الخنساء

وهي شاعرة جاهلية، تعد من شعراء العرب وأبرزهم، عاشت سنين عمرها الأخيرة في صدر الإسلام وقد اعتنقته، ولقبت بشاعرة الرثاء؛ لأنها لم تقل شعرًا في فنٍ سواه، وذلك في الحزن على أخويها معاوية وصخر، لما عرف عنهما من جسارةٍ وبطولةٍ، وقد اشتهرت بشجاعتها، وعصبيتها القبليّة وهذا ما تميز به أهل الجاهلية جميعًا، كما وقد عرفت بسلبيتها في أشعارها، علاوةً على أنها كانت شخصية محافظة، وقد شبهت بالبقرة الوحشية، أو الظبية لجمال عينيها، ومن ذاك جاء لقبها الخنساء، من الخنس؛ وهو تأخر الأنف عن الوجه، مع ارتفاعٍ قليلٍ في الأرنبة.[١][٢][٣]


نشأة الخنساء وحياتها

هي تماضر بنت عمرو بن آل الشريد من قبيلة سليم، وهي وحيدة أبويها من الإناث، ولها من الذكور شقيقها معاوية، وأخوها صخر، وقد نشأت وترعرعت في كنف والدها الذي اهتم بها فكانت قريرة العين لا يصيبها مكروه، وقد لقبت بالخنساء لجمالها، فقدم لخطبتها الكثير، ولكنها كانت مفتونةٌ بنفسها، فاختارت ما تراه ملائمًا لها، ومن ذلك تقدم دريد بن الصمة لخطبتها، فرفضته رغم أنه فارس جشم، ذو مالٍ وشهرة، فقالت في ذلك لوالدها: "يا أبت أتراني تاركة بني عمي مثل عوالي الرماح وناكحة شيخ بني جشم هامة اليوم أو الغد، إنه حق الحياة أبت أن تنزل عنه مهما كان الثمن"، وهي هنا تشير في قولها إلى فارق السن بينهما؛ إذ أنه شيخ كبير، وقد شهر لها دريد، وغضب لرفضها له، وبعد ذلك جاءها رواحة بن عبد العزى السلمى خاطبًا فقبلته، وهو أحد أبناء عمها، وأنجبت منه عبد الله "أبو شجرة"، وبعد رواحة تزوجت الخنساء من أبي عامر السلمى، وهو رجلٌ من قبيلتها، وسيد معروفٌ بكرمه، وقد أنجبت منه معاوية، وعمرو، وزيد، وابنة اسمها عمرة.[٤][٥]


ثقافة الخنساء وعلمها

والد الخنساء من أشراف قبيلته، وأخواها سيدان كذلك، وكان والدهما يباهي بهما قومه بكلّ فخرٍ، ومن ذلك كانت الخنساء أيضًا معتدةً بنفسها، وذات كبرياءٍ وأنفة عاليين، علاوةً على امتيازها بالجمال، فاجتمعت لديها كل أسباب العزة والفخر، وكانت فصيحة اللسان شأنها شأن أهل البادية والحجاز، فاشتهرت في الشعر والأدب خاصة في سوق عكاظ، ولها ما للمرأة الحرة في الجاهلية من مكانةٍ.[٦]


أسلوب الخنساء الشعري

اشتهر أسلوب الخنساء في أشعارها التي غلب عليها غرض الرثاء بقوة اللفظ، والبلاغة والفصاحة، فعلى الرغم من أنها كانت تستهل أشعارها بالبكاء، إلا أنها تعود بعد بيتٍ، أو شطر بيتٍ إلى ألفاظ العزة والمجد والعظمة، وقد امتازت باستهلال أشعارها بمخاطبة عينينها، من مثل قولها "يا عين جودي، أعين جودي"، وما هو من ذلك، علاوةً على بعدها عن التكلف، والجفاف في الأسلوب، والاستعاضة عن ذلك بصدق الكلام، والعاطفة الخالصة التي تصحبها بالمبالغة في التعبير عن الحزن، وتعظيم للمصائب بأسلوبٍ يجمع التأكيد والمبالغة.[٧][٨]


نهج الخنساء الشعري

اشتهر شعر الخنساء بعد وفاة أخويها معاوية وصخر بموضوع الرثاء والبكاء؛ فكان السبب في جميع أشعارها، والسبب في إجادتها وإطالتها، حتى بلغت القصيدة الواحدة 35 بيتًا، ما بين ندبٍ، وتأبينٍ، وعزاءٍ.[٩]


مؤلفات الخنساء

وجدت أشعار الخنساء منثورة في عدة كتبٍ للأدب، وقد وجد بعضها مخطوطًا، وآخر مطبوعًا، فتم جمع ديوانٍ شعريٍّ لها، منه نسخة شرح ديوان الخنساء، التي خطها إبراهيم بن مسعود عام 620 هجري، ونسخة أخرى مخطوطة في دار الكتب المصرية، ونسختين مخطوطتين أيضًا في مكتبة برلين، علاوةً على نسخة في حلب، ونسخة في بيروت أيضًا، ومن الكتب التي جمعت فيها أشعار الخنساء، كتاب "أنيس الجلساء في شرح ديوان الخنساء"، وهو للأب لويس شيخو عام 1895م، ومن المرجح أنّ ابن السكيت، قد جمع ديوانها في العصر العباسي.[١٠][١١]

