من لقب بشاعر السيف والقلم

يعود لقب شاعر السيف والقلم للشاعر محمود سامي البارودي، وهو شاعر رائد في الشعر العربي الحديث، والإمام الأول له، فقد فك الشعر من قيوده البديعية المختلفة، وأغراضه المعروفة، ووصله بالروائع القديمة وصياغتها المحكمة، أما عن سبب تسميته بشاعر السيف والقلم؛ فذلك لكونه جنديًا، وفارسًا شجاعًا وبطلًا، وشاعرًا بنفس الوقت، وكان له مواقفه المحمودة في الشجاعة والبطولة والتي انعكست في شعره.[١][٢]


مولد البارودي ونشأته

ولد الشاعر محمود سامي البارودي في 6 أكتوبر من عام 1839م، وذلك في دمنهور التابعة لمحافظة البحيرة المصرية، وهو من أصل شركسي، تحديدًا من سلالة المقام السيفي نوروز الأتابكي، وقد عمل أجداده في جمع الضرائب من أهالي المنطقة، أما والده فهو حسن حسين بك البارودي، وهو من أمراء المدفعية، عمل مديرًا على بربر، من ثم دنقلة، وذلك في عهد والي مصر محمد علي باشا، وجده لأبيه عبد الله بك الشركسي كان أيضًا كشافًا في عهد محمد علي، فنشأ محمود على شيءٍ من الثراء والسلطان، ولقب البارودي أخذته العائلة نسبةً إلى بلدة إيتاي البارود التابعة للبحيرة، والتي كان فيها مراد بن يوسف شاويش ملتزمًا عليها في العصر العثماني.[٣]


تعليم البارودي

تعليم البارودي الأول كان في منزله من القراءة والكتابة، وحفظ القرآن، علاوةً على تعلم مبادئ النحو والصرف، والفقه والتاريخ والحساب أيضًا[٤]، وبعد ذلك التحق بالمدرسة الحربية، وهو في الثانية عشر، والتي تخرج منها عام 1854م، أي في السادسة عشرة من عمره، جاهزًا مستعدًا للحرب، لكنه لم يجدها؛ لما عانت منه المنطقة من ركود، فاعتكف على كتب التاريخ يلتهم صفحاتها، مما أثار ملكة الشعر الكامنة عنده، الأمر الذي دفعه يطلع إلى تراثه الأدبي أكثر، فيرى صورة الحياة فيها من قتالٍ، وحكمةٍ، وأبطالٍ، وفكاهةٍ، ورثاءٍ، فازداد شغفه، وبدأ بتقليد قصائد فحول الشعر، ولكن أبناء طبقته من الأثرياء عابوا عليه ذلك، فضاق به الحال في مصر، ليقرر السفر إلى الآستانة، فتعلم اللغة التركية، والفارسية، ودرس آدابها[٥]، والتحق بعدها بالجيش السلطاني، فعمل في وزارة الخارجية، من ثم ألحقه الخديوي إسماعيل في حاشيته واهتم به، من ثم عاد إلى الجيش برتبة بكباشي، إلى أن تسلم رتبة اللواء، ونيشان الشرف[٦].


أسلوب البارودي الشعري

أسلوب البارودي في شعره هو صورة لنفسه، فقد كان أقرب ما يكون إلى أسلوب حياته، وما يعبر ويشعر به، فقد جمع فيه ما بين أسلوب الجزل، والديباجة البدوية، ولكن باستخدام مجريات عصره من حوله، فصورها كما هي ببساطةٍ وقوة، دون الحاجة إلى أي محسناتٍ بديعية في اللفظ، من مثل: الجناس، والطباق، فصور ما يرى، وهذا كان حال أسلوبه الذي شد الإعجابه به، وإليه[٧].


منهج البارودي الشعري

انتهج البارودي في أشعاره النماذج الشعرية القديمة، ولكنه عمد إلى التجديد فيها، وذلك بإيجاد أوزانٍ جديدة، من مثل وزن المجزوء المتدارك الذي أوجده[٨]، ومما ساعد في انتهاج البارودي الشعر القديم، من ثم تجديده هو[٩]:

  • حفظه لنماذج الشعر العربي القديم.
  • ثقافته الواسعة بين العربية، والتركية، والفارسية.
  • الجنس التركي الذي تحلى فيه بالفخر بالنسب، والطموح الأدبي؛ ساعيًا خلف مجد الآباء والأجداد.
  • الواقع الذي عايشه في مصر، والذي حفزه ليكون حامل لواء الشعر العربي الحديث، بتخليصه من الأساليب الركيكة، وقيوده البديعية، وأغراضه الضيقة والمحدودة.


