قصيدة إلى بيروت مع الاعتذار

تعود قصيدة "إلى بيروت مع الاعتذار" إلى الشاعر نزار قباني، وهو شاعر سوري ذائع الصيت، وُلِد في دمشق عام 1923م ونشأ وترعرع فيها، متلقيًا تعليمه الأولي والجامعي في هذه المدينة القريبة من وجدانه، إذ إنه حصل على الشهادة الجامعية في الحقوق من الجامعة السورية، وذلك في عام 1944م، وهو العام نفسه الذي صدر فيه أول ديوان شعري له؛ فقد كانت ملامح اهتمامه بالشعر متشكلة لديه في سن صغيرة، ومن شدة اهتمامه به أسّس دار نشر باسمه في بيروت، وطوال مسيرته الأدبية غدا نزار قباني علامة فارقة في الشعر العربي.[١]


شرح قصيدة إلى بيروت مع الاعتذار

تعدّ قصيدة "إلى بيروت مع الاعتذار" إحدى قصائد ديوان نزار قباني الموسوم بـ "إلى بيروت الأنثى مع حبي"، وهي مؤلفة من 15 بيتًا، يعبّر فيها الشاعر عن تعلّقه بلبنان وحبه له، وقد تم تقسيم القصيدة إلى عدة مقاطع فيما يأتي شرح موجز لها:[٢][٣]


شرح الأبيات (1-2)


كَان لُبنَانُ لَكُم مَروَحَةٌ تَنشُرُ الأَلوَانَ وَالظِلَّ الظَلِيلاَ كَم هَزَيتمُ مِن صَحَارَاكُم إلَيهِ تَطلُبونَ اَلمَاءَ وَالوَجهَ الجَمِيلاَ



يفتتح الشاعر قصيدته مباشرةً بالغرض الرئيس من نظمها، والذي كان عنوانها تمهيدًا له، ألا وهو إبداؤه الأسى والأسف مما حلّ في لبنان من دمار وخراب إثر الحروب والانتهاكات التي تعرض لها، إذ يستذكر الشاعر كيف كان لبنان قبل الدمار؛ فقد وصفه بالمكان الجميل الذي يروّح فيه الناس عن أنفسهم ويشعرون فيه بالسعادة والفرح وتنتشر فيه ألوان البهجة، كما كان لبنان للعرب ملجأ من الصحراء وحرّها الشديد فيستظلّون به ويستمتعون بجماله وخيراته وطبيعته، ومن العبارات والمفردات التي تحتاج إلى توضيح الآتي:

  • الظليل: كثير الظل.
  • تطلبون الماء: كناية عن الخيرات التي يتمتع بها لبنان.
  • الوجه الجميل: كناية عن جمال لبنان وطبيعته الخلابة.

شرح الأبيات (3-7)


واغتَسَلتُم بِنَدَى غَابَاتِهِ وِاختَبَأتُم تَحتَ جِفنَيِه طَوِيلاَ وِتَسَلَّقتُم عَلَى أَشجَارِهِ وِسَرَحتُم فِي بَرَارِيِه وُعُولاَ وِشَرِبتمُ مِن خَوَابِيِه نَبِيذَاً وَسَمِعتُم مِن شَوَادِيهِ هَدِيلاَ وِقَطَفتمُ مِن رَوَابِيهِ الخُزَامَى وَالعُيُونَ الخُضرَ وِالخَدَّ الأَسِيلاَ وِاقتَنَيتمُ شَمسَهُ لُؤلُؤَةً وِرِكبتمُ أَنجمُ اللَّيلِ خُيُولاَ



يستمرّ الشاعر في هذه الأبيات في وصف الصورة التي كان عليها لبنان قبل العبث به وتدميره؛ فقد كان جميلًا مليئًا بالغابات الخضراء التي تجذب الناس إليها حتى وكأنهم اتخذوها مسكنًا لهم فاغتسلوا وناموا فيها، فيفعلون في لبنان كل ما يحلو لهم ويتمتعون بكلّ مظاهر الحياة الرغيدة، فيشربون الخمر المعتّق على تغاريد العصافير والطيور، ويقطفون من حدائقه الغنّاء الورود والأزهار، ويستمتعون بأشعة شمسها التي تبدو كاللؤلؤ، كما يُشبّه الشاعر لبنان بالأنثى الجميلة خضراء العيون وناعمة الخدّ التي تسحر الجميع بجمالها، ومن العبارات والمفردات التي تحتاج إلى توضيح الآتي:

  • سرحتم: مشيتم على غير هدى.
  • البراري: جمع بريّة، وهي الصحاري.
  • الوعول: الغزلان البرية.
  • الخوابي: جِرار الخمر
  • النبيذ: الخمر.
  • الشوادي: الطيور التي تغرّد وتغنّي.
  • الروابي: جمع رابية، وهي ما ارتفع من الأرض.
  • الخزامى: زهرة لها رائحة جميلة.
  • الخدّ الأسيل: الخدّ الناعم الأملس، وهو كناية عن جمال لبنان.


