النابغة الذبياني

هو أبو أمامة، زياد بن مُعاوية بن جابر بن يربوع بن غيظ بن غطفان، من أشراف ذيبان، وهو واحد من فحول الشّعراء الجاهليين، وأشهرهم، وأحسنهم لفظًا وبيانًا للمعنى، كَما أنه كان زعيمهم في عُكاظ، وقد لُقِّبَ زياد بن مُعاوية الذّيباني بالنابغة، لنبوغه في الشّعر فجأةً وهو في سن كبيرة على الرغم من امتناعه عنه في صغره، وبالرّغم من ذلك، فإنَّ شِعره عُرفَ برشاقة اللفظ، ووضوح المعاني وجزالتها، كَما اتّسم شِعره بحُسن النّظمَ وقلة التكلّفُِ.[١]


نشأة النابغة الذبياني وحياته

يعود الذبياني إلى قوم بنو مرة بن عوف، وهم قوم أصل نسبهم يعود إلى مُرة بن عوف بن لؤي بن غالب بن فهر بن كنانة بن خزيمة، من قبيلة قريش من بني كنانة، ولكن عوف بن لؤي انفصل عن قومه ودخل في بني ذبيان، كما أن كنية النابغة هي أبو أمامة، أو أبو ثمامة، وكلاهما أسماء ابنتاه.


نشأ وعاش الشّاعر في قبيلة ذبيان، وكان شريفًا مِن أشرافِهم، وسيدًا في قومه، لكن لم تذكُر الكتب والتّراجم عام ولادته بالتحديد، ولا تفاصيلًا واضحةً عن نشأته الأولى قبل اتّصاله ببلاط الملوك.


فقد اتصل النابغة بالملوك كالنّعمان بن المنذر ملك الحيرة، فكانَ النّابغة الذبيانيّ شاعره، يُجالسه ويُنادمه، وكانت هذه الفترة من عمر النابغة مزدهرة، إذ زاد فيها شأنه، ورُفعت مكانته أكثر، فأصبح من سادات قومه، وسفيرهم لدى القبائل الأخرى، عدا عن شهرته الأدبية بين الشعراء في سائر أنحاء الجزيرة العربية.


فيما بعد، تعرّض الذبياني لمكيدة من الوشاة من بني قومه لعفته وشرفه؛ فقاموا بدسّ الفتنة بين النابغة والنعمان، وذكروا للنعمان ذهاب النابغة إلى بلاط الغساسنة، وباعتبارهم من أعداء بلاط المناذرة، غضب النعمان من النابغة وتوعّده، فهرب النابغة إلى قومه ذبيان، وانتقل بعدها إلى الغساسنة في الشّام، فلبث عندهم إلى أن توفي النّعمان، فعاد إلى بلاد المناذرة، وفي هذه الواقعة الحزينة، ألّف النابغة خلال فترة غربته أجمل الأبيات الشعرية التي يصف فيها وجده وشوقه، واضطراب مشاعره، وما يحمل من حنين ولوعة.[٢]


ثقافة ومنهج النابغة الذبياني الشعري

كان الشاعر ينتسب فنيًّا إلى المدرسة الأوسيّة، والّتي قامت على القواعد الشّعريّة الّتي حددها زعيمها الأول أوس بن حجر، وتنظر إلى الشّعر على أنه صناعة تحتاج إلى أناة، وترى أنه إن لم يكونوا الشُّعراء كالعبيد لنصوصهم فلا يُمكن لهذه النّصوص أن ترتقي ويعلو شأنها، فكان النّابغة الذبياني من أهم رواد هذه المدرسة.[٣]


تضمنّ شعر الذبيانيّ أغراضًا شعريّةً متعددة كالاعتذار، والمديح، والوصف، إضافةً إلى الهجاء، والغزل، لكن تفوّق النابغة بجدارة في شعر المديح والاعتذار، فقد خصّ النعمان في كثير من قصائد المديح والاعتذار، وأصبحت تسمى الاعتذاريات، وهي من أجمل أشعار الذبياني.


