قصيدة ورثنا المجد من معلقة عمرو بن كلثوم وهي واحدةٌ من المعلقات السّبع المشهورة في العصر الجاهلي، وصاحبها هو أبو الأسود عمرو بن كلثوم التّغلبيّ، وأمُّه ليلى بنت المهلهل أخي كليب، نشأ عزيزَ الجانب معجبًا بنفسه، ساد قومه وهو ابن خمس عشرة سنة، وكان من الشّعراء الفرسان فقد قادَ الجيوش ودافع عن قبيلته، وهو الذي قتل الملك عمرو بن هند لأنه سعى لإهانة أمّهِ وإذلالها، قيل أنّه عمّر طويلًا، ومن أشهر شعره معلقته هذه الّتي قيلت في الفخر، وتعد من أشهر الشعر الجاهلي وأشدّه سيرورة، لأنها عامرة بالحماسة، وعامرة بروح الأنفة والعزّة.[١]


مدخل إلى المعلقة

هي معلقة قام بها عمرو بن كلثوم خطيبًا في سوق عكاظ في مكة إثر ما جرى لأمّه عند عمرو بن هند لمّا حاول إهانتها، كما عُرفت معلّقة عمرو بن كلثوم بأنها قصيدة عمودية على نظام الشطرين، وهي نونيّة على البحر الوافر وتنتمي إلى الشّعر العربي القديم، بالإضافة إلى أنها ذات جرس موسيقي الوزن والقافية سريع العلوق بالأذن والحافظة وكل ذلك ناسب موضوع القصيدة، وكان بنو تغلب يكثرون في التّغني بها، وقد بلغت أبيّات حوالي مئة بيت، فقال القسم الأول منها يوم الاحتكام، والقسم الثاني بعدما ثار بعمرو بن هند وقتله.[٢][٣]


مناسبة المعلقة

تُعدّ هذه المعلقة حماسية فخريّة توضح مقاصد الفخر في الشعر الجاهلي، إذ إن الغرض الأساسيّ منها هو الفخر والعزّة والانتصار لقبيلته، إضافةً إلى الحماسة والفروسيّة والثّقة بالنّفس.[١]


شرح معاني المعلقة وأفكارها الرئيسية

استهل الشاعر عمرو بن كلثوم معلقته بمقدمةٍ تقليدية ذكر فيها مجالس الخمرة والنّدامى، وينتقل بين الخمرة والتّباهي بشربها، وبينَ ذكر الحبيبة ووصالها، فخاطبها ووصف جمالها وحسنها، لينتقل بعد ذلك ويبدأ بالحديث عن بطولاته في الحرب، ويصل بذلك إلى موضوعه الّذي يهدف إليه، وهو الفخر والعنفوان، فيقول:[٤]


أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَـا وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ الأَنْدَرِيْنَـا مُشَعشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فيها إِذا ما الماءُ خالَطَها سَخينا تَجورُ بِذي اللُّبانَةِ عن هواهُ إذا ما ذاقها حتَّى يلينا صبنتِ الكأسَ عنا أم عمرو عليهِ لمِمالِهِ فيها مُهينا وما شرُّ الثَّلاثةِ أم عمرو بصاحبكِ الذي تَصبحينا قِفي قَبلَ التَفَرُّقِ يا ظَعينا نُخَبِّركِ اليَقينَ وَتُخبِرينا قِفي قَبلَ التَفَرُّقِ يا ظَعينا نُخَبِّركِ اليَقينَ وَتُخبِرينا قِفي نَسأَلكِ هَل أَحدَثتِ صَرمًا لِوَشكِ البَينِ أَم خُنتِ الأَمينا بِيَومِ كَريهَةٍ ضَرباً وَطَعنًا أَقَرَّ بِها مَواليكِ العُيونا



أما القسم الثّاني ففيه كلام عن الثّورة العارمة على عمرو بن هند، كما فيه كثير من الفخر، والأنفة، والتأبّي للعار، وفي هذا القسم يخاطب الشّاعر ملك الحيرة بخطابٍ عنيفٍ، وشديد اللهجة مهددًا إياه، ويفخر بقوة قبيلته ومجدها، وشدّة بأسها، وبسالة رجالها شبابًا وشيبًا، وفي كل ذلك تحدي لملك الحيرة وتحذير له من الإساءة لقوم عمرو بن كلثوم. [٢]


كما قدّم الشّاعر فكرته من خلال الفخر بالأجداد، والمجد الموروث، وبالأخلاق الكريمة التي تتمتع بها قبيلته بما فيها من عزّةٍ، وشرفٍ، وإباء، ومكانةٍ مرموقة بين سائر القبائل، فشاعرنا ورث المجدَ عن أجداده الأشراف وقبيلته الشريفة الأصل والنّسب، ثمّ يعود الشّاعر مخاطبًا عمرو بن هند ليفتخر أمامه بقوّة قبيلته ومجدها، وقوة رجالها وكثرة أعدادهم. فيقول الشاعر مخاطبًا ملك الحيرة ومحذرًا إيّاه أن لا يعجلَ حتّى يعلم قدرَ مَن يخاطب، بل إن ابن كلثوم يهدّده بقبيلته المقاتلة بمشاهد مستوحاةٍ من المعارك الملحميّة الصّاخبة فقبيلته إنْ ذهبت إلى القتال تعود راياتُها البيضاءُ حمراءَ وفي ذلك كناية عن كثرة القتل، حتّى أن قبيلته لهم أيام ومعارك طويلة فهم لا يخافون أي ملكٍ، ولا يتذللون، ولا يدينون لأحدٍ، يقول الشّاعرمنددًًا ومفاخرًا:[٥]


