود إسلاميّة قديمة، واشتُهر بلاميّته الّتي جسّدت خلق العربيّ، ونزوعه نحو الفرديّة، وفخره بذاته وقبيلته، حيث يقول:[٦]


إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُـهُ فَكُــــلُّ رِداءٍ يَرتَديـــــهِ جَميـــــــــلُ وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَفسِ ضَيمَها فَلَيــسَ إِلـــى حُســـــنِ الثَناءِ سَبيــلُ تُعَيِّــــرُنـا أَنّـا قَليــــلٌ عَديــــــــــــدُنا فَقُلــــتُ لَهـــا إِنَّ الكِـــــرامَ قَليـــــــلُ وَما قَــلَّ مَــــن كـــانَــت بَقاياهُ مِثلَنــا شَبابٌ تَسامــــى لِلعُلا وَكُهـــــــــــولُ



المراجع

  1. نورة فلوس، بيانات الشّعريّة العربيّة من خلال مقدّمات المصادر التّراثيّة، صفحة 17. بتصرّف.
  2. عبد عون الرّوضان، موسوعة شعراء العصر الجاهلي، صفحة 316-317. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج ح خ جميل سلطان، جرير قصّة حياته ودراسة أشعاره، صفحة 197. بتصرّف.
  4. ^ أ ب الدّكتور حفظ الرّحمن، Hifz ur _v23_16.pdf منهج الخنساء في شعرها الرّثائيّ، صفحة 373-343. بتصرّف.
  5. عناية وشرح حِمدو طمّاس، ديوان الخنساء، صفحة 31.
  6. ^ أ ب الأعلم الشنتمري، أشعار الشعراء الستة الجاهليين، صفحة 246. بتصرّف.