مؤلفات البارودي

للبارودي عدة مؤلفاتٍ مهمة في الشعر ونظمه، وهي كالآتي[١٠]:

  • ديوان شعري من جزأين.
  • مختارات البارودي، وهي مجموعات شعرية من اختياره لعدد من شعراء العصر العباسي.
  • قيد الأوابد، وهو يحوي على مختاراتٍ من النثر.
  • كشف الغمة في مدح سيد الأمة، وهي قصيدة مطولة في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقع في 447 بيتاً.


أشهر مؤلّف وأقوال للبارودي

ديوان شعر البارودي يضم في ثناياه قصة حياة البارودي وما عايشه، فكل قصيدة هي حالة نفسية تعبر عما في كاتبها من خلال السطور، وربما من أشهر أشعاره في ديوانه[١١]:


يا هاجرِي مِنْ غَيْرِ ذَنبٍ في الْهَوَى مَهْلا، فَهَجْرُكَ والمنُونُ سَواءُ أَغْرَيْتَ لَحْظَكَ بالْفُؤادِ فَشَفَّهُ وَمِنَ الْعُيونِ عَلَى النُّفُوس بَلاءُ هِيَ نَظْرَةٌ، فامْنُنْ عَلَيَّ بِأُخْتِها فالْخَمْرُ مِنْ ألَمِ الْخُمارِ شِفَاءُ لا أنْتَ تَرْحَمُني، ولا نارُ الهَوَى تَخْبُو وَلَا لِلنَّفْسِ عَنْكَ عَزاءُ فَدَعِ التَّكَهُّنَ يا طَبِيبُ فَإِنَّمَا دَائِي الْهَوَى، وَلِكُلِّ نَفْسٍ دَاءُ أَلَمُ الصَّبَابَةِ لَذَّةٌ تَحَيْا بِهَا نَفْسِي وَدَائِي لَوْ عَلِمْتَ دَوَاءُ



ومن أقوال البارودي في مدح الرسول الكريم أيضًا[١٢]:


يا صارِمَ اللَّحْظِ مَنْ أَغْرَاكَ بِالْمُهَجِ حَتَّى فَتَكْتَ بِهَا ظُلْماً بِلا حَرَجِ ما زالَ يَخْدَعُ نَفْسِي وَهْيَ لاهِيَةٌ حَتَّى أَصَابَ سَوادَ الْقَلْبِ بِالدَّعَجِ طَرْفٌ لَو أَنَّ الظُّبَا كَانَتْ كَلَحْظَتِهِ يَومَ الْكَرِيهَةِ مَا أَبْقَتْ عَلَى وَدَجِ أَوْحَى إِلَى القَلْبِ فانْقَادَتْ أَزِمَّتُهُ طَوْعاً إِلَيْهِ وَخلَّانِي وَلَمْ يَعُجِ فَكَيْفَ لِي بِتَلافِيهِ وَقَدْ عَلِقَتْ بِهِ حَبائِلُ ذاكَ الشَّادِنِ الْغَنِجِ



وفاة البارودي

توفي الشاعر محمود سامي البارودي عام 1904م، وذلك في شهر ديسمبر اليوم الثاني عشر منه، وقد عمد بعد عودته من المنفى على فتح بيته للأدباء، والشعراء من مثل: حافظ إبراهيم، وخليل مطران، فكانوا مدرسة النهضة من بعده.[١٣]

المراجع

  1. سركوت مصطفى دباغ، العتاب في شعر محمود سامي البارودي، صفحة 506. بتصرّف.
  2. عارف حجاوي، إحياء الشعر، صفحة 20. بتصرّف.
  3. أحمد خالد، محمود سامي البارودي دراسة تاريخية، صفحة 8-9. بتصرّف.
  4. احمد خالد، محمود سامي البارودي دراسة تاريخية، صفحة 10. بتصرّف.
  5. عمر الدسوقي، محمود سامي البارودي، صفحة 22-23. بتصرّف.
  6. احمد خالد، محمود سامي البارودي دراسة تاريخية، صفحة 11-13 15. بتصرّف.
  7. محمود سامي البارودي، ديوان محمود سامي البارودي، صفحة 13-12. بتصرّف.
  8. احمد خالد، محمود سامي البارودي دراسة تاريخية، صفحة 41. بتصرّف.
  9. احمد خالد، محمود سامي البارودي دراسة تاريخية، صفحة 42. بتصرّف.
  10. احمد خالد، محمود سامي البارودي دراسة تاريخية، صفحة 28. بتصرّف.
  11. عارف حجاوي، إحياء الشعر، صفحة 25. بتصرّف.
  12. محمود سامي البارودي، ديوان محمود سامي البارودي، صفحة 69-70. بتصرّف.
  13. احمد خالد، محمود سامي البارودي دراسة تاريخية، صفحة 19. بتصرّف.