أبا هند فلا تعــــــجل علينا وأنظرنا نخبرك اليقينا بأنا نورد الرّايات بيضًا ونصدرهنَّ حمرًا قد روينا وأيّام لنا غرٍّ طــــوالٍ عصينا الملك فيها أن نــدينا



ويستمر عمرو بن كلثوم بفخره مخاطبًا ومهددًا الملك بأنّ قومه أعزاء أشداء في القتل فرسان وبواسل، فهم من شدة بأسهم يذهبون إلى المعارك ويطحنون أعداءهم، وهنا تظهر لنا براعة التصوير، وجمال التشبيه لدى الشّاعر حيث شبّه الحرب بالرّحى، ولقاء الأعداء بالطحن، والفتك بهم كأنهم طحين، كما أنّ لديهم من الخبرة في القتال، والضرب بالسّيف إذا أتوا واقتربوا وجهًا لوجه، والرّمي بالرّماح إذا ابتعد الأعداء عنهم، ورماحهم التي يقاتلون بها هي رماح سمر لينة من رماح الرجل الخطيّ، أو بأسيافٍ بيض صارمة قاطعة، وقد وصف الرّماح بالسمرة للدّلالة على نضج منابتها حين قال:[٦]


متى ننقل إلى قوم رحانا يكونوا في اللقــــــــاء لها طحينا نطاعن ما تراخى الناس عنا ونضـــرب بالسيوف إذا غشينا بســــمر من قنا الخطيّ لـــدنٍ ذوابل أو ببيض يختــلينا



ثمّ يصوّر الشّاعر كيفية قتل الأعداء مفاخرًا بقومه الأقوياء والأشدّاء بأسلحتهم كيف يشقّون رّؤوس الأعداء، ويقطّعون رقاب الخصوم إربًا كما المخالب الحادّة التي تقطّع الفريسة، حيث يشبه قطع الرؤوس بجذَّ الغنم، فلا يدري الأعداء ماذا يحذرون، ثمّ يفتخر الشاعر بأمجاد قبيلته وأجداده، فقد ورث المجد عن أجداده الشّرفاء قد علمت خبرهم معدٌ، وهي قبيلة معروفة بين العرب، وهم يقاتلون الأعداء دون شرفهم حتى يظهر الشرف لهم؛ إذ يقول عمرو بن كلثوم:[٧]


نَشُقُّ بِها رُؤوسَ القَومِ شَقًا وَنُختلبُ الرِقابَ فَتَختَلينا نَجُذُّ رُؤوسَهُم في غَيرِ بِرٍّ فَما يَدرونَ ماذا يَتَّقونا وَرِثنا المَجدَ قَد عَلِمَت مَعَدٌّ نُطاعِنُ دونَهُ حَتّى يَبينا



ثمّ يخاطب الشّاعر ويسأل عمرو بن هند مستنكرًا فعله: كيف تشاء يا عمرو بن هند أن تتبع الوشاة، وتحقرنا، وتقصّر بنا، ويستنكر الوعيد والتهديد فمتى كان وقبيلته خدّامًا لأمّ عمرو بن هند، بل إنّ عزّةّ الشاعر، ومجد قبيلته أبت أن تلين أمام الأعداء الّذين حاولوا أن يخضعوهم، ولكنّهم لم يستطيعوا إذلالهم، فيقول عمرو بن كلثوم:[٨]


بِأَيِّ مَشيئَةٍ عَمرُو بنَ هِندٍ تُطيعُ بِنا الوُشاةَ وَتَزدَرينا تَهَدَّدنا وَأَوعِدنا رُوَيد مَتى كُنَّا لِأُمِّكَ مَقتَوينا فَإِنَّ قَناتَنا يا عَمرُو أَعيَت عَلى الأَعداءِ قَبلَكَ أَن تَلينا



ويتابع الشّاعر فخره موجهًا الخطاب إلى بني بكر محذرًا لهم بأنه وقبيلته أصحاب بأسٍ وقوّةٍ؛ فتنحوا، وتباعدوا يا بني بكر، ولا تعترضوا لبأسنا فقد عرفتم منا القّوة والبأس، ورأيتم ذلك فقد أتت جيوشنا على بعضها بالطعن والرّمي، حين قال:[٩]


إِلَيكُم يا بَني بَكرٍ إِلَيكُم أَلَمّا تَعرِفوا مِنّا اليَقينا أَلَمّا تَعرِفوا مِنّا وَمِنكُم كَتائِبَ يَطَّعِنَّ وَيَرتَمينا



المراجع

  1. ^ أ ب حنا الفاخوري، الجامع في تاريخ الأدب العربي القديم، صفحة 197-198. بتصرّف.
  2. ^ أ ب حنا الفاخوري، الجامع في تاريخ الأدب العربي القديم، صفحة 198.
  3. الإمام أبو عبدالله الحسين بن أحمد بن الحسين الزوزني، شرح المعلقات السبع، صفحة 280.
  4. الزوزني، شرح المعلقات السبع، صفحة 289-2-93.
  5. الزوزني، شرح المعلقات السبع، صفحة 298-299.
  6. الزوزني، شرح المعلقات السبع، صفحة 300-302.
  7. الزوزني، شرح المعلقات السبع، صفحة 303-304.
  8. الزوزني، شرح المعلقات السبع، صفحة 309-310.
  9. الزوزني، شرح المعلقات السبع، صفحة 315.