كما أن هنالك كتاب في مصر تحت عنوان "ديوان الخنساء" غير معروف جامعه، وكتاب آخر في بيروت تحت ذات العنوان، وقد استقر على أن المخطوطة الأولى هي الأصح، وقد جمع الدكتور إبراهيم عوضين أشعار الخنساء في كتابه "ديوان الخنساء دراسة وتحقيق"، وذكر كل ذلك فيه.[١٢]


أشهر مؤلّف للخنساء

مما ذاع صيته من أشعار الخنساء، ما قالته في رثاء أخوها صخر، والذي كانت تحبه حبًّا جمّا، فقالت قصيدتها بعنوان ألا تبكيان، والتي تقول فيها[١٣]:


أَعَينَيَّ جودا وَلا تَجمُدا أَلا تَبكِيانِ لِصَخرِ النَدى أَلا تَبكِيانِ الجَريءَ الجَميلَ أَلا تَبكِيانِ الفَتى السَيِّدا طَويلَ النِجادِ رَفيعَ العِمادِ سادَ عَشيرَتَهُ أَمرَدا إِذا القَومُ مَدّوا بِأَيديهِمِ إِلى المَجدِ مَدَّ إِلَيهِ يَدا فَنالَ الَّذي فَوقَ أَيديهِمِ مِنَ المَجدِ ثُمَّ مَضى مُصعِدا يُكَلِّفُهُ القَومُ ما عالُهُم وَإِن كانَ أَصغَرَهُم مَولِدا تَرى المَجدَ يَهوي إِلى بَيتِهِ يَرى أَفضَلَ الكَسبِ أَن يُحمَدا وَإِن ذُكِرَ المَجدُ أَلفَيتَهُ تَأَزَّرَ بِالمَجدِ ثُمَّ اِرتَدى.



وصية الخنساء لأبنائها

من أشهر ما جاء عن الخنساء وصيتها لأبنائها الأربعة حين ضرب البعث على المسلمين في بلاد فارس، وواقعة القادسية، فقالت لهم: "يا بني إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجلٍ واحدٍ، كما إنكم بنو امرأةٍ واحدة، ما هجنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم، واعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت نارًا على أوراقها فتيمموا وطيسها، وجالدوا رسيسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة"، وقد ظلت تحضهم على القتال، وتذكر لهم الجنة، فأبلوا بلاءً حسنًا فاستشهدوا، حتى وصلها الخبر فقالت: "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة"، وبذلك فإن تاريخ الخنساء يشهد لها بأنها كانت امرأة فريدة، تحتقر الخور والجبن، وترى الرجولة في الإقدام، والصبر، والشجاعة.[١٤]


وفاة الخنساء

اختلف الباحثون في سنة وفاتها، فهنالك من قال إنها توفيت عام 646 م؛ أي عام 26 هجرياً، وآخر يقول إنها توفيت في أول خلافة عثمان وذلك عام 24 هجرياً؛ أي 644 م، ويقول الشيخ محمد محي الدين بأنّ سنة وفاتها هي سنة 50 هجرياً؛ أي 670 م، وبذلك فقد تنوعت واختلفت الأقوال في ذلك، ويعود السبب في عدم تحديد السنة، إلا أنها وبعد وفاة أبنائها قد عرّاها الخمول والفراغ، ومسحت عليها السنون بكفّها الغليظة، فكفّ بصرها من شدة حزنها، فماتت وقد ضاقت بها الحياة.[١٥]

المراجع

  1. الدكتور محمد جابر عبدالعال، الخنساء شاعرة لني سليم، صفحة 119-110-107.
  2. الدكتور محمد جابر عبدالعال، الخنساء شاعرة لني سليم، صفحة 104-99.
  3. الدكتور إبراهيم عوضين، ديوان الخنساء دراسة وتحقيق، صفحة 3.
  4. الدكتور محمد جابر عبدالعال، الخنساء شاعرة لني سليم، صفحة 76-74-68-61.
  5. الدكتور محمد جابر عبدالعال، الخنساء شاعرة لني سليم، صفحة 54.
  6. الدكتور إبراهيم عوضين، ديوان الخنساء دراسة وتحقيق، صفحة 21-16.
  7. الدكتور إبراهيم عوضين، ديوان الخنساء دراسة وتحقيق، صفحة 144-146.
  8. فطيمة ميلي، أساليب التأكيد والمبالغة في ديوان الخنساء دراسة دلالية، صفحة 5.
  9. الدكتور إبراهيم عوضين، ديوان الخنساء دراسة وتحقيق، صفحة 141-136-133.
  10. الدكتور إبراهيم عوضين، ديوان الخنساء دراسة وتحقيق، صفحة 4-5.
  11. فطيمة ميلي، أساليب التأكيد والمبالغة في ديوان الخنساء دراسة دلالية، صفحة 9.
  12. الدكتور إبراهيم عوضين، ديوان الخنساء دراسة وتحقيق، صفحة 5-6.
  13. حمدو طماس، الخنساء، صفحة 31.
  14. الدكتور محمد جابر عبدالعال، الخنساء شاعرة لني سليم، صفحة 90-88.
  15. الدكتور إبراهيم عوضين، ديوان الخنساء دراسة وتحقيق، صفحة 77-80.