تعود قصيدة الشاعر وصورة الكمال للشاعر عبد الرحمن شكري، وهو شاعر مصري، وأحد مؤسسي مدرسة الديوان الشّعريّة، وهو من أصول مغربية، ولد في بورسعيد عام 1886م، لأبٍ يسمى محمد شكري عياد، وتلقّى عبد الرّحمن اهتمامًا، وتعليمًا، وتثقيفًا، علميًا وأدبيًا، وقد التحق لدراسة القانون، وما لبث حتّى فُصل نتيجة تحريضه الطلبة على الإضراب الوطني، فاتجه إلى دراسة الآداب التي تتفق وميوله، فالتحق بمدرسة المعلّمين الأولى، والتزم فيها الدّرس الصّارم للأدبين العربي والغربي، وكتب في صحيفة الجريدة، ونُشر له أول ديوان عام 1909م بعنوان ضوء الفجر، ثم ذهب في بعثة إلى إنجلترا ليعود ويتقلّب في وظائف وزارة التربية والتّعليم، وقد اختار بور سعيد ليمضي ما تبقى له من حياته، ثم انتقل إلى الإسكندرية، وتوفي فيها سنة 1958م.[١]
مناسبة قصيدة الشّاعر وصورة الكمال
هي قصيدة من ديوان لآلئ الأفكار للشّاعر عبد الرّحمن شكري، وتندرج القصيدة تحت نوع الشّعر الذّاتي الذي يقوم على استبطان الذات، وحكاية ما يدور في دواخلها، والقصيدة ذات تجربةٍ ذاتية تحكي قصة معاناة الشّاعر، وتجربته التي نقلها من الإطار الذاتي إلى الإطار الإنساني العام؛ إذ تختلف النظرة إلى صورة الكمال، فالبعض يراها في المال، أو في المنصب والجاه، أو قد تكون في العلم، لكن الشّاعر عبد الرّحمن شكري يرسم صورة الكمال والمُثُل كما هي عند الشّعراء الرومانسيين، صورةً مثاليّةً مبتكرةً، وصورةً رومانسيةً خيالية جميلة من صور المعاني والأفكار، وهي صورة لا وجود لها في الواقع إنّما هي الصورة التي تخيّلها ورسمها وحلم بها، وقد أعجب الشّاعر برسم الصورة الرومانسية الخيالية للكمال، وانفعل، وتأثّر بها، ثم عبّر عنها ونسج أبيّات هذه القصيدة.
الفكرة العامّة للقصيدة
صورة الكمال المثالية التي رسمها الشّاعر، ومعاناة الشّاعر، وتأثره بهذه الصّورة.
الأفكار العامة في القصيدة
- بدأ الشّاعر عبد الرّحمن شكري برسم الصورة المثالية الجميلة التي ينشدها، ثم سعيه خلفها فوق قمم الجبال ليتمكن من تحقيقها، وفي الختام يصل إلى النتيجة المؤلمة، وهي الفشل والتضحية والموت في سبيل تحقيق الآمال والأماني.
- التعلق بصورة الجمال، والطموح نحو الإبداع.
- محاولة الشاعر، وسعيه نحو الكمال.
- التضحية بالنفس في سبيل تحقيق الآمال، والأحلام.
شرح الأبيّات
- يستهل الشّاعر عبد الرحمن قصيدته، ورواية قصته بأنّ الناس قد حدثوا، وتكلموا عن شاعرٍ نابغٍ، وبارعٍ، وفي ذلك تعظيم له، ولشعره المُجود فكثر المقال، والحديث عن شعره، وعن براعته في نسج وصياغة الشّعر، وهنا يريد أنّ يقول بأن معانيه سامية، وغاياته نبيلة، فهو يبحث من خلالها عن المثل العليا التي فيها الكمال. حيث يقول:[٢]
- ثمّ إن شاعرنا هذا طموح، عاشق للكتابة بما توحيه بنات أفكاره البكر العذراوات من الشّعر، حيث شبه صياغة الشّعر وأفكاره الشعريّة، ببنات الأفكار والخيال العذارى، النيرة، المشرقة التي تلمع في العقل لمّا يبتكرها الشّاعر، وهنا يكمن جمال الصّورة الفنية بأن جعل للخيال بناتًا، وهو ليس بمغرمٍ قلبه بالفتيات الغيد الصغيرات الحسناوات؛ لأن هدفه أسمى من ذلك، فقد أغرم قلبه، وتعلّق بالشعر الجميل، وبالمعاني الشريفة المبتكرة، التي لم يأت بها شاعر من قبل، فهو معنيٌّ قلبه بصورة الكمال الذي لا يمكن تحقيقه، وقد صاغ لبُّه، وقلبه، وعقله صورة الجمال الذي يتخيله، ويحلم به، وصورة الكمال المثالية التي وصلت إلى منتهى الحسن، وقمة الكمال، وتظهر براعة شكري في قوله: (صاغ لبه) فهي تشخيص واستعارة جُعِلَ فيها اللّبّ يصوغ كما الفنّان والصائغ يبدع أجمل آيات الكمال.