إضافةً إلى أنّ شعره كان قد امتاز بالتّنويع في المعاني الجّزلة النّاعمة الّتي تتسم بالرقة، والبعد عن الأغراب، وحوشيّ الكلام، كما ابتعد الشّاعر عن التكلّف والتصنع في شعره، فحرص على إبراز الصّورة الشّعريّة الحقيقيّة في أدق تفاصيلها.[٤][٥]


مؤلفات النابغة الذبياني

تركَ لنا النّابغة الذبيانيّ ديوانًا شِعريًّا تمّت طباعته لأول مرة ضمن مجموعة مؤلّفة من دواوين ستة شعراء جاهليين، مثل امرؤ القيس وزهير بن أبي سلمى، إضافةً إلى الذبيانيّ، وسُميت هذه المجموعة العقد الثمين، وقد تراوحت أشعاره بين النتف، والقصائد الطّويلة، فتجد قصيدة مؤلّفة من بيتين، وأخرى مؤلّفة من أربعين بيتًا.[٦]


أهاجك من أسماء رسم المنازل

قال النابغة الذبياني قصيدة في غزو عمرو بن الحارث الأصغر الغساني لبني مرة بن عوف ابن ذبيان، وهذه بعض أبياتها:[٧]


أَهاجَكَ مِن أَسماءَ رَسمُ المَنازِلِ بِرَوضَةِ نُعمِيٍّ فَذاتِ الأَجاوِلِ أَرَبَّت بِها الأَرواحُ حَتّى كَأَنَّما تَهادَينَ أَعلى تُربِها بِالمَناخِلِ وَكُلُّ مُلِثٍ مُكفَهِرٍ سَحابُهُ كَميشِ التَوالي مُرثَعِنَّ الأَسافِلِ إِذا رَجَفَت فيهِ رَحىً مُرجَحِنَّةٌ تَبَعَّقَ ثَجّاجٌ غَزيرُ الحَوافِلِ عَهِدتُ بِها حَيّاً كِراماً فَبُدِّلَت خَناطيلَ آجالِ النِعامِ الجَوافِلِ تَرى كُلَّ ذَيّالٍ يُعارِضُ رَبرَبًا عَلى كُلِّ رَجافٍ مِنَ الرَملِ هائِلِ يُثِرنَ الحَصى حَتّى يُباشِرنَ بَردَهُ إِذا الشَمسُ مَجَّت ريقَها بِالكَلاكِلِ وَناجِيَةٍ عَدَّيتُ في مَتنِ لاحِبٍ كَسَحلِ اليَماني قاصِدٍ لِلمَناهِلِ لَهُ خُلُجٌ تَهوي فُرادى وَتَرعَوي إِلى كُلِّ ذي نيرَينِ بادي الشَواكِلِ وَإِنّي عَداني عَن لِقائِكِ حادِثٌ وَهَمٌّ أَتى مِن دونِ هَمَّكِ شاغِلُ نَصَحتُ بَني عَوفٍ فَلَم يَتَقَبَّلوا وَصاتي وَلَم تَنجَح لَدَيهِم وَسائِلي فَقُلتُ لَهُم لا أَعرِفَنَّ عَقائِلاً رَعابيبَ مِن جَنبَي أَريكٍ وَعاقِلِ ضَوارِبَ بِالأَيدي وَراءَ بَراغِزٍ حِسانٍ كَآرامِ الصَريمِ الخَواذِلِ خِلالَ المَطايا يَتَّصِلنَ وَقَد أَتَت قِنانُ أَبيرٍ دونَها وَالكَوائِلِ وَخَلّوا لَهُ بَينَ الجِنابِ وَعالِجٍ فِراقَ الخَليطِ ذي الأَذاةِ المُزايِلِ



وفاة النابغة الذبياني

عاشَ النّابغة عُمرًا طويلًا إلى أن وافته المنيّة عام 18 قبل الهجرة.[٨]


اقرأ المزيد عن شعراء من العصر الجاهلي، مثل: عمرو بن كلثوم، والحارث بن عباد.

المراجع

  1. نور حكمة، Hikmah.pdf النابغة الذبياني وخصائص شعره: دراسة تحليلية أدبية، صفحة 25-26. بتصرّف.
  2. محمد أبو زيد، التوجيه البلاغي للمعيب من شعر النابغة الذبياني، صفحة 1915-1916. بتصرّف.
  3. محمد أبو زيد، التوجيه البلاغي للمعيب من شعر النابغة الذبياني، صفحة 1917. بتصرّف.
  4. عباس عبدالستار، ديوان النابغة الذبياني، صفحة 6. بتصرّف.
  5. حمدو طماس، ديوان النابغة الذبياني، صفحة 7. بتصرّف.
  6. حمدو طماس، ديوان النابغة الذبياني، صفحة 6-7. بتصرّف.
  7. عباس عبدالساتر، ديوان النابغة الذبياني، صفحة 127-129.
  8. جمال ناصف، أسلوب الاستفهام في ديوان النابغة الذيباني، صفحة 598. بتصرّف.