شرح الأبيات (8-15)


إِنَّهُ عَلّمَّكُم أَن تَعشَقُوا لَم يَكُن لُينَانُ فِي العُشقِ بَخيِلاَ إِنَّهُ عَلَمَّكُم أَن تَقرَأوا هَل تَقولون لَهُ: شُكراً جَزِيلاَ؟ آه يَا عُشَّاقَ بَيرُوتَ القُدَامَى هَل وَجَدتُم بَعدَ بَيرُوتَ البَدِيلاَ؟ إِنَّ بَيرُوتَ هِيَ الأُنثَى الَتِي تَمنَحُ الخَصبَ وَتُعطِينَا الفُصُولاَ إِن يَمُتْ لُبنَانُ…مِتُّم مَعَهُ كُلُّ مَن يَقتُلُهُ…كَانَ القَتِيلاَ كُلُّ قُبحٍ فِيِه...قُبحٌ فِيكُمُ فَأَعِيدُوهُ كَمَا كَانَ جَمِيلاَ إِنَّ كَوناً لَيسَ لُبنَانُ فِيهِ سَوفَ يَبقَى عَدَماً أَو مُستَحِيلاَ كُلُّ مَا يَطلُبُهُ لُبنَانُ مِنكُم أَن تُحِبُوهُ...تحِبُّوهُ قَلِيلاَ



في هذه الأبيات يُخاطب الشاعر كلّ الذين تخلوا عن لبنان وعاثوا فيه فسادًا ويذكّرهم بفضله عليهم؛ فقد كان معلمًا لمن حوله وكريمًا معطاء لم يبخل على أحد فاستحقّ الشكر من الجميع، لكنّه قوبل بعكس ذلك، ثمّ يؤكّد الشاعر عدم وجود بديل عن لبنان يُقدّم كلّ ما قدّمه، ويصفه بالأنثى المعطاءة والتي يرغب بها كلّ من رآها، بعد ذلك يُشير إلى أنّ دمار لبنان هو دمار لكلّ من حوله، ولا قيمة لهم من دونه، وكلّ من قتله سينال جزاءه، وفي ذلك دلالة على القيمة الكبيرة التي يحملها هذا البلد.


ثم يذكر الشاعر أنّ كل فساد وسوء ظهر في لبنان هو سوء في مَن تخلّى عنه وخانه، فعليهم أن يُعيدوا إلى سابق عهده كما كان، فما فائدة العالم إن لم يكن لبنان فيه بقوّته وقدره الكبير، وفي النهاية ينقل الشاعر رسالة على لسان لبنان يطلب فيها من أبنائه وإخوانه أن يمنحوه الحبّ والاهتمام حتى يعود قويًا وزاهيًا بين الأمم، ومن العبارات والمفردات التي تحتاج إلى توضيح الآتي:

  • علمكم أن تقرؤوا: كناية عن القيمة الثقافية التي تمتع بها لبنان.
  • الخصب: الغني والكثير.


السمات الفنية في قصيدة إلى بيروت مع الاعتذار

تتسم هذه القصيدة لنزار قباني بمجموعة من الخصائص والسمات الفنية، يُذكر منها ما يأتي:

  • دقة والوصف والتعبير والعاطفة الجياشة التي كان لها دور في التأثير في المتلقي وإثارة عواطفه ومشاعره تجاه لبنان.
  • استخدام الكثير من الصور الفنية التي تخدم المعنى الذي أراد الشاعر إيصاله والتعبير عنه.
  • التنويع في الأساليب البلاغية المستخدمة في القصيدة، كالالتفات والمقابلة والطباق وغيرها العديد.


ولقراءة شرح المزيد من قصائد الشاعر نزار قباني: قصيدة على الدرب.

المراجع

  1. هشام شريف، Hicham.pdf نزار قباني شاعر المرأة والوطن، صفحة 9. بتصرّف.
  2. "إلى بيروت الأنثى مع حبي"، جودريدز. بتصرّف.
  3. نزارر قباني، إلى بيروت الأنثى مع حبي، صفحة 37. بتصرّف.