فيقول واصفًا ذلك:[٢]
- بعد ذلك يتابع عبد الرّحمن شكري حديثه عن شاعر الكمال فقد أصبح الشاعر الباحث عن الكمال كالطفل الذي يلفت انتباهه نجم لامع ذو بريقٍ وهّاج، فرغب بامتلاكه، وتحرّكت نفسه أملًا للحصول عليه، وهنا نرى جمال الصورة، والاستعارة في قول هاج أطماعه، وكأنه يشبه الأطماع بكائنٍ هائجٍ يثور لنيل مراده ومبتغاه، لكنّ ذلك كان مستحيلًا على ذلك الطفل أن ينال مبتغاه، فكان يمدّ يده إلى النّجم ظنًّا أنه قريب سيحصل عليه، ولكن النجمَ بعيد عنه، وكلّما تقدم في مشيه ظهر النجم، والمقصود بالنجم هو الأمال التي يطمع بها، ويزداد تعلقه بها وسعيه لينالها، إلا أنه لا يدركها، فباتت النجوم (الآمال) كما السراب الخادع، والوهم الذي يتخيله الظمآن في الصّحراء ماءً؛ فإذا ما وصل إليه كان خيالًا وأوهام.
- ثم مضى يتتبع آماله وراءها هائمًا على وجهه ظنًا منه أنه سيهتدي، ويُرشدُ إليها دون جدوى يتخبّط في كثيرٍ من الضلال، حتى كاد أن يلتقطها مسرًعا، ويمسكها ويضمها بين يديه، ويشبّه الآمال والغايات بالشيء المادي الذي يمسك باليد، يريد بذلك تصوير حالة الشّاعر الباحث عن صورة الكمال، ويسعى إلى غايته ومعانيه المثالية، والكاملة ويوشك على ذلك، لكنه يتخبط في مساعيه ولا يستطيع إدراكها، ويبدع شاعرنا في التصوير والتشبيه فتارةً يصور الشاعر كالطفل ليدل على الطهر والبراءة، وتارةً يشبه الأطماع بكائنٍ هائجٍ، وحينًا نراه يشبه الأمل والغاية بالنّجم، وحينًا يجعل اللمعان خادعًا، ونلحظ جمال الاستعارة بقوله المهتدي بالوهم، وجمال التصوير حين صوّر حالة هذه الأحلام والآمال الواهية الخادعة كالسّراب، ويظهر الجمال بالتجسيم؛ لأن السّراب وهو ما يظهر للإنسان العطش في الصحراء من خيالٍ نتيجة ارتفاع الحرارة، فهذا كله يوحي بالضّياع وتببد الأحلام والغايات، ونجد امتزاج فكر الشّاعر بفكرته عن الكمال والمثالية، وتعلّق وجدانه بهذه الفكره فانتقى تشبيه حاله بالطّفل؛ لأنّ الطفل أكثر الناس تعلقًا بالخيال والمحال صعب التحقق، وهو حاله كحال هذا الطفّل.ويتضح هذا في قوله:[٢]
- لقد تعلّق الشاعر بصورة الكمال وظل يسعى جاهدًا، ويواصل سعيه راكضًا خلف هذه الأماني الخادعة، والمعاني الخيالية حتّى هوى وسقط من فوق تلال أمانيه وأحلامه، فقد شبه الأماني والآمال بالتلال المرتفعة؛ وذلك لسموها ورفعتها، وصعوبة الوصول إليها، وكذلك كان الشّاعر يجري خلف أحلامه إلى أنْ سيطر عليه الفشل وقتله اليأس، فرحمة الله على هذا الشّاعر الّذي راح ضحيةً لآماله لمّا راح يركض بسرعةٍ وراء غاياته البعيدة المثالية، وأهدافه السّامية النّبيلة التي باتت صعبةً وبعيدة المنال، وهي نهاية مأساويّة اختتم بها الشّاعر قصيدته يائسًا من الحصول على غاياته، وتحقيق أحلامه بالوصول إلى الكمال. فيقول عبد الرّحمن شكري:[٢]
العاطفة
ذاتية صادقة عبّرت عن معاناة الشّاعر الوجدانية، وقد سيطرت عليها مشاعر التّشاؤم، واليأس، خاصةً في ختام القصيدة.
وللاطلاع على تحليل المزيد من القصائد: قصيدة أحلام شاعر، قصيدة المواكب.
المراجع
- ↑ شوقي ضبف، الأدب العربي المعاصر في مصر (الطبعة 10)، مصر:المعارف، صفحة 128-130. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث عبد الرحمن شكري، ديوان عبد الرحمن شكري، صفحة 92.